عدم حضور المدعى عليه يبطل حكم التحكيم


عدم حضور المدعى عليه يبطل حكم التحكيم

أ‌.       د/ عبد المؤمن شجاع الدين

أستاذ كلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

من الإشكاليات العملية التي يتكرر وقوعها نطاق حالات دعوى بطلان حكم التحكيم وهل هي محصورة في الحالات المحددة في المادة (53) تحكيم أم أنها غير محصورة ؛وكذا يثور الجدل بشان تطبيقات حالات البطلان ؛ علاوة على إشكاليات  نسبة مخالفات حكم التحكيم إلى حالات البطلان المحددة في القانون إضافة إلى إشكالية حدود صلاحيات المحكم في الإحضار القهري للخصوم والتنصيب وكذا إشكالية تفسير وتطبيق حالتي بطلان حكم المحكم أذا كانت إجراءاته غير صحيحة او مخالفة للنظام العام ؛ فهاتان الحالتان عامتان مبهمتان ، ولذلك فان التطبيق القضائي لهاتين الحالتين يكشف الغموض الذي يكتنف حالتي بطلان حكم التحكيم لمخالفته للنظام العام ، ومن هذا المنطلق جاءت فكرة التعليق على الحكم الصادر من الدائرة المدنية بالمحكمة العليا  في جلستها المنعقدة بتاريخ 12/7/2011م في الطعن المدني رقم (41992) لسنة 1432هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم أن خلافاً حدث بين مجموعة من الأشخاص بشان ملكية مقلع حجارة (مضراب) يتم استخراج الحجارة منه وبيعها ؛ فقام الأشخاص المختلفون بتحكيم شيخ للفصل في الخلاف ؛ وقد اصدر المحكم حكمه الذي تضمن  في اسبابه : أن المحكم قام بالانتقال إلى المضراب محل الخلاف لتطبيق بصائر المحتكمين على موضع النزاع وان المدعى عليه  تغيب عن حضور ذلك الموقف كما انه قد تغيب عن حضور جلسات المحاكمة  بعد إعلانه طبقاً للمادة (116) مرافعات كما ورد في حكم التحكيم أن المدعى عليه  لم يحضر ولم يبرز ما لديه من مستندات ، وقد توصل المحكم إلى الحكم ( بان الملك لجميع المضراب للمشتري... لسابق شرائه على المشترين الآخرين؛ وعليهم  تسليم عائد ما استغلوه من تاريخ اغتصابهم للمضراب  بالإضافة إلى رفع أيديهم عن المضراب) فقام المدعى عليه المحكوم عليه  قام بتقديم دعوى بطلان حكم المحكم أمام محكمة الاستئناف التي قبلت دعواه وحكمت ( بقبول دعوى البطلان وإلغاء حكم التحكيم وبأنه من له دعوى قدمها أمام المحكمة المختصة ) وقد جاء في أسباب الحكم ألاستئنافي (ومن حيث الموضوع فالظاهر ان حكم المحكم قد استند إلى مستندات الخصوم المضمنة حرفيا في الحكم وأما مدعي البطلان فقد ورد في حكم المحكم : انه لم يحضر رغم إعلانه وقرر المحكم التنصيب عنه ثم جاء في الحكم : أن المدعي بالبطلان: مفلس من البرهان ومغتصب للمضراب مما يدل أن المدعي بالبطلان لم يحضر أمام المحكم ولم يبرز مستنداته وتم النصب عنه من قبل المحكم إجراء باطل لمخالفته القانون واستدلاله بالمادة (116) مرافعات في غير محله  مما يجعل الحكم جديراً  بالإلغاء)  فلم يقبل المحكوم عليه  بالحكم ألاستئنافي فقام بالطعن في الحكم ألاستئنافي أمام المحكمة العليا التي رفضت الطعن وأقرت الحكم ألاستئنافي ، وقد جاء في أسباب حكم المحكمة العليا ( أن ما أثاره الطاعن في طعنه قد سبق له أن أثاره أمام محكمة الموضوع  التي ناقشت مناعيه تفصيلاً فلا يجوز له أثارة هذه المسائل الموضوعية أمام المحكمة العليا باعتبارها محكمة قانون). وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب ماهو مبين في الاوجه الاتية:

الوجه الأول : حالات بطلان حكم التحكيم بين الإطلاق والتقييد :

سلك قانون التحكيم اليمني مسلكاً حسناً في هذه المسألة حيث توسط فيها كما سنرى، فقد نصت المادة (53) تحكيم على انه مع مراعاة أحكام هذا القانون لا يجوز طلب إبطال حكم التحكيم الا في الأحوال التالية :- 1- اذا لم يوجد اتفاق تحكيم أو انتهت مدته أو كان باطلاً وفقاً للقانون- 2- اذا كان احد أطراف التحكيم فاقد الأهلية- 3- اذا كانت الإجراءات غير صحيحة- 4- اذا تجاوزت لجنة التحكيم صلاحياتها- 5- اذا تم تشكيل لجنة التحكيم بصورة مخالفة لاتفاق التحكيم- 6- اذا لم يكن حكم التحكيم مسبباً- 7- اذا خالف حكم التحكيم أحكام الشريعة الإسلامية والنظام العام ، وفيما عدا هذه الأحوال والأحوال المبينة في هذا القانون فات احكام التحكيمالتي تصدروفقا لهذا القانون لايجوز  الطعن فيها باي طريق من طرق الطعن  المنصوص عليها في قانون المرافعات ؛) ومن مطالعة هذا النص وعند التأمل في حالات البطلان المحددة فيه نجد انه قد توسط في مسألة الحصر والإطلاق فأغلبية الحالات المذكورة في النص لا يستطيع الخصوم والقضاة التوسع في تفسيرها  حيث أن لها مفهوم محدد مثل حالة اذا كان احد أطراف التحكيم فاقد الأهلية ، وفي المقابل فان النص قد قرر حالات للبطلان مجال تطبيقها واسع جداً مثل حالة البطلان اذا كانت الإجراءات غير صحيحة فتنطبق هذه الحالة وتفسيرها في الواقع العملي واسع جداً يتيح  للخصوم أن يستندوا إلى هذه الحالة وان يتوسعوا في تطبيقها عند الادعاء ببطلان أحكام التحكيم، وكذلك الحال بالنسبة لحالة بطلان حكم التحكيم لمخالفته للنظام العام حيث أن فكرة النظام العام من اسمها عامة ومتغيرة فمجالها واسع عند التطبيق والتفسير.

