بيع المؤرث لوارثه
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
من
الإشكاليات العملية الشائعة في اليمن التي يتكرر وقوعها بيع المورث لوارثه، وكذا
بيع الوارث نصيبه مشاعاً، وتزداد هذه
الإشكاليات عندما تكون البائعة امرأة تبيع نصيبها لقريبها الرجل، ولأهمية هذه
المسائل فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا
في جلستها المنعقدة بتاريخ 20/2/2013م في الطعن رقم (47361) وتتلخص وقائع القضية
التي تناولها هذا الحكم أن شخصاً اشترى نصيب شقيقته من تركة امها وابيها كاملاً
مشاعا وذلك مقابل المبالغ التي انفقها عليها طوال فترة تزيد على عشر سنوات حيث تم
اعداد كشف حساب بذلك تصادق عليه الاخت البائعة والاخ المشتري وتم تحرير عقد البيع
من قبل تلامين الشرعي المختص ،وبعد ذلك توفت البائعة دون ان تتزوج فورثها اخوها المشتري وبقية اخوانها الذين قاموا برفع دعوى طلبوا فيها
قسمة تركة اختهم بحسب الانصبة الشرعية ،وقد اجاب المدعى عليه المشتري لكامل نصيب
المورثة اجاب بأن المؤرثة قد باعت له كامل نصيبها من بعد ابويها قبل وفاتها بمدة
واستلمت ثمن ذلك وهو مبلغ مأتين وثمانية وعشرين الف ريال بموجب كشف الحساب
المتصادق عليه وهو مبلغ كبير قياسا بنصيب البائعة والقوة الشرائية للمبلغ في تاريخ
البيع، وقد قام المدعون بالتعقيب على رد
المدعي بالقول: بأن هذا البيع قد انطوى على حيلة فهو بيع صوري، وقد توصلت المحكمة
الابتدائية إلى الحكم ببطلان البيع والزام بقية الورثة بإعادة مبلغ سبعمائة وخمسين
الف ريال إلى المدعى عليه عوضاً عن المبالغ التي دفعها إلى مؤرثتهم والمبلغ
المحكوم به شامل فارق سعر العملة، وقد جاء في أسباب الحكم الابتدائي أنه قد تبين
للمحكمة أن المدعي قد قام باجراء الحساب فيما بينه وبين أخته حيث بلغت المبالغ
التي انفقها خلال عشر سنوات مأتين وثمانية وعشرين الف ريال تصادقا عليه وتم البيع
بموجبه بالإضافة إلى قيامه بدفع مصاريف موتها، فلم يقبل المدعى عليه بالحكم
الابتدائي فقام باستئنافه إلا أن الشعبة المدنية قضت بتأييد الحكم الابتدائي، فلم
يقبل المستأنف بالحكم الاستئنافي فقام بالطعن فيه بالنقض إلا أن الدائرة أقرت
الحكم الاستئنافي، وقد جاء ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (بالرجوع إلى الاوراق
مشتملات ملف القضية فقد وجدت الدائرة أن الطاعن قد اثار في طعنه المسائل الموضوعية
التي سبق له اثارتها أمام محكمتي الموضوع وهذه المسائل لا تدخل في اختصاص المحكمة
العليا لانها محكمة قانون) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه
الأتية :
الوجه الأول : مدى جواز بيع المؤرث لوارثه :
مع أن بعض البيوع
الصادر من المؤرثين إلى بعض ورثتهم تنطوي على الحيلة على الورثة الاخرين إلا أنه
يجوز للمؤرث البيع إلى وراثه اذا توفرت في هذا البيع الاركان والشروط الشرعية
والقانونية لاسيما اذا كان الوارث المشتري له أموال يتصور أن يدفع منها ثمن المبيع
وان يتم التحقق من أن المشتري قد دفع الثمن حقيقة وأن هذا الثمن يساوي بالفعل
القيمة الحقيقية للمبيع بحسب سعر الزمان والمكان وان يتم التقابض فيما بين البائع
والمشتري بأن يقبض البائع الثمن وأن يستلم المشتري المبيع اما اذا كان الوارث
المشتري طفلاً أو امرأة لا مال لها ولا حرفة لها أو وظيفة أو لم يتم دفع الثمن فلا
يقع بيع المؤرث للوارث، كما يجوز بيع المؤرث لوارثه على أن يكون ثمن المبيع خدمة
أو عمل قام به الوارث لمصلحة مؤرثه شريطة أن يكون هناك تناسب فيما بين العمل
والخدمة واجرتها وقيمة المبيع وأن يتم
تحديد اجرة الخدمة أو العمل وان يتم ذكر الاجرة في وثيقة البيع.
