تحتسب سن المسئولية الجزائية بالتقويم الشمسي

 

تحتسب سن المسئولية الجزائية بالتقويم الشمسي

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

تمام المسئولية الجزائية هو 18عاما حيث يكون الشخص مسئولا مسئولية تامة عن الجرائم التي تقع منه  فيحكم عليه بالعقوبات كلها بما فيها عقوبة الاعدام حسبما نص قانون الجرائم  لكن الإشكاليات العملية تظهر عند تحديد سن المسئولية الجزائية والتقويم المعتمد في احتسابها وتحديد الوثيقة المعتمدة لإثبات السن وكيف يتم الفصل في مسألة تحديد سن المتهم عندما تتناقض بيانات السن في الوثائق الرسمية، فقد تناول هذه المسائل المهمة الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ2سبتمبر2017  في الطعن رقم (59077) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان متهماً بالقتل ادعى بانه لم يبلغ سن المسئولية الجنائية التامة (18) سنة ومع فقد قضت المحكمة الابتدائية بإعدامه مستندة إلى (تقرير الطبيب الشرعي الذي تضمن ان المتهم قد تجاوز سن التاسعة عشرة عند قيام الطبيب بفحص المتهم  اضافة الى ان المحررات التي تقدم بها الادعاء تؤكد بلوغ المتهم سن المسئولية الجزائية الكاملة (18) سنة اثناء ارتكابه الجريمة ومنها صورة  البطاقة العائلية الخاصة بوالد المتهم  المتضمنة تاريخ ميلاد الابن المتهم وكذلك الشهادات الدراسية للمتهم في الصفين الثالث والرابع الابتدائي وان كانت ليست محررات رسمية لإثبات واقعة ميلاد المتهم الا انها تعد قرائن تطمئن اليها المحكمة على ثبوت بلوغ المتهم سن المسئولية الجزائية التامة) فلم يقبل المتهم بالحكم الابتدائي فقام باستئنافه إلا أن الشعبة الجزائية قضت بتأييد الحكم الابتدائي، فلم ييأس المتهم فقام بالطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي فقبلت الدائرة الجزائية الطعن ونقضت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (وحيث صرحت المادة (31) عقوبات على بأنه اذا كانت سن المتهم غير محققة قدرها القاضي بالاستعانة بخبير وحيث ان المحكمة الابتدائية اكتفت بتقرير الطبيب الذي لم يعين سن المتهم عند ارتكابه الواقعة وإنما عند عرض المتهم على الطبيب وهو ما كان ينبغي على المحكمة ان تقوم به كي تحسم الجدل بدلاً من الاعتماد على المستندات المبرزة من الادعاء المتمثلة بالشهادات الدراسية والبطاقة العائلية وجواز السفر لان هذه الوثائق وان كانت رسمية غير انها ليست معدة لإثبات السن، إضافة إلى ان الحكم قد احتسب السن على أساس التقويم الهجري مع انه كان من الواجب احتساب سن المتهم على أساس التقويم الشمسي عملاً بالمادة (2) من قانون رعاية الاحداث التي عرفت السنة : بالسنة الشمسية أي ان سن الحدث ينبغي ان يتم احتسابها بالتقويم الشمسي وليس الهجري، لان الاحتساب بالتاريخ الهجري فيه ضرر كبير بالمتهم للفارق الكبير بين التاريخين) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الوجوه الأتية :

الوجه الأول :  يتم اعتماد التقويم الشمسي وليس التقويم الهجري عند احتساب سن الحدث  المتهم :

