المطالبة بأتعاب الخبير وتقديرها

 

المطالبة بأتعاب الخبير وتقديرها

أ.د / عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

من الإشكاليات الواقعية عدم سلوك الطريق القانونية للمطالبة باتعاب الخبير والمجازفة في تقدير اتعاب الخبراء العدول وعدم اتباع الاجراءات السليمة غي دفع هذه الاتعاب إلى الخبراء ووقت الدفع وعلاقة الخصوم بذلك، ولأهمية هذا الموضوع فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 19/3/2014م في الطعن رقم (53447) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان احد الخبراء الذين ندبته المحكمة لإجراء لتحديد مستحقات الشركة طالبة التنفيذ لدى الشركة المطلوب التنفيذ عليها أدعى هذا الخبير بانه قد اتفق مع طالب التنفيذ بان تكون اتعابه نسبة 10% من المبالغ المستحقة لطالبة التنفيذ  بذمة الشركة المطلوب التنفيذ عليها ،وذكر الخبير المدعي  ان طالب التنفيذ قد سلمه نصف المبلغ ورفض سداد بقية المبلغ المتفق عليه مع أنه قد انجز المهمة وسلم التقرير إلى أمين صندوق المحكمة، وقد توصلت المحكمة الابتدائية إلى الحكم برفض دعوى الخبير لان القانون قد حدد طريقة مطالبة الخبير باتعابه وهي تقديم طلب عارض الى المحكمة التي نظرت النزاع وليس تقديم دعوى ابتدائية مثلما فعل الخبير علاوة على ان تقدير اتعاب الخبير يكون من قبل المحكمة التي انتدبت الخبير للمهمة حسبما قرر قانون المرافعات، وقد أيدت محكمة الاستئناف الحكم الابتدائي الا ان الخبير قام بالطعن في الحكم الاستئنافي بالنقض، فقبلت الدائرة التجارية الطعن ونقضت الحكم الاستئنافي، وقد ورد في أسباب حكم المحكمة العليا (أنه برجوع هذه الدائرة إلى أوراق القضية فقد وجدت أن القاضي انتدب الخبير الطاعن للقيام بإعداد تقرير محاسبي يحدد استحقاق المطعون ضدها لدى شركة اخرى ولم يحدد قاضي التنفيذ قدر الأمانة التي يتعين ايداعها خزينة المحكمة لمواجهة اتعاب الخبير وفقاً للمادتين (167 و 169) إثبات، وحيث ان تقدير الاتعاب من سلطة القاضي المنظور أمامه النزاع حيث يتم تحديدها ودفعها من الأمانة المودعة خزينة المحكمة على قدر الجهد المبذول من الخبير في اعداد التقرير، لذلك لا عبرة بأي اتفاق على قدر الاتعاب بين احد الخصوم والخبير على فرض وجود اتفاق بذلك بل أنه تصرف غير جائز أصلاً ولذلك فان نتيجة الحكم المطعون فيه المؤيد للحكم الابتدائي موافقة للقانون) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الاتية :

الوجه الأول : طريقة مطالبة الخبير باتعابه :

من خلال مطالعتنا للحكم محل تعليقنا نجد أنه قد قضى بعدم صحة رفع الدعوى التي رفعها الخبير للمطالبة باتعابه لان القانون قد حدد طريق الخبير للمطالبة باتعابه وهي طريق تقديم طلب الأمر على عريضة الى رئيس المحكمة وليس عن طريق الدعوى، وسند الحكم محل تعليقنا في قضائه هو المادة (261) مرافعات التي نصت على أن (تقدر اتعاب الخصومة في الحكم كلما امكن ذلك والا قدرها رئيس المحكمة التي أصدرت الحكم بناءً على طلب المحكوم له بأمر على عريضة يكون محتوياً على قائمة مفصلة بالنفقات المحكوم بها ولا يخضع هذا الأمر للسقوط المقرر للأوامر على العرائض) وكذا المادة (163) إثبات التي نصت على (ان يقدر اجر الخبير بناءً على طلبه بأمر على عريضة يصدر من المحكمة يكون نافذاً على الخصم وينفذ فوراً) وقد ورد في أسباب الحكم محل تعليقنا أنه كان من اللازم على الخبير ان يسلك الطريق القانوني للمطالبة بأتعابه وذلك بتقديم طلب على عريضة أمام رئيس المحكمة التي أصدرت الحكم، فيقوم رئيس المحكمة بإصدار أمر على عريضة يقدر فيه اتعاب الخبير ولا يخضع هذا الأمر للسقوط المقرر للأوامر على العرائض ،ولمن صدر ضده الأمر التظلم منه أمام المحكمة مصدرة الأمر، وحيث أن الإجراءات المتبعة في تقدم الدعاوى أو الطلبات أو الدفوع المقررة في قانون المرافعات تعتبر من المسائل المتعلقة بالنظام العام الواجب اتباعها ومخالفتها وعدم اتباعها يجعل الدعوى أو الطلب أو الدفع غير مقبولاً شكلاً وفقاً لنص المادة (72) مرافعات.

