أثر تسليم المشتري لطالب الشفعة
أ.د عبد المؤمن شجاع الدين
الاستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء
الشراكة والخلطة سبب
الشفعة دفعا لمضار وخلافات الخلطة
والشراكة، فالشفعة علاج لتلك المضار ؛ولكن عدم فهم احكام ومسائل الشفعة يثير
اشكالات و خلافات بين الجيران والشركاء والورثة و هنا تكمن خطورتها الاجتماعية الاقتصادية لا سيما في دول قد يكون فيها الوعي
الشرعي والقانوني ضعيفاً أو محدودا ؛ بل أن قلة هذا الوعي تفضي إلى سقوط حقوق بعض
الأشخاص كما حصل في القضية التي تناولها
الحكم محل تعليقنا وهو الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها
المنعقدة بتاريخ 12/3/2011م في الطعن المدني رقم (42180) لسنة 1432ه وتتلخص وقائع
القضية التي تناولها هذا الحكم أن شخصاً قام
ببيع منزله إلى شخص أخر فقام الجار المجاور له بطلب الشفعة من المشتري الذي طاوعه حسبما ورد في
الحكم أي لم يرفض طلبه أو ينكر عليه طلب الشفعة فاصر الجار على طلب الشفعة مهما كان الأمر فقام برفع دعوى الشفعة أمام
المحكمة الابتدائية المختصة ؛ فرد عليه المشتري بأن الجدار الملاصق لمنزله ليس ملك
طالب الشفعة وانما هو ملك البائع ؛ والدليل على ذلك أنه قد حرر التزاماً للبائع بعدم
وضع أي خشبة أو عود على الجدار الملاصق لمنزله إضافة إلى أن الشفعة لا تجوز في المنازل،
فعقب المدعي بأنه قد طلب الشفعة من المشتري فلم يرفض ذلك بل أنه طاوعه ولذلك فلا يجوز له شرعاً وقانوناً
أن يقول بعد ذلك بأن سبب الشفعة غير موجود،
وقد انتهت المحكمة الابتدائية إلى الحكم ( بثبوت الشفعة للمدعي وعلى المدعى عليه
تمكينه من المبيع بالثمن المزبور في البصيرة وأجرة الكتابة) وقد جاء في اسباب
الحكم الابتدائي (ان المدعي قد اقام البرهان على وقوع التطويع للشفعة بشهادة الشهود الدالة على وقوع التطويع للشفعة
الأمر الذي يمكن القول معه بعدم قبول دعوى انتفاء سبب الشفعة وفقاً للمادة (1307)
مدني) فلم يقبل المشتري للمنزل المشفوع بالحكم الابتدائي حيث قام باستئنافه أمام محكمة الاستئناف حيث قال في استئنافه: أن الحكم الابتدائي خالف
المادتين (1256و1257) مدني فطالب الشفعة لا يوجد له أي سبب من اسباب الشفعة
المبينة في المادتين المذكورتين إضافة إلى مخالفة الحكم لقاعدة (إذا نصبت الأعلام وفرقت
الطرف فلا شفعة)، فرد الشفيع طالب الشفعة بأن التطويع للشفعة قد ثبت فلا ينفع
المستأنف استدلاله بالنصوص والقاعدة السابقة، وقد توصلت محكمة الاستئناف الى الحكم
برفض الاستئناف وتأييد الحكم الابتدائي وتغريم المستأنف، فلم يقبل المستأنف الحكم
الاستئنافي فبادر إلى الطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي؛ وقد ورد في أسباب حكم المحكمة العليا (والدائرة بعد
الرجوع إلى اوراق القضية وجدت أن الطاعن ينعي على الحكم الاستئنافي انه قد خالف نصوص المواد (1256 و1257و 1296 و 1282
و 1307) مدني وأن المطعون ضده قد تراخي عن طلب الشفعة وعن تسليم كامل الثمن في
الموعد المتفق عليه، وعند تأمل الدائرة
لهذه المناعي ونظرها إلى أسباب الحكم المطعون فيه التي استندت إلى شهادة شهود
الطاعن نفسه واعترافاته الضمنية في عريضة الاستئناف والنقض بحصول التطويع وهذا بحد
ذاته يجعل الحكم المطعون فيه موافقاً للقانون ولذا فان النتيجة التي توصل إليها
الحكم في منطوقه نتيجة سليمة سائغة مقبولة لثبوت التطويع وثبوت حكم المادة (1307) مدني
التي نصت على انه (إذا سلم المشتري بالشفعة للشفيع ثم أدعى أنه لا يملك السبب فلا
