اثر الظروف الطارئة على العاملين في المنظمات

 

اثر الظروف الطارئة على العاملين في المنظمات

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الاستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

تقع الظروف الطارئة في اليمن بين الوقت والاخر، ولا ريب أن لهذه الظروف تأثير بالغ على الالتزامات القانونية والالتزامات العقدية، ومن العقود التي تتأثر بهذه الظروف عقود العمل في منظمات المجتمع المدني المحلية والدولية،وهناك ظروف اقتصادية في بعض المنشات يختلط مفهومها عند البعض  مع مفهوم الظروف الطارئة،ولأهمية هذا الموضوع وكثرة الاحتياج له فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الادارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 15/7/2008م في الطعن المدني رقم (34336) لسنة 1429هـ وتتخلص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم : أن أربع نسوة كن يعملن لدى جمعية نسويةقامت بالاستغناء عن خدماتهن فقمن بتقديم دعواهن الى اللجنة التحكيمية العمالية ضد الجمعية وذكرن في دعواهن أنهن عملن لدى الجمعية لمدة تزيد على ثلاث سنوات وأن الجمعية قامت بفصلهن تعسفياً وطلبن الحكم لهن بالزام الجمعية بدفع مكافأة نهاية الخدمة راتب عن كل سنة بالإضافة إلى راتب شهر الانذار وتعويضهن عن انهاء الجمعية للعقد قبل مدته ،وقد خلصت اللجنة التحكيمية العمالية الى اصدار قرارها باستحقاق كل واحدة من المدعيات لراتب أربعة أشهر تعويض عن انتهاء الخدمة وراتب شهر لكل مدعية مقابل بدل الانذار وراتب شهر لكل مدعية مقابل نهاية الخدمة ومحاسبة المدعيات بأجورهن عن شهر أبريل 2004م ومصاريف تقاضي كل مدعية خمسة عشر ألف ريال، وقد ورد ضمن أسباب قرار اللجنة التحكيمية (أن اللجنة لم تجد أي مبرر قانوني في فصل المدعيات الأمر الذي يجعل كل مدعية مستحقة للتعويض المادي أما المذكرة الصادر من السفارة .... التي استدلت بها الجمعية في تخفيض التمويل فقد كانت في تاريخ لاحق لفصل المدعيات) فلم تقبل الجمعية بقرار اللجنة التحكيمية فقامت باستئناف القرار إلا أن الشعبة المدنية رفضت الاستئناف وقضت بتأييد قرار اللجنة، وقد ورد ضمن أسباب الحكم الاستئنافي (أن المستأنفة لم تقدم أي جديد في عريضة الاستئناف فليس أمام الشعبة الا تأييد قرار اللجنة التحكيمية للقاعدة الشرعية والقانونية التي تنص على أن الأصل صحة الأحكام) فلم تقبل الجمعية المستأنفة بالحكم الاستئنافي فقامت بالطعن فيه بالنقض إلا أن الدائرة الادارية قضت برفض الطعن واقرار الحكم الاستئنافي وقد ورد في أسباب حكم المحكمة العليا (فان الدائرة قد وجدت أن مناعي الطاعنة قد تركزت على مخالفة الحكم للقانون الذي يقرر تأثير الظروف القاهرة وارتباطها بعملية الاستغناء عن المطعون ضدهن بسبب تخفيض التمويل الهولندي حيث أخطأت كل من محكمة الاستئناف واللجنة التحكيمية في  ذلك حيث اعتبرت ذلك فصلاً تعسفياً من غير تقدير أو اعتبار للظروف القاهرة، والدائرة تجد أن تلك المناعي غير سديدة لان الظروف القاهرة صفة تلازم الكوارث الطبيعية مثل وقوع حريق أو زلزال أو حرب أو مايحول دون استمرار الجمعية في أداء نشاطها ،وهذا الامر غير ثابت في هذه القضية ،فالثابت حسب مناعي الطاعنة أن هناك ظرف اقتصادي ارتبط بخفض التمويل الهولندي للطاعنة وكان الاستغناء بسبب اقتصادي، ولذلك اجاز القانون للعمال الحق في الدعوى في هذه الحالة أمام اللجنة التحكيمية من قرار صاحب العميل بتخفيض العمال نتيجة الظروف الاقتصادية اذا كان التنقيص حيلة لاستبدالهم باخرين، وحيث أن تلك الظروف خاضعة لتقدير محكمة الموضوع، وتبعاً لذلك فلا محل لإثارة ذلك أمام المحكمة العليا الأمر الذي يتعين معه رفض الطعن) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : الظرف الطارئ واثره على عقد العمل :