قضى الحكم محل تعليقنا بانه من الواجب عند احتساب سن المتهم ينبغي الاعتماد على التقويم الشمسي وليس الهجري عملاً بالمادة (2) من قانون رعاية الاحداث التي عرفت السنة بانها (السنة الشمسية )وقد تم تعديل تعريف السنة إلى السنة الشمسية بموجب التعديل في قانون رعاية الاحداث الذي تم عام 1997م حيث كان القانون قبل ذلك يعرف (السنة بانها السنة الهجرية) وقد جاء هذا التعديل على خلفية شكاوى واعتراضات كانت ترد إلى الجهات المختصة بشأن عدم مناسبة احتساب سن المسئولية الجزائية للحدث بحسب التقويم الهجري لاختلاف التقويم الهجري وتفاوته من سنة إلى اخرى ومن شهر إلى اخر والاهم من هذا وذاك ان هناك فارق كبير بين التقويم الهجري والميلادي يصل إلى أكثر من سنة عند احتساب الفارق بين التقويمين خلال سنوات المسئولية الجزائية الكاملة (18 سنة) فاحتساب سن المتهم بالتقويم الهجري سوف يجعله تحت طائلة المسئولية الجزائية في سن أقل من احتساب سنه بالتقويم الشمسي، ولذلك تم تعديل تعريف السنة في قانون رعاية الاحداث من السنة الهجرية إلى السنة الميلادية.

الوجه الثاني : قانون رعاية الاحداث مقدم في التطبيق عند تحديد سن المسئولية الجزائية للأحداث :

القاعدة العامة المتبعة في القضاء ان يتم احتساب المواعيد والسنوات بالتقويم الهجري عملاً بالقوانين العامة التي اصلها قوله تعالى { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ } [سورة البقرة 189] ولكن قانون الأحداث قانون خاص ولذلك يكون مقدماً في التطبيق على القوانين العامة، إضافة إلى ان الحدث طرف ضعيف يكون في ميزان القانون والقضاء أولى بالرعاية.

الوجه الثالث : الاستدلال بالوثائق الرسمية على سن الحدث المتهم :

اشار الحكم محل تعليقنا في أسبابه إلى أن الاستدلال على عمر المتهم من واقع بعض الوثائق الرسمية كالشهادات الدراسية والبطاقات الشخصية والبطاقات العائلية والشخصي أو جواز السفر  لا يكون  استدلالا  صحيحا  على عمر المتهم, فقد ذكر الحكم محل تعليقنا ان القوانبن التي صدرت بموجبها تلك الوثائق قد حددت الغاية أو الهدف أو بمعنى آخر وجه الاستدلال من تلك الوثائق  كإثبات النجاح أو الرسوب بالنسبة للشهادة الدراسية والتحقق من الهوية بالنسبة للبطاقة الشخصية والعائلية وجواز السفر كما ان الجهات التي تصدر هذه الوثائق لا تتحقق من عمر أو سن صاحب الوثيقة، وخلص الحكم محل تعليقنا إلى ان الوثيقة الرسمية المقبولة لإثبات سن المتهم هي شهادة ميلاده التي تصدر بموجب قانون الأحوال المدنية في المدة المحددة في ذلك القانون وهي مائة يوما من تاريخ ميلاده باعتبارها قد صدرت وفقاً للقانون وباعتبارها بعيدة عن أي تلاعب في بياناتها بخلاف شهادة التسنين التي تصدر بعد ميلاد الشخص بفترة طويلة.

الوجه الرابع : وجوب تصريح تقرير الطبيب الشرعي عن عمر المتهم وقت ارتكابه للجريمة وليس وقت فحصه :

قضى الحكم محل تعليقنا بذلك لان العبرة وفقاً للقانون بسن المتهم وقت ارتكابه للجريمة وليس  في وقت فحص الطبيب له، كما المح الحكم محل تعليقنا  إلى ان تقرير الطبيب الشرعي يكون هو الحاسم الجدل للخلاف والتباين بشأن سن المتهم عندما تتعارض الوثائق ولا توجد شهادة ميلاد قانونية، ومن وجهة نظرنا ان تحديد سن المتهم في هذه الحالة ينبغي ان تحسمه (لجنة طبية) مكونة من طبيب شرعي وفني اشعة وطبيب اسنان وطبيب تناسلي حسبما هو متبع في الدول كافة حيث تستطيع هذه اللجنة فحص كل الاعضاء التي تدل على سن المتهم،لان الفحص لتحديد سن المتهم في اليمن قاصر على فحص يدي المتهم فقط، كما أن انفراد طبيب واحد بهذه المهمة الخطيرة أم غير محمود، والله اعلم.