حق المقاسم في الحصول على مستندات القسمة

 

حق المقاسم في الحصول على مستندات القسمة

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

مستندات القسمة هي المستندات التي يتم الاستناد اليها والاعتماد عليها في اجراء القسمةواستخراج وتحديد نصيب كل واحد من الشركاء أو الورثة مثل وثائق اختيار القسام أو العدول الذين يتولون حصر وتثمين أموال التركة أو الشراكة،وكذا كشوفات الحصر والتثمين ومصادقات الورثة عليها  وعلى غيرها من إجراءات القسمة، وتكتسب هذه الوثائق أهمية بالغة في تحقق المقاسم هو من سلامة إجراءات القسمة ومطابقتها لأحكام الشرع والقانون ومدى استيفاؤها للشروط الشرعية والقانونية ومعرفة ما اذا كانت القسمة قد تمت صحيحة مكتملة الاركان والشروط وما اذا كانت القسمة قد انطوت على حيلة على بعض المتقاسمين أو لحق ببعضهم الغبن او غيره، ولأهمية هذه المسألة فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في الطعن رقم (58265)، وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم أن ابنة تقدمت بدعوى أمام المحكمة الابتدائية طلبت فيها نقض قسمة تركة ابيها لانها الابنة الوحيدة لابيها وانها كانت قاصرة عند إجراء تلك القسمة المطلوب نقضها وان اعمامها قد استحوذوا على غالبية أموال تركة ابيها وانها لاتعلم بمكونات أموال التركة واثمانها واماكنها وان كل ماتم تسليمه لها هو عبارة عن وثيقة فصل يحدد ماصار لها من تركة ابيها ، إلا أن المحكمة الابتدائية رفضت الدعوى لان القسمة كانت مستوفية الاركان والشروط وانه تم التنصيب عن المدعية في وقت القسمة من قبل القاضي المختص واستند حكم المحكمة الابتدائية إلى المادة (6) من قانون الإثبات التي نصت على أنه لا تسمع الدعوى من المقاسم أو وارثه في قسمة مستوفية شروط صحتها ...الخ لان القسمة قد تمت قبل أكثر من ثمانية عشر عاماً، فلم تقبل المدعية بالحكم الابتدائي فقامت باستئنافه حيث قبلت الشعبة الشخصية الاستئناف وقضت بالغاء الحكم الابتدائي وقبول دعوى المدعية والزام المدعى عليهم بإجراء القسمة الشرعية لمخلف والد المدعية، وقد ورد في أسباب الحكم الاستئنافي بان الحيلة واضحة في القسمة المطلوب ابطالها أو نقضها لقيام المدعى عليهم باخفاء جميع المستندات بما في ذلك المتعلقة بإجراءات القسمة واهمها حصر مخلف المتوفي المذكور والد المدعية فالمستأنف ضدهم امتنعوا عن ابراز حصر المخلف وغير ذلك مما يجب معرفته من قبل أي وارث كما ان تلك القسمة قد اسفرت عن توريث المستأنفة النصف فقط مع ان مورثها أبوها لم يخلف غيرها ولذلك فان القسمة لم تكن مستوفية شروطها، فقام المستأنف ضدهم بالطعن في الحكم الاستئنافي بالنقض حيث قبلت الدائرة الشخصية الطعن ونقضت الحكم الاستئنافي الا أنها الزمت المدعى عليهم بابراز المستندات التي تمت القسمة بموجبها، وقد ورد في أسباب حكم المحكمة العليا(اما من حيث الموضوع فقد ناقشت الدائرة كل ما ورد في تفاصيل عريضة الطعن والرد عليه وبعد الاطلاع على اوراق القضية بمافي ذلك الحكمين  الابتدائي والاستئنافي، فقد وجدت الدائرة ان الحكم الاستئنافي قد توصل الى الحكم بإجراء القسمة الشرعية لمخلف والد المدعية لما علل به واستند اليه حيث وجدت الدائرة ان حكم الاستئناف قد قضى بنقض القسمة التي استوفت شروطها الشرعية الصحيحة الظاهرة من الفصول حيث توفر فيها اختيار العدول وحصر المخلف وتثمينه واجراء القرعة الشرعية وتم التنصيب عن المدعية من قبل القاضي الشرعي المختص في المنطقة وفوق هذا وذاك انه قد مضى على إجراء تلك القسمة أكثر من ثمانية عشر عاماً لذلك فان حكم الاستئناف غير موافق لأحكام الشرع والقانون ويتعين الحكم بنقضه وإرجاع القضية إلى محكمة الاستئناف للحكم فيها مجدداً مع مراعاة احضار المستندات التي سبق الزام المدعى عليهم بإحضارها وما ظهر فله حكمه) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : ماهية مستندات القسمة وأهمية حصول المقاسمين عليها :

