شيك الضمان
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الاستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
الشيك
بموجب القانون التجاري أداة وفاء مثله في ذلك مثل النقود سواء بسواء، إلا أن
الاعراف التجارية الفاسدة في اليمن تحاول حرف الشيك عن وظيفته وتحويله إلى أداة
ضمان، ولذلك انتشرت ظاهرة شيك الضمان، إلا أن القضاء ظل يؤكد في أحكام كثيرة على
أن الشيك أداة وفاء وليس ضمان حسبما قضى الحكم محل تعليقنا ،وهو الحكم الصادر عن
الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 31/3/2013م في الطعن رقم (47717) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا
الحكم ان تاجر جملة اقترض مبلغاً من بنك كي يسلم ذلك المبلغ إلى صديقه وضمانا لذلك
القرض قدم التاجر المقترض إلى البنك رهنا
عقاريا وهو منزل صغير مملوك لصديقه المستفيد
الحقيقي من مبلغ القرض، كما قدم التاجر
المقترض للبنك شيكاً بمبلغ القرض وكان
تاريخ استحقاق الشيك هو تاريخ استحقاق القرض وعند حلول تاريخ سداد القرض وتاريخ
صرف الشيك عجز المقترض عن سداد القرض في الميعاد المحدد فقام البنك بتقديم الشيك
للصرف إلى أن المختصين افادوا بعدم وجود
رصيد لساحب الشيك ،فقام البنك الدائن بتقديم شكوى بالمدين الساحب للشيك فقامت
النيابة بإحالة المدين الساحب للشيك إلى المحكمة بتهمة اصدار شيك بدون رصيد وأمام
المحكمة دافع المتهم عن نفسه بأنه كان ينبغي على البنك التنفيذ على المنزل المرهون
للبنك لان المتهم كان قد سلم مبلغ القرض أصلاً
إلى صاحب المنزل المرهون كما ذكر المتهم أنه قام بإصدار الشيك على أساس انه ضمانة
للوفاء بمبلغ القرض لان المتهم ليس له رصيد لدى البنك وإلا لما اقترض من البنك،
وقد توصلت المحكمة الابتدائية إلى الحكم بإدانة المتهم بجريمة إصدار شيك بدون رصيد
وحبسه ستة أشهر مع وقف التنفيذ والزام المتهم بدفع قيمة الشيك إلى البنك الدائن،
فقام المتهم باستئناف الحكم الابتدائي إلا أن الشعبة الجزائية قضت بتأييد الحكم
الاستئنافي، فلم يقبل المتهم بذلك حيث قام بالطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي إلا
أن الدائرة الجزائية رفضت الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد في أسباب حكم المحكمة
العليا (فالمقرر قانوناً وفقاً لأحكام المادة (311) عقوبات والمادة (459) تجاري أن
الشيكات تعتبر أداة وفاء وتحل محل النقود في التعامل وقد اضفى عليها المشرع حماية
جزائية خاصة لتعلقها بالائتمان وحيث أن اسباغ صفة الضمان للشيك من قبل الطاعن لا
تحجب عنه تلك الصفة الحقيقية التي اضفاها القانون عليه، حيث لا عبرة في قيام
الجريمة لسبب تحرير الشيك أو الغرض من تحريره ولا بعلم المستفيد وقت سحب الشيك
بعدم وجود رصيد للساحب في البنك المسحوب عليه، وحيث أن القانون قد اشترط لوقوع
الجريمة أن يتم انذار الساحب بسداد مبلغ الشيك فاذا لم يسارع إلى السداد خلال
اسبوع من تاريخ اعلانه بالسداد وقعت الجريمة وقد تبين للدائرة اخطار الطاعن
بالوفاء بقيمة الشيك الامر الذي يتعين معه القضاء برفض الطعن) وسيكون تعليقنا على
هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : شيوع شيكات الضمان وتأثيرها على الائتمان :
الشيكات كما قرر
القانون التجاري والحكم محل تعليقنا هي اداة وفاء وليست اداة ضمان، لان الشيكات
تحل محل النقود في الوفاء بالحقوق أو الالتزامات والمبادلات، فالتعامل بالشيكات
دليل على رقي المجتمع وتطوره ويقلل من مخاطر استعمال النقود في المعاملات، كما ان
التعامل بالشيكات يخفف من حدة ازمة قلة الأوراق النقدية لا سيما في اليمن في الوقت
الراهن، ولذلك تكتسب الشيكات أهمية بالغة في الحلول محل النقود في التعاملات
والمبادلات، ومع هذا فان بعض البنوك والشركات تعمد إلى تشجيع هذه الظاهرة حينما تتجاهل
وظيفة الشيك فتطلب من المتعاملين معها بالاجل أن يحرروا لها شيكات على سبيل الضمان
وهي تعلم علم اليقين بان الساحب حينما يسحب الشيك ليس له رصيد مثلما حصل في القضية
التي تناولها الحكم محل تعليقنا، ومع ذلك فقد لاحظنا أن الحكم الابتدائي
والاستئنافي قد عاقبا الساحب للشيك ولكنهما لم يعاقبا البنك المحرض للساحب على اصدار شيك بدون رصيد.
الوجه الثاني : الباعث على سحب الشيك ليس له تأثير على جريمة اصدار الشيك بدون رصيد :
اشار الحكم محل
تعليقنا إلى أن الباعث على سحب الشيك أو سبب السحب ليس له تأثير على جريمة اصدار الشيك
بدون رصيد ،ولذلك فان هذه الجريمة مهما كان
الباعث الذي يدفع الساحب إلى سحب الشيك واصداره، ولذلك لا ينفي وجود
الجريمة قول الساحب: ان الهدف اوالغرض من اصدار الشيك هو ضمان الوفاء بالقرض وليس
وضع الشيك موضع التداول كالنقود، واذا كان
الباعث على اصدار الشيك ليس له تأثير على الجريمة إلا أنه له تأثير على تقدير
العقوبة على الجاني ولذلك فقد لاحظنا أن الحكم محل تعليقنا قد قضى بوقف تنفيذ
عقوبة الحبس المقضي بها على الجاني، ويذهب الفقه إلى عدم تأثير الباعث على الجريمة
عامة وان كان له تأثير على تقدير العقوبة، والله أعلم.