تنص المادة (211) مدني على أن (العقد ملزم للمتعاقدين فلا يجوز نقضه ولا تعديله الا باتفاق الطرفين أو للأسباب التي يقررها القانون ومع ذلك اذا طرأت حوادث استثنائية كالحروب والكوارث لم تكن متوقعة وترتب على حدوثها أن تنفيذ الالتزام التعاقدي وان لم يصبح مستحيلاً صار مرهقاً للمدين بحيث يشكل خسارة فادحة لا يستطيع معها المضي في العقد ولا يعني ذلك ارتفاع الاسعار أو انخفاضها جاز للقاضي تبعاً للظروف من فقر أو غنى وغير ذلك وبعد الموازنة بين مصالح الطرفين أن يرد الالتزام المرهق الى الحد المعقول) ومن خلال استقراء هذا النص نجد أنه يقرر أن ارتفاع الاسعار أو انخفاضها أو قلة السيولة  أو الركود أو التضخم ليست من الظروف الطارئة فلا يحق لأي من اطراف العقد التعذر بأن هذه الاعذار من قبيل الظروف الطارئة، ولذلك فقد لاحظنا أن الحكم محل تعليقنا قد قضى بأن قلة التمويل وشحة الامكانيات ليست من قبيل الظروف الطارئة، فلا يجوز للجمعية النسوية الاستناد اليها في انهاء عقود عمل العاملات في الجمعية، وبحسب ما ورد في النص السابق فان الظروف الطارئة مثل الحروب والكوارث كالزلازل والفيضانات والأوبئة،وبحسب سياق النص القانوني السابق فان الظروف الطارئة لا تجيز فسخ العقد أو فصل العامل وإنما تجيز فقط تعديل التزامات العقد لازالة الارهاق  الذي  فرضته الظروف الطارئة غير المتوقعة ،وفي بداية الحرب المفروضة على اليمن قام القطاع الخاص بتطبيق نظرية الظروف الطارئة (الحرب) وتأثيرها على عقود العمل تطبيقاً قانونياً عادلاً ومتوازناً يدل على أن القطاع الخاص في اليمن يمتلك خبرات قانونية يتفوق فيها على كثير من  الدول العربية حيث رفضت غالبية الشركات والمؤسسات الخاصةفي اليمن تسريح العاملين فيها بذريعة الظروف الطارئة وبدلاً من ذلك قامت هذه الشركات بتوزيع الالتزامات المرهقة على اصحاب الاعمال والعمال بطريقة متوازنة اعتمدت على طريقة تخفيض ساعات العمل بالتزامن مع تخفيض الاجور بقدر الانقاص في عدد ساعات العمل، وقد اتبعت الشركات والمؤسسات هذه السياسة العادلة لفترة تصل الى سنة منذ بداية الحرب حتى استقرت اوضاع هذه الشركات وتجاوزت الصدمة الأولى للحرب، وقد اثنى كثير من القانونيين العرب بتجربة الشركات والمؤسسات اليمنية الرائدة في هذا المجال التي اعتمدت على دراسات قانونية وادارية رشيدة استطاعت أن تدلها إلى الطريق الآمن والعادل لتجاوز محنة الحرب دون ضرر أو ضرار بالعمال او بارباب العمل.

الوجه الثاني : حق صاحب العمل في تنقيص العمال بسبب الظروف الاقتصادية :

اشار الحكم محل تعليقنا إلى أن الظروف الاقتصادية التي قد يعاني منها صاحب العمل ليست من قبيل الظروف الطارئة وأنه لا يحق له فصل أو انهاء خدمات العمال على أساس أن الظروف الاقتصادية المتردية من قبيل الظروف الطارئة ولكن كان باستطاعة صاحب العمل (الجمعية النسوية) ان تقوم بانهاء عمل بعض العاملات على اساس تنقيص العمال بسبب تردي الظروف الاقتصادية استناداً الى المواد (من 100 وحتى 103) من قانون العمل التي اجازت لرب العمل أن يوقف العمال كلياً أو جزئياً أو يعدل في حجم المنشأة أو نشاطها وأن يخفض عدد العمل أو يستغني عنهم لسبب التوقف عن العمل جزئياً أو كلياً وأنه في هذه الحالة يحق للعمال الذين شملهم التخفيض أو الاستغناء الادعا أمام لجنة التحكيم المختصة اذا تبين لهم أن اجراء صاحب العمل كان مجحفاً يهدف إلى احلال عمال اخرين بدلاً عنهم، إلا أن الجمعية النسوية لم تستند في دفاعها إلى هذه النصوص القانونية الواردة في قانون العمل وبدلاً من ذلك ضلت متمسكة حتى النهاية بنظرية الظروف الطارئة التي لم تسعفها.

الوجه الثالث :  الطابع الخيري غير الربحي لمنظمات المجتمع المدني لايغيرمن طبيعة عقود العمل التي تباشرها:

منظمات المجتمع المدني شخصيات اعتبارية غير ربحية ذات نفع عام  فاهدافها واغراضها وافعالها وتصرفاتها تندرج ضمن اعمال البر والاحسان حسبما يقرر قانون الجمعيات والمؤسسات الاهلية والنظم الاساسية لهذه الجمعيات ،وتبعا لذلك فان الاصل ان العمل لدى هذه الجمعيات   طوعي أو شبه طوعي الا اذا تعاقدت هذه الجمعيات مع اشخاص بعقود لاداء اعمال محددة منتظمة وثابتة وباجر ثابت وتحت اشراف  وتوجيه  وملاحظة مدير الجمعية حيث يكونوا تابعين للجمعية يتامرون بامر  مسئوليها، ففي هذه الحالة تكون هذه العقود عقود عمل تخضع لقانون العمل، والله اعلم.



الأسعدي للطباعة ت : 772877717