جهالة عبارة (ما هو مقرر قانوناً)
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
قضى
الحكم محل تعليقنا بان عبارة (ما هو مقرر قانونا) مجهولة وإنه إذا تم ذكرها في
منطوق الحكم فانها تجعل الشى المحكوم به مجهولا مما يبطل الحكم، حسبما ورد في الحكم محل تعليقنا،
وهو الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ
26/1/2013م في الطعن رقم (45975)، وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان
النيابة العامة اتهمت خمسة اشخاص بالتمالؤ والاشتراك في قتل المجني عليه، وقد توصلت المحكمة الابتدائية إلى الحكم على
المتهمين الأول والثاني بالإعدام قصاصا وعلى بقية المتهمين بالحبس ومن ضمنهم
المتهم الخامس الذي حكمت عليه (بالحبس مدة اربع سنوات تبدأ من تاريخ النطق بالحكم
مع الزامه بدفع ماهو مقرر قانوناً لامتناع القصاص عليه) وقد كانت التهمة المنسوبة
للمتهم الخامس هي تحريض المتهمين الأول والثاني والثالث على قتل المجني عليه اثناء
تواجد المتهمين في ديوانه وانه وعد المتهمين (بتقديم الدعم المالي ومخارجتهم من
القضية) وقد قضت الشعبة بتأييد الحكم الابتدائي، وقد طعن اولياء الدم والمتهمون بالنقض،
فأقرت الدائرة الجزائية الحكم الاستئنافي إلا فيما يتعلق بالفقرة الواردة في منطوق
الحكم المتعلقة بالمتهم الخامس حيث قضت الدائرة بنقضها، وقد ورد ضمن اسباب حكم
المحكمة العليا (اما مااثاره اولياء الدم بشأن المحكوم عليه الخامس بان الحكم
الابتدائي قد حكم عليه في الفقرة (7) بان (يعاقب المدان الخامس بالحبس مدة اربع
سنوات تبدأ من تاريخ النطق بالحكم مع الزامه بدفع ماهو مقرر قانوناً لإمتناع
القصاص عليه) فهذه الفقرة الحكمية لم تكن
فاصلة في بيان الشيء المحكوم به على المتهم بقول المحكمة : (بدفع ماهو مقرر
قانوناً) فكان الواجب على المحكمة إيضاح
ذلك، ولما كان الحال كذلك فانه لزم الحكم بقبول طعن اولياء الدم جزئياً
ونقض الحكم فيما يتعلق بهذه الجزئية وإعادة الأوراق للفصل في هذه الجزئية لا غير
ورفض الطعن فيما عداها) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه
الأتية :
الوجه الأول : وجه الجهالة في عبارة (ماهو مقرر قانوناً) الواردة في الحكمين الابتدائي والاستئنافي :
قضى الحكم الابتدائي
المؤيد بالحكم الاستئنافي بالزام المتهم الخامس بدفع (ماهو مقرر قانوناً) لإمتناع
القصاص، وللفائدة فان الأمر يقتضي بيان وجه الجهالة في هذه العبارة حسبما وردت في
الحكمين الابتدائي والاستئنافي، فهذه العبارة مجهولة لان القانون يقرر انه في حالة
امتناع القصاص يجب على الجاني ان يدفع دية العمد كما يقرر القانون استحقاق اولياء
الدم للتعويض والمصاريف التي تكبدوها في متابعة القضية...الخ، في حين ان الحكمين
الابتدائي والاستئنافي لم يبينا الشيء الذي سيدفعه المتهم الخامس حتى انه لم تتم
الاشارة إلى المقصود بذلك في اسباب الحكمين إضافة إلى ان الحكمين لم يذكرا مقدار المبلغ الذي يجب على المتهم
الخامس دفعه،كما أنه لم يوضح الحكمان هل سيدفع المتهم وحده كل ماهو مقرر قانوناً
أم أن المتهمين الاخرين سيدفعون ذلك معه؟.