مستندات القسمة هي عبارة عن مجموعة وثائق منها مستندات ملكية المؤرث التي تمت قسمة تركته كفصوله ووثائق شرائه وما في حكمها كالوصايا والوقفيات والهبات والنذور التي تثبت ملكيته لاموال التركة إضافة إلى الوثائق التي تبين كيفية القسمة وإجراءاتها كوثائق تعيين القسامين والعدول وكشوفات الحصر والتثمين ووثيقة الامية التي تتضمن توزيع السهام على كامل الورثة وغير ذلك من الوثائق، وتظهر أهمية هذه الوثائق في مظاهر كثيرة ابرزها ان فصول المتقاسمين حجيتها قاصرة على المتقاسمين فقط فلايستطيع المقاسم الاحتجاج بها في مواجهة غير المقاسمين ولذلك يجب تسليم المقاسم الوثائق الاصلية التي تفيد ملكية المؤرث أو الشراكة لتلك الأموال التي آلت إلى الوارث أو الشريك المذكورة في فصله، وتظهر أهمية مستندات القسمة ايضا في انها الوسيلة الوحيدة للتحقق من توفر اركان وشروط القسمة الشرعية القانونية مثل رضاء الورثة أو الشركاء على إجراء القسمة ونطاق الرضاء أي اتفاق الورثة أو الشركاء على القسمة وتحديدهم للإجراءات الواجب اتباعها عند اجراء القسمة وإثبات أموال التركة أو الشراكة وحصرها وحصر الالتزامات القائمة عليها وكيفية معالجتها وكيفية تثمين أموال التركة وصحة ومدى شمولية الحصر لكافة أموال التركة وكيفية التقسيم بين الورثة ومدى سلامته وصحته وما اذا كانت القسمة قد انطوت على حيلة أو غبن بأحد الورثة فلا يستطيع الوارث أو المقاسم التحقق من ذلك إلا اذا كانت لديه تلك الوثائق حيث يقوم بدراستها وتمحيصها في متسع من الوقت،ويتاكد هذا الحق إذا كانت التركة كبيرة القيمة كثيرة الأموال أو كان بعض الورثة أو الشركاء نساء أو رجال غير مطلعين على أموال التركة كما هو الحال في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا.

الوجه الثاني : تقادم القسمة وعلاقته بحصول الورثة على مستندات القسمة :

تقوم فكرة تقادم القسمة وعدم قبول طلب نقضها على فكرة العلم التفصيلي بتمام القسمة واجرائتها ومستنداتها وتوفر اركانها وشروطها الشرعية والقانونية المعتبرة حتى يمكن الدفع في مواجهة المقاسم بانه كان يعلم يقيناً ان القسمة قد تمت صحيحة مستوفية الشروط وكان يعلم بكل تفاصيل واجراءات القسمة ومراحلها، ولذلك لاحظنا ان الحكم محل تعليقنا قد قضى بنقض الحكم الاستئنافي وفي الوقت ذاته قضى بالزام الورثة المدعى عليهم بتقديم وثائق القسمة حتى تتمكن محكمة الموضوع من التأكد من تمام القسمة وانها كانت مستوفية الشروط ومن انها لم تنطوي على حيلة على أبنة المؤرث، وذكر الحكم محل تعليقنا بان ما ستظهره عملية التدقيق والدراسة للمستندات يكون له حكمه أي انه بالامكان نقض القسمة اذا اسفرت عملية الدراسة للمستندات عن ظهور حيلة على أبنة المؤرث أو ظهر أن القسمة لم تكن صحيحةوغير مستوفية الشروط، غير أنه من وجهة نظرنا أنه من المتعذر المكتبة أو الحصول على المستندات التي تثبت كيفية وإجراءات القسمة بعد مضي مدة طويلة كالحالة التي اشار اليها الحكم محل تعليقنا وهي ثمانية عشر عاما، والله اعلم.