تقبل دعواه). وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب ما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: ماهية التسليم
بالشفعة والفاظه وأفعاله:
قررت المادة (1307) مدني بأن تسليم المشتري
للشفيع يسقط حق المشتري في الادعاء بعدم وجود سبب الشفعة؛ حيث نصت هذه المادة على
انه (إذا سلم المشتري بالشفعة للشفيع ثم ادعى أنه لا يملك السبب فلا تقبل دعواه) وحتى
يكون هذا النص مفهوماً فأن الأمر يستلزم بيان ماهية التسليم بالشفعة، فنقول: ان
التسليم بالشفعة بمفهومه العام هو عبارة عن اسقاط المشتري لحقه في العين المشفوعة لطالب الشفعة او تنازل
المشتري عن حقه في العين المشفوعة لطالب
الشفعة ؛ فقد يكون هذا التنازل صريح كأن يقول المشتري لطالب الشفعة تنازلت لك عن حقي في العين المشفوعة أو يقول له سلمت لك بالشفعة أو قبلت طلبك الشفعة من جهتي أو
انا راض او قابل لطلبك للشفعة أو لا مانع
عندي من طلبك الشفعة، كما يقع التنازل او التسليم بالشفعة ضمناً كأن يقول المشتري
لطالب الشفعة سوف اتنازل او أسلم لك بصيغة المستقبل أو اذا قال المشتري: اذهب جهز الثمن حسبما حصل في
القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا، ومثلما يقع تسليم المشتري بالشفعة للغير
بالقول صراحة أو ضمناً على النحو السابق
بيانه فأن التسليم بالشفعة يقع بفعل المشتري كأن يسلم وثيقة شرائه للعين المشفوعة إلى طالب الشفعة او الى وسيط أو يقبل المشتري من طالب الشفعة الثمن الذي دفعه للبائع أو بعضه أو يطلب من طالب الشفعة تعديل الثمن أو
بعضه لدى الأمين الشرعي أو غيره، وإن كانت الاقوال والافعال السابق ذكرها تعد
تسليما من المشتري لطالب الشفعة مسقطة
لحقه في الادعاء او التمسك بعدم توفر اسباب الشفعة إلا أن هناك اقوال وافعال لا
يفهم منها ولا يستدل بها على تسليم المشتري لطالب الشفعة ومن ذلك قول المشتري
لطالب الشفعة: سوف ادرس الموضوع، او قوله : ان شاء الله خير أو ما يقع إلا خير وما
شابه ذلك.
الوجه الثاني: تأثير
تسليم المشتري بالشفعة لطالبها:
صرحت المادة (1307) مدني بأن الاثر المترتب على
تسليم المشتري بالشفعة لطالبها هو سقوط حق المشتري في الادعاء في مواجهة من سلم
له بعدم توفر سبب من اسباب الشفعة في
طالبه الشفعة، فبعد تسليم المشتري بالشفعة
لطالبها سواء وقع ذلك بالقول الصريح أو الضمني أو بالفعل فبعد التسليم لا يحق
للمشتري ان يدعي أو يقول أو يرد او يتمسك
في مواجهة طالب الشفعة بأنه لا سبب
له في طلب الشفعة أو عدم توفر سبب من اسباب الشفعة في طلبه حتى ولو لم يتوفر بالفعل سبب الشفعة في طالبها
الذي سلم له المشتري بالشفعة، لأن التسليم من قبل المشتري لطالب الشفعة بمثابة
تنازل منه عن حقه وقد تعلق بهذا التنازل حق الغير فلا يجوز له التراجع أو العدول
عن ذلك.
الوجه الثالث:
المقصود بالتطويع من المشتري لطالب الشفعة:
وردت في الحكم محل
تعليقنا كلمة (المطاوعة والتطويع للشفعة) وهذا اللفظ هو مرادف للفظ التسليم الوارد
في النص القانوني، والتطويع مصطلح فقهي مذكور كثيرا في فقه الزيدية والحنفية وهو
يعني في كتبهم ان المشتري قد طاوع طالب
الشفعة في طلبه بأن قبل طلبه بالشفعة صراحة أو ضمناً قولاً أو فعلا؛ فلم يصرح المشتري
برفضه الطلب او انكاره على الطالب هذا
الطلب كان يقول له : لست شفيعا او لا شفعة
لك او طلبك مرفوض او مخالف. فاذا لم يقل المشتري ًلطالب الشفعة ذلك فقد طاوعه وهادنه(انظر شرح الازهار 2/215)
والله اعلم .
الأسعدي للطباعة ت : 772877717