عدم وضوح منطوق الحكم
أ.د.عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون والمعهد العالي للقضاء
الحكم محل تعليقنا هو
الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا باليمن بتاريخ12/9/2001م في
الطعن الشخصي رقم (7135) لسنة 1422هـ، وخلاصة هذا الحكم أنه ( بعد المطالعة لملف
القضية والمداولة فقد تبين للدائرة أن الطعن مقبول شكلاً بموجب قرار دائرة فحص
الطعون بتاريخ 23/6/2001م، أما في الموضوع فقد ظهر أن محكمة الإستئناف لم تفصل في
الموضوع حيث قضت بإلغاء الحكم الإبتدائي لعدم وضوح منطوقه وجهالته، وذلك انعكاس
لعدم الوضوح والجهالة التي شابت الدعوى أمام محكمة أول درجة حسبما ورد في أسباب
الحكم الإستئنافي، وحيث أن محكمة الإستئناف لم تفصل في الموضوع وإنما الغت الحكم
الإبتدائي وقررت إعادة القضية إلى محكمة أول درجة لإستكمال أوجه النقض وإزالة
الجهالة في الدعوى والتحقق من البيانات ثم إصدار حكم واضح، ومن خلال دراسة الدائرة
للحكم الإستئنافي فقد ثبت لها ان الحكم الإستئنافي موافق للمادة (288) مرافعات،
ولذلك فإن الدائرة تقرر عدم قبول الطعن موضوعاً وتأييد الحكم الإستئنافي لموافقته
للثابت في الأوراق والنصوص القانونية ومصادرة الكفالة للخزينة العامة) وسيكون
تعليقنا على هذا الحكم بحسب الأوجه الآتية:
الوجه الأول: أهمية منطوق الحكم:
منطوق الحكم هو الحكم
أصلاً فهو النتيجة التي ينتهي إليها الحكم، وهو الجزء القابل للتنفيذ الاختياري والجبري،
وبما أن المنطوق يحتل هذه الأهمية البالغة فإن ذلك يقتضي العناية البالغة عند
صياغته حتى يكون صريحاً وواضحاً وقابلاً للتنفيذ الإختياري والجبري.
الوجه الثاني: عوامل وضوح منطوق الحكم:
حتى يكون الحكم
القضائي قابلاً للتنفيذ الإختياري والجبري فإن ذلك يستدعي أن يكون المنطوق صريحاً
وواضحاً، ولا يكون صريحاً إلا إذا استعملت
عند صياغته الألفاظ الجازمة الصريحة مثل ( تسليم،، دفع، لزوم) وتجنب الألفاظ
الضمنية مثل (ينبغي على فلان/ يحق لفلان) اما وضوح المنطوق فيتم عن طريق تحديد
وذكر المحكوم له والمحكوم عليه والمحكوم به ومقداره وصفته وجنسه وتحديده تحديداً
نافياً للجهالة حتى يمكن اقتضاؤه اختياراً أو جبراً كما ينبغي أن تكون عبارات
المنطوق جازمة وفاصلة في النزاع لا تحتمل التأويل
أو التعليق على مسائل أخرى كأداء يمين أو ما يقرره محاسب او تأجيل المحكوم
به إلى وقت أو زمان لاحق، كما ينبغي على القاضي عند صياغة منطوق الحكم أن يتخيل أنه
قاض التنفيذ المطلوب منه أن يقوم بتنفيذ فقرات منطوق الحكم، كما ينبغي على القاضي
عند صياغة الحكم أن يجعل منطوق الحكم على هيئة فقرات كما يجب عليه أن يقوم بترتيب
هذه الفقرات ترتيباً منطقياً بحسب أوليات تنفيذ تلك الفقرات، كما ينبغي على القاضي
عند صياغته منطوق الحكم عدم الخلط بين منطوق الحكم وأسباب الحكم من حيث المحكوم به
فلا ينبغي ان يضمن أسباب الحكم بعض المنطوق مثل أن يقول في أسباب الحكم: الواجب
احتساب المبلغ الذي دفعه المدعى عليه إلى المدعي ثم لا يذكر ذلك في المنطوق، لأن
تداخل المنطوق مع الأسباب يفضي إلى عدم وضوح منطوق الحكم وتعذر تنفيذه، كما ينبغي
أن يكون منطوق الحكم موافقاً لبعضه فالمنطوق يتكون من فقرات ولذلك يجب أن تكون تلك
الفقرات متفقة مع بعضها متوافقة غير متناقضة أو متضادة كما ينبغي أن يكون منطوق
الحكم متوافق مع أسباب الحكم وأن يكون المنطوق نتيجة منطقية وقانونية وواقعية
لأسباب الحكم، كما ينبغي أن يتفق منطوق الحكم مع النصوص القانونية سواء تلك التي
استند إليها أو غيرها.
الوجه الثالث: عدم وضوح الدعوى وعلاقة ذلك بعدم وضوح المنطوق:
أشار الحكم محل
تعليقنا أن منطوق الحكم الإبتدائي غير واضح تعتريه الجهالة مما جعل الحكم
الإستئنافي يلغيه ويعيد ملف القضية إلى محكمة أول درجة، وأشار حكم المحكمة العليا
محل تعليقنا إلى أن سبب عدم الوضوح في منطوق الحكم الإبتدائي يرجع إلى عدم وضوح
الدعوى وجهالتها ونقصها، فلو لم تكن الدعوى على تلك الحالة لما كان منطوق الحكم
الإبتدائي على تلك الجهالة، مما يدل على أن هناك علاقة وثيقة بين جهالة الدعوى
وجهالة المنطوق ووضوح الدعوى ووضوح المنطوق، وهذا التعليل صحيح لأن منطوق الحكم ما
هو إلا جزم وحسم لطلبات الدعوى إما بالقبول
او بالرفض لتلك الطلبات فإذا كانت طلبات الدعوى جلية وواضحة كان المنطوق كذلك،
فإذا طلب المدعي في دعواه مبلغاً مالياً معين المقدار والجنس فإن منطوق الحكم
سيكون واضحاً جلياً حينما يقرر إلزام المدعى عليه بتسليم ذلك المبلغ والعكس صحيح،
وهكذا في بقية طلبات الدعوى.
الوجه الرابع: مدى جواز إلغاء الحكم الإبتدائي وإعادة الملف إلى محكمة أول درجة:
قضى الحكم الإستئنافي
بإلغاء الحكم الإبتدائي المجهول منطوقه وإعادة الملف إلى محكمة أول درجة للفصل في
الموضوع من جديد وقد أيد حكم المحكمة العليا محل تعليقنا الحكم الإستئنافي، وما
ذهب إليه حكم المحكمة العليا سديد يوافق روح المادة (288) مرافعات، حيث أن محكمة
أول درجة لم تفصل حقيقة في الدعوى لجهالة الدعوى وأوجه النقص التي شابتها، ولذلك
كان منطوق الحكم الإبتدائي غير واضح تشوبه الجهالة، ولذلك أيضاً لم تتعرض محكمة
الإستئناف للموضوع، لان الدعوى تعتريها الجهالة، وعلى هذا الأساس فإن إلغاء الحكم
الإبتدائي وإعادة الملف إلى محكمة أول درجة لإلزام المدعي بتصحيح دعواه واستيفاء
أوجه النقص والقصور فيها يوافق القانون نصاً وروحاً، والله أعلم.