الوجه الثاني : قاعدة وضوح منطوق الحكم وجهالة عبارة (ماهو مقرر قانوناً) والجزاء المقرر :
اكيد كان الحكمان
الابتدائي والاستئنافي يقصدا (بما هو مقرر قانوناً) ماهو مقرر في قانون الجرائم
والعقوبات وقانون الإجراءات الجزائية وقانون المرافعات, لان هذه القوانين كانت
مدار النقاش والبحث في القضية فقد ورد ذكر هذه القوانين في سياق المناقشة في
الحكمين وبذلك يكون الحكمان قد حددا المقصود بالقانون الذي يقرر ما يجب على المتهم
الخامس دفعه إلا أن الحكمين لم يحددا الاشياء المقررة قانوناً على المتهم ان
يدفعها والمقدار الواجب عليه دفعه، وهذه جهالة فاحشة تتنافى مع اهم قاعدة من قواعد
صياغة منطوق الحكم وهي قاعدة وضوح منطوق الحكم التي تعني ان يكون الشيء المحكوم به
محدداً قدرا وجنساً ونوعاً حتى يمكن اقتضاؤه عن طريق التنفيذ الاختياري او الجبري،
لان قاضي الموضوع عند صياغته لمنطوق الحكم يجب ان يصيغه وكأنه قاضي التنفيذ الذي
سيتولى تنفيذ الحكم، ولذلك فان من اسباب إطالة إجراءات التنفيذ عدم وضوح منطوق
وجهالة بعض عباراته كالعبارة التي نحن بصدد التعليق عليها.
الوجه الثالث : عبارة (ماهو مقرر قانوناً) وعبارة (لما عللناه) :
ترد كثيراً عبارة
(لما عللناه) في منطوق غالبية الأحكام حيث تعني هذه العبارة التقرير بان منطوق
الحكم متصل باسباب الحكم او علته وان المنطوق ماهو إلا النتيجة التي افضت اليها
اسباب الحكم، ولذلك فلا تثريب على ذكر كلمة (لما عللنا) في منطوق اذا تم استعمالها
على هذا النحو، اما اذا وردت كلمة (لما عللناه) وكان المقصود بها الإحالة إلى
اسباب الحكم في تحديد أو تعيين أو تقدير الشيء المحكوم به فان كلمة (لما عللناه)
تكون مثل عبارة (ماهو مقرر قانوناً) فهي تفضي إلى جهالة الشيء المحكوم به والإحالة
إلى اسباب الحكم فذلك مخل بقواعد صياغة منطوق الحكم ومن اهمها قاعدة الكفاية التي
تعني ان يكون منطوق الحكم كافياً بذاته في بيان وتحديد الشيء المحكوم به، ولذلك
فقد اصدرت المحكمة العليا تعميماً تضمن منع محاكم الموضوع من النص في منطوق الحكم
على (اعتبار اسباب الحكم جزءاً من منطوقه) لما كان يترتب على ذلك من تعطيل
لإجراءات التنفيذ بسبب جهالة المنطوق.
الوجه الرابع : احوال يجوز فيها إستعمال عبارة (ماهو مقرر قانوناً) :
في البداية ينبغي
القول انه ينبغي بيان الشيء الذي يقرره القانون في كل الأحوال حتى في غير منطوق الحكم
لما في ذلك من تأكيد على صدق الحديث والأمانة، إلا أنه في حالات يكون الشيء المقرر
قانوناً محدود ومعلوماً علماً نافياً للجهالة فعندئذ يجوز استعمال هذه العبارة في
البحوث والمقالات العلمية شريطة الإحالة إلى القانون الذي يقرر الشيء كأن يقول
الباحث حسبما هو مقرر في قانون الإثبات وان يذكر الشيء الذي قرره قانون الإثبات،
كما يذهب غالبية شراح قانون المرافعات إلى انه تكفي الاشارة في المذكرات
والمرافعات القضائية الاشارة إلى ما تقرره القوانين التي يستدل بها الخصوم دون ان
يذكر الخصوم ارقام المواد أو النصوص التي يستدلون بها، لان تطبيق القانون من عمل
القاضي الذي يفهم القانون اكثر من الخصوم والذي يعرف ما يقرره القانون جيداً، اما
الاسباب الواقعية او الوقائع فانه ينبغي على الخصوم شرحها في مرافعاتهم وبيانها
بياناً واقعياً لان الوقائع لا يعلمها القاضي إلا من خلال ما يذكره الخصوم في مذكراتهم أو مرافعاتهم (اصول المرافعات
المدنية والتجارية، د.احمد جندوبي، صـ411)، والله اعلم.