الوجه الثاني : سبب إبطال بيع المؤرث لوارثه في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا :
من خلال مطالعة الحكم
محل تعليقنا نجد أنه قد قضى بابطال البيع الصادر من المؤرثة (الاخت) لاخيها مقابل
مبلغ مأتين وثمانية عشرين الف ريال هو
نتيجة كشف حساب بين الاخت البائعة واخيها المشتري متصادق عليه بينهما تضمن المبالغ
التي انفقها الأخ على اخته طوال أكثر من عشر سنوات، وترجع أسباب ابطال الحكم للبيع
إلى عدة أسباب اهمها :
1- البائعة امرأة باعت لقريبها الرجل والبيع في
هذه الحالة فيه شبهة حرج البائعة أو خوفها من اخيها أو جهلها بالثمن، ولهذه
الاعتبارات فقد اختار امام اليمن يحى حميد الدين رحمه الله فساد بيع النساء
لاقاربهن الا اذا تم تقدير الثمن بواسطة خبراء عدول وقبضت المراة الثمن
بالفعل،ومازال القضاء اليمني ياخذ بهذا الاختيار حتى الان.
2- ثمن المبيع كان عبارة عن صرفيات ونفقات
دفعها الأخ لاخته لم يكن قصد الطرفين أن تكون ثمناً لكل نصيبها من بعد ابيها
وامها.
3- الثمن كان نفقة وكانت الأخت حين الانفاق
عليها معسرة غير قادرة على الانفاق على نفسها ووفقاً لأحكام الشرع والقانون كانت
نفقتها لازمة على اخوانها جميعا،ً ولذلك فقد قضى الحكم محل تعليقنا بالزام الورثة
بدفع المبلغ إلى اخيهم المشتري الذي تحققت المحكمة من أنه قد دفع المبالغ المذكور
في كشف الحساب واخذت منه المحكمة اليمين المتممة.
4- لم يظهر مصير غلات البائعة من نصيبها طوال
فترة الانفاق عليها.
5- صعوبة تحديد الثمن الذي تم دفعه على اجزاء
طوال عشر سنوات كانت القوة الشرائية للمبلغ تتغير بمضي الوقت، ولذلك لاحظنا أن
الحكم قضى للاخ بثلاثة امثال المبلغ الذي دفعه نظرا لتغير صرف العملة الوطنية
وإنخفاض قوتها الشرائية.
الوجه الثالث : مدى جواز بيع الوارث لنصيبه شائعاً :
صرح القانون المدني بجواز بيع الحصة الشائعة على أن يحل المشتري محل البائع في كل الحقوق والالتزامات المتعلقة بالحصة الشائعة، لان الحصة الشائعة أو النصيب الشائع معلوم القدر فليس مجهولاً لاسيما في الوقت الراهن حيث يتم في الاجراءات التمهيدية تحديد ثمن كل مال من أموال التركة وقرين ذلك يتم تحديد ما يخص كل وارث من ذلك المال وقيمته وفي نهاية الآمية أو الوثيقة الجامعة للحصر والتثمين يظهر مقدار ما تحدد لكل وارث من اثمان أموال التركة،وحتى قبل الحصر والتثمين فان نصيب الوارث معلوم حيث ان للوارث قدر معلوم بحدود نصيبه في كل اموال التركة، والله اعلم.