الوجه الثاني : عدم حضور الخصم  جلسات التحكيم باعتبار ذلك من تطبيقات حالة بطلان حكم التحكيم لمخالفته النظام العام :

من خلال المطالعة للحكم محل تعليقنا نجد انه قد أبطل حكم التحكيم الذي صدر من غير أن يحضر المدعى عليه جلسات التحكيم أو ينيب عنه من يحضر هذه الجلسات ويقدم أدلته ومستنداته ويباشر حقه في الدفع والدفاع في مواجهة الدعاوى المقدمة ضده من خصومه  بعد أن تتم مواجهته بها ، لان عدم حضوره بمثابة أهدار لمبدأ حق الدفاع ومبدأ المواجهة وهما من المبادئ الحاكمة للتقاضي أي إنهما من النظام العام حسبما ورد في الفصل الرابع من قانون المرافعات بعنوان (المبادئ الحاكمة للقضاء والتقاضي) ومن هذه المبادئ مبدأ المساواة : المقرر في المادة (16) مرافعات فعدم حضور المدعى عليه  وحضور خصومه يعني أهدار لمبدأ المساواة ، أضافه إلى أن عدم حضور المدعى عليه وحضور خصومة أهدار لحق الدفاع المكفول المنصوص عليه في المادة (17) مرافعات فالدعاوى والأدلة من المدعين الحاضرين قد تم توجيهها من قبل المدعين الحاضرين في حين أن المدعى عليه لم يكن حاضراً عندئذ ولذلك فان الحكم بموجب هذه الدعاوى وأدلتها المقدمة في غياب المدعى عليه يتضمن أهدار لمبدأ حق الدفاع ، علاوة على أن الاستماع إلى دعاوى وأقوال وأدلة المدعين الحاضرين والمدعى عليه  غائب يهدر مبدأ المواجهة المكفول شرعا وقانوناً فلو كان المدعى عليه  حاضراً لرد على الدعاوى والأدلة وترتب على ذلك تغيير وجه الرأي لدى المحكم، ومبدأ المواجهة من المبادئ الحاكمة للتقاضي ومن النظام العام حسبما ورد في المادة (19) مرافعات ، ومن خلال ما تقدم نستخلص ان البطلان في حالة عدم حضور المدعى عليه  تنطبق عليه حالة بطلان حكم التحكيم لمخالفته للنظام العام المقرر في السبب الأخير من أسباب بطلان حكم التحكيم المذكورة في المادة (53) تحكيم السابق ذكرها.

الوجه الثالث : إمكانية التنصيب عن الخصوم من قبل المحكم :

الوصف: 2.pngمن خلال المطالعة للحكم محل تعليقنا نجد انه قد صرح بان قيام المحكم بالتنصيب عن المدعى عليه كان فهماً خاطئاً للمادة (116) مرافعات التي تناولت أحكام التنصيب، وهذا يقتضي الإشارة بإيجاز إلى طبيعة التحكيم التي تختلف عن القضاء حيث أن القضاء يقوم على الجبر  والتحكيم يقوم على الاختيار مثلما حصل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا ولذلك فان سلطة المحكم في التنصيب تكون مقيدة قياساً بالقاضي ، بالإضافة إلى هذا فان المحكم  عند قيامه بالتنصيب لم يراعي شروط التنصيب المنصوص عليها في المادة (116) مرافعات  فلم يكن المحكم موفقاً حسبما ورد في الحكم محل تعليقنا فالمحكم لم يتبع الإجراءات المنصوص عليها في تلك المادة بشأن التنصيب عن الخصوم حيث كان يتوجب على المحكم بمقتضى تلك المادة أن يقوم أولاً بإعلان المدعى عليه بالحضور إعلانين صحيحين بواسطة المحكمة المختصة أصلا بنظر النزاع فان لم يحضر المدعى عليه  بعد الإعلانين الصحيحين كان من الواجب على المحكم أن يطلب من المحكمة استدعاء المدعى عليه بواسطة الشرطة القضائية الخ الإجراءات التدريجية المذكورة في المادة (116) مرافعات ألا أن المحكم لم يتبع هذه الإجراءات  فاستحق حكمه أيضاً البطلان بسبب حالة أخرى من حالات بطلان حكم التحكيم وهي حالة البطلان بسبب الإجراءات غير الصحيحة التي باشرها المحكم عن التنصيب عن المدعى عليه ، وبناءً على ما تقدم في هذا التعليق فان الحكم محل تعليقنا قد قضى ببطلان حكم التحكيم لسببين هما مخالفة حكم التحكيم للنظام العام وقيام الحكم على إجراءات غير صحيحة، والله اعلم.