الوجه الثاني : تقدير اتعاب الخبير من اختصاص المحكمة :

الخبير عون القضاء في المسائل الفنية مع ان للقاضي ان يأخذ بالنتيجة التي يتوصل اليها الخبير او يرفضها كلها أو يأخذ ببعضها باعتبار القاضي خبير الخبراء، إلا أن القاضي في المسائل الفنية الدقيقة يركن الى تقرير الخبير، ولذلك ينبغي أن يكون الخبير عدلاً في مسلكه ومنهجه وان يكون عادلاً في تقديره ولذلك يطلق على الخبير (الخبير العدل) كما أن المحكمة هي التي تندب الخبير لانجاز المهمة ويحلف اليمين امامها ويقدم اعماله اليها، ولذلك فان المحكمة ستكون هي الاقدر والاعرف بالأتعاب التي يستحقها الخبير المتناسبة مع الجهد الذي بذله الخبير في سبيل انجاز المهمة التي قام بها الخبير لحساب المحكمة وليس لحساب الخصوم، فالخبير تابع للمحكمة وليس للخصوم، إضافة إلى أن اتعاب الخبير تندرج ضمن مصاريف المحاكمة أو التقاضي حسبما ورد في الحكم محل تعليقنا، والاهم من هذا وذاك ان المادة (261) مرافعات قد اناطت بالمحكمة تقدير اتعاب الخبير حيث نصت على أن (تقدر نفقات الخصومة في الحكم والا قدرها رئيس المحكمة) وبموجب هذا النص والاسانيد السابق ذكرها فان المحكمة هي المختصة بتقدير اتعاب الخبير حتى لو اتفق الخبير مع الخصم أو الخصوم على تحديد اتعابه مثلما حصل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا، لان اتفاق الخبير مع الخصم على تحديد اتعابه يسرب الشك  الريبة إلى التقرير الذي سيقدمه متضمناً النتائج التي توصل اليها.

الوجه الثالث : طريقة سداد اتعاب الخبير :

اشار الحكم محل تعليقنا إلى ان المحكمة تقوم بتحديد مبلغ معين في ضوء التقرير الأولى الذي يقدمه الخبير وملاحظات الخصوم عليه، ويكون هذا المبلغ امانة أو عهدة في خزينة المحكمة حيث يكون قرار القاضي بأن المبلغ يكون عهدة أو أمانة حتى لا يفهم من ذلك ان المبلغ قد صار حقاً مستحقاً للخبير الذي قد يقوم باداء المهمة وقد لا يقوم بذلك وقد لا ينفذ المهمة على النحو المحدد كما ينبغي ان يتضمن قرار القاضي بإيداع مبلغ العهدة المشار اليه يتضمن عبارة (ولا يصرف هذا المبلغ إلا على تنفيذ اعمال الخبرة بحسب قرار المحكمة) حتى يكون القاضي بعيداً عن (اللمز والغمز والشكوك) التي يثيرها الخصوم وغيرهم بان القضاة يبالغون في تحديد اتعاب الخبراء حتى يقاسم القضاة الخبراء اتعابهم، علاوة على أنه ينبغي أن لايقوم الخصوم مباشرة بسداد اتعاب الخبراء الى الخبراء يداً بيد اتقاءً للشبهات وتنزيها لاعمال الخبراء وحيادية ومهنية اعمالهم، والله اعلم.