احكام المسقى المشترك
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
اليمن أرض زراعية
وغالبية سكانها فلاحون، وغالبية الأراضي الزراعية تعتمد في سقيها على ماء المطر،
ومن اشكاليات الزراعة في اليمن الحيازات الصفيرة للأراضي التي تتولد منها اشكاليات
اخرى وهي إشكاليات المرافق المشتركة للأراضي الزراعية والتي يشترك فيها فلاحون عدة، ومن أهم هذه المرافق المشتركة
مساقي هذه الأراضي من حيث صيانتها واصلاحها والانتفاع بها ودفع اخطار السيول
الجارفة، وقد وردت أحكام هذا الموضوع في القانون المدني كما ان الاعراف بين
الفلاحين في المناطق المختلفة تتدخل في تنظيم الانتفاع بالمساقي وصيانتها، كما ان
احكام القضاء تبين الجانب التطبيقي في معالجة وتسوية النزاعات التي تحدث بين الفلاحين بشأن هذه المساقي فضلا
عن ان القانون المدني هذه المسالة في نص وحيد مجمل يحتاج الى بيان وايضاح، ولأهمية
هذا الموضوع فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة
العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 31/5/2010م في الطعن المدني رقم (36151) لسنة
1430هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان فلاحاً قام برفع دعوى امام
المحكمة المدنية ادعى فيها ان مالك الارض المجاورة لأرضه قد امتنع عن رفع مخلفات
السيول من المسقى المشترك وان السيل قد انقطع عن الوصول إلى أرضه وأن اشجار البن
في ارضه قد تلفت وطلب من المحكمة إلزام المدعى عليه برفع المخلفات من المسقى
المشترك واصلاحه وتعويضه عن اشجار البن التي تلفت بسبب امتناع المدعى عليه عن
اصلاح المسقىك، وقد سارت المحكمة الابتدائية في اجراءات نظر الدعوى حتى خلصت الى
الحكم (بقبول الدعوى وإلزام المدعي والمدعى عليه برفع المخلفات من المسقى وصيانته
كل بحسب انتفاعه) وقد ورد في اسباب الحكم الابتدائي (وحيث قد ثبت للمحكمة ان
المسقى مشترك وتطبيقاً لقاعدة (لا ضرر ولا ضرار) وحيث ان الشريعة مبنية على رعاية
مصالح الناس ودرء المفاسد عنهم وأن الضرر يجب ان يزال وان على المالك ان يراعي في
استعمال حقه ما تقضي به القوانين ؛وتطبيقاً لأحكام المواد ( 1164 و 1165 و 1373 و
1374 و 1375) من القانون المدني فقد كان لزاماً على المدعى عليه بالاشتراك مع
المدعي صيانة المسقى المشترك ورفع المخلفات منه حتى يكون صالحا لمرور السيل فيه؛
على ان يشترك الطرفان في نفقات الاصلاح كل بحسب انتفاعه) فلم يقبل المدعي بالحكم
الابتدائي حيث قام باستئنافه على اساس ان الحكم ساوى بينه وبين المدعى عليه في
اصلاح المسقى في حين ان المتسبب في عدم صيانة المسقى هو المدعى عليه إضافة الى ان
الحكم الابتدائي تجاهل طلبه التعويض عن تلفككك اشجار البن، إلا ان الشعبة المدنية
رفضت الاستئناف وقضت بتأييد الحكم الابتدائي، وقد ورد في اسباب الحكم الاستئنافي
(ان الحكم الابتدائي قد صدر وفقاً لإجراءات صحيحة ووفقاً لأحكام قانون المرافعات
وقانون الاثبات والقانون المدني حيث قضى بإلزام الطرفين بصيانة وإصلاح المسقى
المشترك) فلم يقبل المدعي المستأنف بالحكم الاستئنافي فقام بالطعن فيه بالنقض، إلا
أن الدائرة المدنية رفضت الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن اسباب حكم
المحكمة العليا ( اما في الموضوع فأن الطاعن قد اثار في طعنه المسائل الموضوعية
التي سبق له ان اثارها امام محكمة الاستئناف التي قامت بدراستها ومناقشتها وقضت
بموجبها، ولذلك فانه لم يرد في الطعن أي سبب من اسباب الطعن بالنقض المحددة حصراً
في المادة (292) مرافعات، فكل ما ورد في عريضة الطعن أن محكمة الموضوع لم تحدد
المكان الذي يتم صيانته من المسقى) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في
الأوجه الأتية :
الوجه الأول : الأساس القانوني للحكم محل تعليقنا :
من خلال المطالعة
للحكم محل تعليقنا نجد انه قد قضى بإلزام المدعي والمدعى عليه بإصلاح وصيانة
المسقى المشترك بينهما ورفع المخلفات منه وعلى ان تكون نفقات وتكاليف ذلك على
الطرفين بحسب نسبة انتفاع كل طرف ويتأسس هذا الحكم على المادة (1165) مدني التي
تنص على ان (يلزم الشركاء في ساقية أو مصرف القيام بالإصلاحات الضرورية التي
تلزمها لكي يمكن الانتفاع بها أو منع ضررها ويجبر الشركاء على ذلك اذا طلبه احدهم
أو من وقع الضرر عليه ويكون اشتراكهم في النفقات كل بحسب انتفاعه).
