تمييز المراهق العامة الملاصقة للأراضي الزراعية

 

تمييز المراهق العامة الملاصقة للأراضي الزراعية

أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين

الاستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء 

من الاشكاليات الواقعية ذات التأثيرالبالغ على الملكية العامة في الحاضر والمستقبل اشكالية تلاصق الاراضي الزراعية الخاصة بالمراهق العامة, فهذا التلاصق خطر داهم على المراهق العامة لكنه سيكون اكثر خطورة على الاجيال القادمة التي لن تجد موضع  قدم لإقامة المشاريع العامة  بل لن تجد متنفسا لها؛ لان اليمن كلها بجبالها وهضابها وصحاريها وشواطئها ستكون املاكا خاصة اذا استمر التعامل مع المراهق العامة على النحو الذي يتم في العصر الحاضر, مع ان قانون اراضي وعقارات الدولة قد احسن صنعا حينما حدد نسبةلمالك الارض الزراعية الخاصة الملاصقة للمراهق العامة ؛الا ان اجراءات وكيفية تمييز النسبة الخاصة بمالك الارض الزراعية والجهات التي تقوم بعملية التمييز تثير اشكاليات عدة, ولذلك من المهم تسليط الضوء على كيفية تعامل القضاء مع هذه المسألة, ولذلك اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 11/1/2011م في الطعن المدني رقم(41637) لسنة 1432هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم في ان احد ملاك الاراضي الزراعية تقدم بدعوى امام المحكمة الابتدائية مفادها ان مالك الارض المجاورة لارضه قام بتخريب سواقي ماء المطر التي تصب الى ارضه  فرد جاره المدعى عليه بان تلك السواقي مستحدثة استحدثها المدعي قبل ثلاثة ايام ؛واثناء نظر الدعوى تدخل الوطني الغيور مدير فرع هيئة اراضي وعقارات الدولة تدخلا هجوميا مدعيا بان الرهق المتنازع عليه من المراهق العامة وليس لأي من الطرفين ملك فيه وان وزارة الشباب والرياضة قد اعتمدت مبلغا ماليا لبناء ملعب للشباب في الرهق المتنازع عليه, وقد حكمت المحكمة الابتدائية ببقاء كل السواقي المقابلة لكل حقل على حدة وعدم اعتراضها او تهديمها واحقية كل طرف في الدعوى بنسبته في الرهق الملاصق لحقولهم بعد اخراج نسبة الدولة في الرهق وفقا لقانون اراضي وعقارات الدولة كل طرف بما يستحقه وبقدر انسياب المياه النازلة الى حقولهم من الرهق المتنازع عليه واتصاله بالأملاك على ان يتم اخراج هذه النسب بواسطة خبير مختص بالمساحة وتحت اشراف المحكمة حسبما ورد في الحكم الابتدائي ؛ وقد جاء في اسباب هذا الحكم ان الرهق عبارة عن صبائب تنزل منها مياه الامطار الى املاك الاطراف المتنازعة بحسب انحدار الارض وحيث ان هذا الرهق يعد بموجب قانون اراضي وعقارات الدولة رقم (21) لسنة 1995م عبارة عن هضاب و اكام تحيط بأموال الاطراف المتنازعة لذلك لا بد من تطبيق القانون المذكور على هذه المساحة واعطاء الملاك المجاورين لهذا الرهق نسبتهم المقررة لهم بموجب ذلك القانون كل حسب حصته ونسبة انحدار المياه الى املاكه وباقي مساحة الرهق تعتبر ملكا للدولة, الا ان فرع هيئة اراضي الدولة لم يقبل بالحكم الابتدائي حيث قام بالطعن في الحكم امام محكمة الاستئناف التي قضت بتعديل النسب الواردة في الحكم الابتدائي في الفقرة التي كانت تنص على احتساب نسبة للحقول الملاصقة للرهق العام حيث تكون هذه الفقرة للدولة اخذ المساحة المطلوبة في انشاء المنشأة العامة التي تعتزم القيام بها وبقاء المساقي الى الحقول بحسب العادة ؛ فقام فرع هيئة الاراضي بالطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي مضمنا طعنه ان الحكم الاستئنافي قد خالف قانون اراضي وعقارات الدولة حينما الغى النسب المقررة في ذلك القانون ؛ وقد قررت الدائرة المدنية بالمحكمة العليا الغاء الحكم الاستئنافي مسببة حكمها (بان الحكم الاستئنافي المطعون فيه لم يناقش المسائل التي اثارها فرع هيئة اراضي الدولة وقد ترتب على ذلك مخالفة قانون اراضي وعقارات الدولة وحرمان الدولة من حقها المقرر في القانون المشار اليه مما يستوجب نقض الحكم المطعون فيه) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب ما هو مبين في الاوجه الاتية :

الوجه الاول : ماهية المراهق العامة :

عرفت المراهق العامة المادة (2) من قانون اراضي وعقارات الدولة بان (المراهق العامة هي الجبال والاكام والمنحدرات التي تتلقى مياه الامطار وتصريفها ويعتبر في حكم المراهق العامة السوائل العظمى التي تمر عبرها مياه السيول المتجمعة من سوائل فرعية) وقررت المادة (41) من القانون ذاته بان (تعتبر كافة المراهق العامة مملوكة بالكامل ملكية عامة للدولة)وبتطبيق هذين النصين على القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا نجد ان الهضاب والمنحدرات المحيطة بالحقول التي يتنازع ملاكها على مساقي ماء المطر التي تصب من تلك المنحدرات الى حقولهم نجد ان تلك الهضاب والمنحدرات من المراهق العامة المملوكة ملكية عامة للدولة بالكامل .

