الزام الجهة بإبراز أصل التوجيه الاداري

 

الزام الجهة بإبراز أصل التوجيه الاداري

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

من مساوى قانون الإثبات باليمن اهداره لحجية صور المحررات، ولذلك فان الأمر يتطلب  الزام الجهة التي تصدر توجيهاً خطياً بإبراز أصل هذا التوجيه أو الكشف عن مصير هذا التوجيه، ويتم ذلك من قبيل الاستثناء حيث يقرر القضاء الزام الجهة بإبراز أصل هذا المحرر ولو كان ضدها، وهذا ما قضى به الحكم محل تعليقنا وهو الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 17/10/2015م في الطعن رقم (56508)  وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان خلافاً حدث فيما بين البنك وعميله بشأن عمولة حيث أدعى العميل ان مدير البنك أصدر توجيهاً إلى المختصين بالبنك باحتساب نسبة 4% عن أية مبالغ يقوم العميل بإيداعها في حسابه بالدولار طرف البنك، وقد أبرز العميل صورة محرر يتضمن توجيه مدير البنك بمنح العميل العمولة المشار اليه ، وقد رد البنك بان صورة المحرر لا حجية لها وأنه ينبغي  على العميل تقديم أصل المحرر، وقد وصل الخلاف بين الطرفين إلى الدائرة التجارية بالمحكمة العليا التي قبلت طعن العميل الذي عاب على الحكم الاستئنافي أنه لم يلتفت إلى مطالبته بالعمولة المشار اليها، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (وتبين للدائرة ان احتجاج الطاعن بصورة مستند يتضمن مطالبته  لمدير البنك باحتساب عمولة له على حساب الوديعة بالدولار وبأدنى الطلب توجيه المدير إلى المختصين بدفع فائدة بنسبة 4% اعتباراً من تاريخ.... وقد قامت محكمة أول درجة بإلزام العميل بابراز أصل الطلب فأفاد الطاعن أن الأصل لدى المطعون ضده، وفصلت المحكمة الابتدائية في النزاع ولم تلتفت إلى الطلب معللة في أسباب حكمها بإلقاء اللوم على الطاعن وأنه يتحمل تبعية تقصيره لعدم احتفاظه بأصول مستنداته ومن ذلك أصل السند محل الاحتجاج وحيث أن الطاعن قد اثار السبب نفسه في اثناء خصومة الاستئناف فكان المتعين على الشعبة وهي محكمة موضوع استيفاء الإثبات أو ما فات عمله على محكمة أول درجة حيث يظهر من ذلك حصول التقصير ولزوم استيفاء هذه المسألة ومخاطبة البنك المطعون ضده للافادة عن أصل التوجيه المحتج بصورة منه من جانب الطاعن، لانه من المعلوم أن أصل التوجيه يتم  تسليمه  إلى الموجه اليه ان أمكن تحقيقاً لدفاع المستأنف للوقوف على حقيقة ما يدعيه الطاعن وإلا عد ذلك قصوراً يصم الحكم بالبطلان وعند تعذر ذلك تستوفى اليمين من مدير البنك المذكور المنسوب اليه التوجيه فان تعذر ذلك فتستوفى اليمين من المدير الذي خلفه) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الاتية :

الوجه الأول : ماهية التوجيه الاداري وتكييفه ولزومه :

التوجيه الاداري هو عبارة عن قرار اداري صادر ممن يملك ذلك بحسب القانون ويتجه هذا القرار أو الأمر إلى المختصين لتكليفهم بعمل شيء أو الكف عن شيء، وبهذا المعنى فان الأمر أو التوجيه الاداري عبارة عن معاملة ادارية بين الرؤساء والمرؤوسين في الجهة، وقد يكون التوجيه مطلقاً وقد يكون مقيداً باتباع الإجراءات القانونية والنظامية السليمة عند قيام الموظفين بتنفيذ التوجيه، والحقيقة ان الموظف المختص ملزم بمقتضى أحكام القانون بان يراعى القوانين والنظم واللوائح عند تنفيذ التوجيه الصادر له من الرئيس حتى لو كان التوجيه مخالفاً للنظام، والتوجيهات الادارية قد يتم تنفيذها من قبل الموظفين المختصين كما قد لا يتم تنفيذها وعند عدم  تنفيذها يجب على المختصين بالتنفيذ الافصاح عن أسباب عدم تنفيذها ولذلك لاحظنا ان الحكم محل تعليقنا قد ارشد محكمة الموضوع إلى بحث مصير أصل التوجيه الصادر من مدير البنك وهل تم تنفيذه أم لا وتوجيه المحاسب إلى مراجعة حسابات العميل بالدولار والتأكد مما اذا كانت قد اشتملت مفرداتها على نسبة العمولة التي وجه المدير باحتسابها.

الوجه الثاني : الخصم الملزم بإبراز أصل التوجيه الاداري :

ذكرنا في الوجه الأول أن التوجيه الاداري عبارة عن معاملة ادارية داخلية للجهة المصدرة للتوجيه ولذلك فان أصل هذه المعاملة تحفظ لدى الادارة الموجه إليها التوجيه كمرجع ومستند تستند اليها في عملية التنفيذ هذا في حالة التنفيذ اما في حالة عدم قيام الادارة التي صدر اليها التوجيه بتنفيذه فان أصل التوجيه لا يكون محفوظاً لديها لانها في حالة عدم التنفيذ تكون قد قامت بالرد على التوجيه وذكرت أسباب وملابسات وخلفيات عدم التنفيذ ففي هذه الحالة يكون التوجيه قد اعيد إلى المدير الذي اصدره مع مبررات عدم التنفيذ حيث يتم حفظ ذلك بمكتب المدير، وعلى هذا الأساس فان الخصم الذي يجب عليه ابراز أصل التوجيه هو الجهة المصدرة  للتوجيه لأنه محفوظ لديها سواءً في حالة تنفيذه أو عدمها.

الوجه الثالث : مدى جواز الزام الجهة المصدرة للتوجيه بتقديم أصل التوجيه :

وفقاً للقواعد العامة فانه يجب على المدعي بصدور التوجيه ان يقدم الادلة على دعواه ومن اهم تلك الادلة أصل التوجيه، إلا أنه استثناء من هذا الأصل فانه يحق للمدعي بصدور التوجيه ان يطلب من محكمة الموضوع الزام المدعى عليه بتقديم أصل التوجيه ولو لم يكن ذلك في صالح المدعى عليه طالما ان هذا المحرر منتج يترتب عليه تغيير وجه الرأي في الحكم طالما أنه من الثابت ان أصل التوجيه محفوظاً في كل الأحوال لدى الجهة التي أصدرته، وقد قرر قانون الإثبات جواز ذلك في المواد (112 و 113 و 114 و 115 و 117) وبمقتضى المادة (117) فاذا لم يقم الخصم بتقديم المحرر في الموعد الذي حددته المحكمة أو امتنع عن حلف اليمين اعتبرت صورة المحرر التي قدمها خصمه صحيحة مطابقة لأصلها فان لم يكن قد قدم صورة من المحرر فيحبس المدعى عليه حتى يسلم المستند أو يحلف اليمين، والله اعلم.