الاعتداء على رهق الوقف
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
مراهق الوقف هي أكثر أملاك الوقف عرضة للإعتداء لانها وان كانت تابعة للوقف شرعاً وقانوناً وعرفاً إلا أن المراهق مساحتها غير محددة بعدد معين من اللبن أو القصب أو الفوت أو الشكلة،ولاريب ان لرهق الوقف خصوصية استثناءات تميزه عن رهق المال الخاص، والإعتداء على رهق الوقف يثير إشكاليات كثيرة تستدعي الاشارة اليها في سياق التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 3/4/2013م في الطعن الجزائي (44082) وتتلخص وقائع القضية التي فصل فيها هذا الحكم أن أرضاً زراعية مملوكة للوقف كانت مساحتها صغيرة حوالي ثمان قصب في حين كان الرهق التابع لها تزيد مساحته عن خمسين قصبة فقام أحد الأشخاص بالبسط والإعتداء على جزء من الرهق مدعياً أن الأرض التي قام بالبسط عليها والبناء فيها ليست داخلة في ارض الوقف المحددة مساحتها في مسودة الاوقاف وذكر المعتدي على الرهق ان الترض التي شرع بالبناء عليها كانت في حيازة أبيه قبل أن تصير أرثاً له، وقد أتهمت نيابة الأموال العامة الشخص الباسط على رهق الوقف بتهمة الإعتداء على مال الوقف ومنع أجير الوقف من العمل في الرهق التابع لأرض الوقف والاضرار بالمال العام حسبما ورد في قرار الاتهام وأن المتهم قام ببناء جدار من الأسمنت في الرهق طوله ثلاثين مترا،ً وطلبت النيابة معاقبة المتهم بمقتضى المادتين (17 و 321) عقوبات، وقد توصلت المحكمة الابتدائية إلى الحكم بإدانة المتهم بالأفعال المسندة له في قرار الاتهام وثبوت ملكية الوقف للأرض محل النزاع وإلزام المتهم بعدم معارضة أجير الوقف وإلزام المتهم بدفع خمسين ألف ريال لمكتب الأوقاف مقابل مصاريف التقاضي، وكان من ضمن اسباب الحكم الابتدائي ثبوت الإعتداء على الأرض التابعة للوقف لان الظاهر ان تلك الارض رهق لارض الوقف فهي مساقي لارض الوقف ، فلم يقبل المتهم بالحكم الابتدائي فقام باستئنافه فقبلت الشعبة الجزائية الاستئناف وقضت بالغاء الحكم الابتدائي وبراءة المتهم مسببة حكمها بأن هناك حكم فيما بين المتهم وشخص اخر كان قد قضى باحقية والد المتهم للأرض محل النزاع وإنها ليست تابعة لمال الوقف لان مال الوقف محصور في مساحته المحددة والموجودة بالفعل وأن الأرض محل النزاع ليست داخلة في أرض الوقف كما أن مسودة الوقف قد حددت حدود أرض الوقف التي يتبين منها الأرض المتنازع عليها لا تدخل في أرض الوقف، إضافة إلى أن الحكم الابتدائي لم يلتزم بالدعوى المرفوعة أمام المحكمة حيث قضى بثبوت ملكية الوقف للأرض محل النزاع، فلم يقبل مكتب الأوقاف والمستأجر من الأوقاف لم يقبلا بالحكم الاستئنافي فقاما بالطعن فيه بالنقض امام الدائرة الجزائية التي قبلت الطعن ونقضت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا ( وحيث أن ما جاء في الطعنين يجد له محلاً من الوجاهة لان مسودة الأوقاف قد اثبتت أن الأرض المتنازع عليها تعد من ضمن مساحة رهق الوقف بمعنى أن أرض الوقف ليست محصورة في الأرض المزروعة فقط وإنما تلحق بها المساقي والمراهق التابعة لها شرعاً وقانوناً وعرفاً وقد كان على محكمة الاستئناف في اثناء نظرها للموضوع أن تتحرى وتتحقق من حدود ومساحة الأرض موضع النزاع لمعرفة مساحة ارض الوقف الأصلية ومساحة كافة المساقي والمراهق التابعة له، وبما انها لم تفصل في ذلك وقررت أنه ليس للأوقاف الا الرقبة فقط وليس له مراهق أو مساق أو ملاقي خلافا لما ورد في مسودة الأوقاف، فذلك يجعل الحكم معيباً يستوجب نقضهوإعادة ملف القضية إلى محكمة الاستئناف لمعاودة النظر وتقرير اللازم في ضوء مسودة الوقف ومشتملاتها التي تعتبر بحد ذاتها سندا تنفيذاً عملاً بالمادة (87) من قانون الوقف والمادة (328) مرافعات على أن يتم نظر القضية بتشكيل جديد) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : المقصود برهق الوقف وتوصيتنا في هذا الشان:
رهق الوقف من الأموال
التابعة لأصل المال الموقوف وهي المنحدرات التي يسيل مأؤها إلى أرض الوقف والطرق
التي تؤدي اليه والسواقي التي يصب مأؤها إلى أرض الوقف ،وقد اشارت المادة (518)
مدني إلى المراهق التابعة للأرض عامة حيث نصت هذه المادة على أن (يدخل في بيع
الأرض الماء من سيل أو غيل وتدخل السواقي والمساقي والجدران والطرق المعتادة كما
يدخل الشجر النابت فيها) ومع ان وثائق ملكية الوقف للأرض تذكر فيها المراهق الملحقة والتابعة لأرض الوقف
إلا أن مساحة أرض الوقف محدودة ومبينة مساحتها في حين ان المراهق أو الرهق التابع
لها لا يتم تحديد مساحته ولذلك فأنه يكون عرضة للتحايل والتلاعب والاستيلاء عليه
سواء من المستأجرين من الوقف أو غيرهم ،لان مساحة الرهق ليست محددة بلبن أو قصب
معينة، ولذلك فإننا نوصي وزارة الأوقاف بمساحة المراهق التابعة لأراضي الوقف
واثبات ذلك في عقود إيجار الاراضي الزراعية التي تبرمها مع مستأجري الوقف وكذا
القيام بمساحة المراهق السابق تاجيرها
والزام المستاجر بالتوقيع على صحة المساحة اضافة الى إيجاد قاعدة بيانات عن مساحات المراهق التابعة لأراضي الوقف وكذا
اعداد خرائط جوية تبين المراهق التابعة للأوقاف وحفظها مع مسودات الأوقاف حتى لا
تكون هذه المراهق عرضة للاستيلاء عليها أو التلاعب بها.