الوجه الثاني : كيفية الاشتراك في المسقى :
من خلال مطالعة الحكم
محل تعليقنا نجد ان الطرفين متفقان على ان المسقى مشترك بينهما فلا.خلاف بينهما في
هذا الشأن، والاشتراك في المسقى يعني ان الطرفين او اسلافهما قد قاموا باستحداث المسقى بداية ودفعوا تكاليف استحداثه
، فيكون المسقى مشتركا عندما يجتمع ماء
المطر فيه ويتجه الى الأرض المشتركة أو إلى الأرضين المتجاورتين أو تتفرع من المسقى المشترك فرعان كل فرع إلى
أرض كل منهما كما يمكن ان تتفرع من المسقى المشترك أكثر من فرع بحسب عدد الأراضي
التي تسقى من المسقى المشترك.
الوجه الثالث : كيفية إصلاح المسقى المشترك ونفقاته :
استحداث المسقى
المشترك في البداية هو الأساس الذي يتم اعتماده في كيفية الإصلاح ودفع تكاليفه
باعتبار أن استحداث المسقى المشترك بداية كان اتفاقاً بين الشركاء في المسقى على
اقامته وصيانته وإصلاحه مستقبلاً فيتم العمل بموجب اتفاق انشاء واستحداث المسقى
؛فاذا كان الاتفاق ينص على ان كل شريك يتولى تنفيذ واعداد الجزء المقابل لأرضه من
المسقى فيتم العمل بموجب ذلك الاتفاق عند الإصلاح والصيانة حيث يتوجب على كل شريك
ان يقوم بإصلاح وصيانة الجزء المقابل لأرضه، وبناءً على ذلك فاذا حدث الخراب في
المسقى المقابل لأرض احد الشركاء فانه يكون الملزم وحده بإصلاح هذا الخراب ودفع
تكاليفه وان كان اتفاق انشاء المسقى المشترك قد تم على اساس ان يدفع كل شريك في
المسقى قسطاً معيناً من التكاليف مثل النصف أو الربع أو الثمن فيتم تطبيق ذلك عند
الصيانة والإصلاح حيث يتحمل جميع الشركاء تكاليف إصلاح أي خراب في أي جزء من اجزاء
المسقى حتى ولو لم يكن مقابلا لأرضه، اما
اذا لم يكن هناك اتفاق بين الشركاء في المسقى المشترك ولم يكن هناك عرف خاص في
المنطقة يحدد ذلك وهذا الامر نادر فعندئذ يتم تطبيق النص القانوني السابق ذكره وهو
نص المادة (1165) مدني التي قررت ان تكاليف إصلاح المسقى أو الساقية المشتركة يكون
بحسب انتفاع كل شريك أي ان صاحب الأرض التي مساحتها كبيرة تتلقى غالب ماء السيل
يكون انتفاعه اكثر من صاحب الأرض الاصغر منها وكذا يكون انتفاع صاحب الفرع الأول
اكثر من صاحب الفرع الاخير من المسقى، وصاحب الارض المزروعة بالقات اكثر انتفاعاً
من صاحب الأرض المزروعة بالشعير، وصاحب الأرض الصالبة لا يلزمه شيئً لأنه لا نفع
له من السيل (شرح الازهار 2/172) ومن خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا كان المدعي
يطالب بتطبيق أحكام العرف في بلده التي تقضي بأن كل شريك في المسقى المشترك يقوم
بإصلاح جزء المسقى المقابل لأرضه.
الوجه الرابع : اجبار
الشركاء في المسقى المشترك على اصلاحه وصيانته :
قررت المادة (1165)
مدني السابق ذكرها قررت صراحة إجبار الشريك أو الشركاء في المسقى المشترك على
اصلاحه وصيانته حتى لا يقع الضرر على غيره من الشركاء فيتلف الزرع مثلما حصل في
القضية التي اشار اليها الحكم محل تعليقنا، وقد استند الحكم الى هذه المادة حينما
قضى بالزام الطرفين بإصلاح المسقى المشترك، وهذا الاجبار يتأسس على ان التزام الشركاء
في المسقى المشترك واجب وانه يترتب على عدم القيام به الاضرار بالشركاء الاخرين
واتلاف محاصيلهم أو زروعهم ؛والضرر والاضرار محرم في الشرع والقانون، والواجب
ازالته لان الضرر يزال.
الوجه الخامس : استحقاق الشريك في المسقى المضرور
للتعويض :
سبق القول ان الشريعة
والقانون تقرر منع الضرر ورفعه اذا حصل، وان إصلاح المسقى المشترك واجب يجوز اجبار
الممتنع على القيام به، وعلى هذا الأساس فان المضرور من امتناع احد الشركاء عن
الاصلاح يحق له مطالبة الممتنع عن القيام بالواجب بتعويضه التعويض المناسب عن
الضرر الذي لحقه او المنفعة التي فاتته بسبب امتناع الشريك في المسقى عن إصلاحه،
ولو كنت مقام قاضي الموضوع لحكمت للمدعي بتعويضه عن تلف اشجار البن اذا كان ذلك
التلف قد حصل بالفعل؛ والله اعلم.
الأسعدي للطباعة ت : 772877717