الوجه الثاني : الوضعية القانونية للمراهق العامة الملاصقة للأراضي الزراعية :  

سبق ان ذكرنا في الوجه الاول ان المراهق العامة مملوكة ملكية عامة للدولة, حسبما هو مقرر في المادة (41) من قانون اراضي الدولة ؛ الا ان هذا القانون استثنى من الملكية العامة الكاملة للدولة للمراهق المراهق العامة الملاصقة للأراضي الزراعية حيث نصت المادة (42) من قانون الاراضي على انه (يستثنى من ملكية الدولة للمراهق العامة المراهق الملاصقة للأراضي الزراعية اذا كان معدل ارتفاع الرهق لا تزيد نسبة انحداره على 20% درجة او في حدود هذه النسبة اذا زاد معدل ارتفاع الرهق على ذلك ويبدأ احتساب نسبة الانحدار من الحد الفاصل بين الرهق والارض الزراعية الملاصقة له) ومن خلال استقراء  هذا النص يظهر الاتي :

1-     لا ينطبق حكم هذا النص القانوني الا اذا كانت المراهق العامة ملاصقة للأراضي الزراعيةومتصلة بها اتصالا مباشرا اما اذا كانت على مقربة منها فلا ينطبق هذا النص بل انه يتعذر تطبيقه في الواقع .

2-     اشترط النص القانوني ان تكون الاراضي الملاصقة للمراهق العامة اراض زراعية أي اراضي مزروعة بالفعل لأنها حينئذ تحتاج في زراعتها للنسبة المحددة من المراهق العامة في النص القانوني حتى تستقيم الزراعة في هذه الاراضي وتحقق اغراضها اما اذا كانت الاراضي الخاصة صالبة او بور غير مزروعة فلا مجال لتطبيق هذا النص .

3-     اشترط النص القانوني ان يكون معدل ارتفاع المراهق العامة لا يزيد عن 20% درجة او في حدودها, وهناك من يذهب الى ان النص القانوني المشاراليه منقول من القانون المصري الذي يناسب تضاريس مصر السهلية ولذلك  فهذا النص لا يتناسب مع تضاريس اليمن الجبلية ؛ ومن وجهة نظرنا انه ينبغي مراعاة خصوصية التضاريس الجغرافية لليمن وكذا خصوصية المواطن اليمني الذي ينظر الى الاستيلاء على المراهق العامة على انه نوع  من الشطارة.

الوجه الثالث : الاجراءات القانونية لتحديد نسبة مالك الارض الزراعية من المراهق العامة :

حددت المادة (42) من قانون اراضي وعقارات الدولة نقطة البداية في تحديد نسبة مالك الارض الزراعية  من المراهق العامة  حيث قررت هذه المادة  ان يبدأ احتساب نسبة الانحدار من الحد الفاصل بين الرهق والارض الزراعية, وهذا يعني ان يبدأ الاحتساب من نهاية الارض المزروعة بالفعل وليس الصلب ؛ وحتى لا يتم التلاعب في هذا الاحتساب فقد اناطت لائحة قانون اراضي الدولة اناطت عملية الاحتساب بهيئة اراضي وعقارات الدولة ذاتها فلا يجوز لمالك الارض نفسه او القاضي ان يقوم باحتساب هذه النسبة, وحتى لا يتم التلاعب بالمراهق العامة عند احتساب نسبة مالك الارض الزراعية  فقد حددت لائحة قانون اراضي وعقارات الدولة حددت اجراءات هذا الاحتساب وذلك في المواد من (163) وحتى (171) وقد تضمنت هذه المواد ان هيئة اراضي الدولة هي التي تقوم بحصر مراهق الدولة وتحديد مواقعها ومساحتها الاجمالية ونسبة انحدارها واسقاطها على خرائط خاصة تتضمن هذه البيانات والمعلومات, وبموجب المادة (165) من اللائحة  فانه يتوجب على مالك الارض الزراعية ان يقدم طلبا الى هيئة الاراضي يتضمن هذا الطلب فرز وتحديد ما يخصه من المراهق, وبموجب المادة 166 من اللائحة تقوم الهيئة بتشكيل لجنة لمعاينة الرهق المطلوب فرزه والتأكد من توفر الشروط القانونية, وعند تطبيق هذا النصوص على الحكم الابتدائي في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا نجد ان الحكم الابتدائي قد قضى بان يقوم خبير متخصص بالمساحةبتمييز نسبة مالك الارض  من الرهق العام ونجد ان الحكم الاستئنافي قد ابطل النسب المقررة قانونا في المراهق العامة سواء النسبة المقررة لمالك الارض او تلك المحددة للدولة, ولذلك نجد ان حكم المحكمة العليا محل تعليقنا قد نقض الحكمين  الابتدائي لأنه اتبع طريقة واجراءات لتحديد نسبة المزارع على خلاف الطريقة والاجراءات المقررة في لائحة قانون اراضي وعقارات الدولة ونقض الحكم الاستئنافي لأنه ابطل نسب التحديد المقررة قانونا .

ولذلك فأنه من الواجب عند تمييز نسبة مالك الارض في المراهق العامة في حالة النزاع امام القضاء ان يقوم القاضي بتكليف فرع هيئة الاراضي باحضار الخريطة الخاصة بالرهق العام  محل النزاع وفي ضوء ذلك يتم احتساب النسب وتحديد الانحدارات وبيان مساحة نسبة مالك الارض الزراعية ونسبة الدولة من المراهق العامة الملاصقة للأراضي الزراعية فلا يجوز اسناد هذه المهمة الى خبير ؛ والله اعلم.