الوجه الثاني : خصوصية رهق الوقف في القانون :
يتمتع الوقف بوضعية
خاصة، لان المالك له هو الله تعالى وأنه قربة يتقرب بها الواقف إلى الله تعالى
باذلاً ماله لله تعالى وأنه لا يجوز بيعه وأن الإعتداء عليه معصية عظيمة وأن الوقف
يظل خالداً تالداً إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ولذلك فأن مراهق الوقف تتمتع
بوضعية خاصة فلا يجوز لاجير الوقف الاحياء في رهق الوقف إلا بأذن وزارة الأوقاف
حتى لا تضيع معالم الأرض وحتى لا يكون ذلك وليجة للاستحواذ على غلات الوقف بحجة
استعادة نفقات الاحياء حسبما ورد في المادة (86) من قانون الوقف وحسبما ورد في
المادة (13) من لائحة تأجير الوقف التي نصت على أنه (لا يجوز للمستأجر استصلاح المراهق
أو المرافق التابعة للأرض المؤجرة الا بعد الموافقة المسبقة من متولي الوقف، وكذا
المادة (14) من اللائحة ذاتها التي نصت على أن يتم تقدير تكلفة الإصلاح أو استخراج
الرهق تقديرا أولياً بواسطة عدلين من قبل الوقف...الخ، وفي السياق ذاته تقرر
المادة (87) مكرر من قانون الوقف استثناء رهق الوقف من الخضوع لأحكام قانون أراضي
وعقارات الدولة بشأن احتساب المراهق العامة التابعة للدولة حيث تنص هذه المادة على
أنه (استثناء من الأحكام المنصوص عليها في قانون أراضي وعقارات الدولة بشأن
المراهق تعد مراهق ومساقي الاعيان الموقوفة كاملة تابعة لها ويسري عليها ما يسري
على أصل العين الموقوفة من أحكام) وهذا الاستثناء مما ورد في المادة (42)من قانون اراضي الدولة التي تنص على انه على سبيل الاستثناء ( تعد من
ملحقات الأراضي الزراعية المراهق الملاصقة لها اذا كان معدل ارتفاع الرهق لا تزيد
نسبة انحداره على (20% درجة) أو في حدود هذه النسبة اذا زاد معدل ارتفاع الرهق عن
ذلك ويبدأ احتساب نسبة الانحدار من الحد الفاصل بين الرهق والأرض الزراعية
الملاصقة له).
الوجه الثالث : لا تسري أحكام الحيازة والثبوت والتقادم على أرض الوقف :
قضى الحكم محل
تعليقنا عدم جواز التمسك في مواجهة الأوقاف باحكام التقادم أو الثبوت لان المحكوم
عليه في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا كان قد تمسك أمام محكمتي الموضوع
والمحكمة بأنه ثابت على الارض وان والده كان ثابتاً على الأرض محل النزاع وذكر أنه
قد انتقلت اليه الحيازة ، ومع ذلك فأن الحكم محل تعليقنا لم يأخذ بأحكام التقادم
أو الحيازة، لان الشريعة الإسلامية تحترم الحقوق وأن التقادم لا يسقط حقوق الاخرين
عملاً بقوله صلى الله عليه وآله وسلم (لا يحل مال أمرئ مسلم الا بطيب من نفسه)
وقوله (ليس لعرق ظالم حق) كما أن قانون الوقف الشرعي يصرح بأن أحكام التقادم أو
الحيازة أو الثبوت لا تسري بالنسبة لأرض الوقف فلا يجوز البسط أو وضع اليد عليها
ثم التمسك بالحيازة والثبوت حيث نصت المادة (63) على أنه (لا يجوز البسط على الوقف
من أي شخص أو جهة الا بأذن المتولي وبعد الاستئجار منه) فهذا النص صريح في عدم
جواز وضع اليد على أرض الوقف الا بالنسبة لمن يستأجر أرض الوقف بطريقة رسمية، والله
اعلم.