الأصل عدم نفقة الزوجة

 

الأصل عدم نفقة الزوجة

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

المسائل والأحوال الشخصية والعائلية يتعذر في حالات كثيرة إثباتها بطرق الإثبات المألوفة في المسائل الاخرى، فلا شك أن لمسائل الأحوال الشخصية خصوصيتها في الإثبات،ومن ذلك تطبيق قاعدة الأصل العدم في نفقة الزوجة لأن العدم يستحيل اثباته حيث يترتب على إعمال هذه القاعدة نقل عب اثبات نفقة الزوجة إلى عاتق  الزوج أو من يجب عليه الأنفاق عليها   ، ومن هذا المنطلق فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 7/10/2017م في الطعن رقم (59699) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم في ان الزوجة تقدمت أمام المحكمة الابتدائية في المديرية التي تقيم فيها مدعية بان زوجها تركها في بيت أهلها لمدة أربع سنوات بدون نفقة مع قدرته، وطلبت في دعواها الحكم لها بالنفقة السابقة وفسخ زواجها وبعد ذلك قام زوجها برفع دعوى في محكمة المديرية التي يقيم فيها طلب في دعواه بالزام زوجته الناشز بالرجوع إلى منزل الزوجية فدفعت الزوجة بإحالة دعوى الزوج للإرتباط وذلك للنظر في الدعويين معا دعوى الزوجة ودعوى الزوج، وقد توصلت المحكمة الابتدائية في موطن الزوجة إلى الحكم بفسخ عقد زواج المدعية استناداً إلى المادة (52) أحوال شخصية التي تنص على جواز فسخ الزواج اذا طلبت الزوجة ذلك إذا انقضت سنة بالنسبة لغير المنفق وسنتين للمنفق وكذا الزام الزوج بدفع نفقة سنة سابقة للزوجة وكذا نفقة طفليها بالإضافة إلى الاتعاب والمخاسير، وقد عللت المحكمة الابتدائية حكمها بالنفقة بأنه (لما كان الأصل في نفقة الزوجة هو العدم وحيث ان الشهود قد شهدوا بعدم رؤيتهم للمدعى عليه في منزل عمه والد زوجته لمدة أربع سنوات ولذلك فقد قدرت المحكمة النفقة بحسب حال الزوج وذلك نفقة سنة سابقة وفقاً للمادة (156) أحوال شخصية) فلم يقبل الزوج بالحكم الابتدائي فقام باستئنافه إلا أن الشعبة الشخصية قضت بتأييد الحكم الابتدائي، وقد ورد ضمن أسباب الحكم الاستئنافي (ومعلوم ان الأصل في الانفاق العدم فلا يرتفع هذا الأصل إلا بدليل وهو ما عجز عنه المستأنف اما قول المستأنف بان الحكم قد صدر من محكمة غير مختصة وهي محكمة موطن المدعية فان محكمة موطن الزوج قد احالت دعواه إلى محكمة موطن الزوجة لان محكمة موطن الزوجة كانت الاسبق في نظر القضية) فلم يقنع المستأنف بالحكم الاستئنافي فقام بالطعن فيه بالنقض إلا أن الدائرة الشخصية رفضت الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (اما من حيث الموضوع فقد وجدت الدائرة ان الحكم الاستئنافي موافق في نتيجته  لأحكام الشرع والقانون مما يستوجب اقرار الحكم الاستئنافي) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : إشكالية إثبات نفقة  الزوجة والأولاد :

النفقة هي الطعام والكسوة والسكن والعلاج والاخدام حسبما ورد في قانون الأحوال الشخصية فلا تظهر إشكالية اثبات هذه النفقة عندما يعيش الزوج في كنف اسرته أو مع افراد اسرته من غير خلاف أو نزاع، لان الظاهر يدل على أن الذي يتولى الانفاق على افراد الاسرة هو الزوج أو الاب ما دام قادراً على الكسب وساعياً في سبيله أو  لديه أموال ينفق منها وتكون الزوجة ربة بيت لا تعمل ويكون الأولاد قصار أو عاطلين، لكن إشكالية إثبات النفقة تبرز حينما يصير الزوج عاطلاً لا مال له ولا تجارة ولا مهنة وتكون الزوجة موظفة أو صاحبة مهنة أو عندما يكبر الاولاد فيعملون ويكسبون ،ولكن هذه الإشكالية ليست ذات أهمية ما دام الخلاف لم يتسرب إلى العلاقات الاسرية، ولكن هذه الإشكالية تظهر على هيئة مشكلة ونزاع حينما يختلف الزوج وزوجته أو الأولاد مع ابيهم أو الأولاد فيما بينهم حيث يتعذر إثبات النفقة وتحديد من هو المنفق لان مكونات النفقة عبارة عن منافع مستهلكة  مثل الطعام والكساء والعلاج أو لايشاهدها الغير غالبا، كما ان افراد الاسرة لا يحرصون قبل وجود الخلاف على إثبات النفقات التي يقدمونها لبعضهم ، لانهم يتساهلون في ذلك ويحرصون على عدم اطلاع أو اعلام الغير بالنفقات التي يقدمونها لأفراد اسرهم باعتبار النفقات بما فيها نفقة الزوجة من الشئون الاسرية أو العائلية التي لا يطلع الغير عليها، والخلاصة انه يتعذر في حالات كثيرة إثبات النفقات ومنها نفقة الزوجة بطرق الإثبات العادية، وبالمقابل فان الزوجة تكون متمسكة بقاعدة الأصل عدم النفقة لأنه يستحيل عليها اثبات العدم ، كما تتمسك بقاعدة من له الحق وهو حقها في النفقة فيكون القول قولها حسبما سياتي بيانه في الأوجه التالية .

الوجه الثاني :  نفقة الزوجة وقبول قول الزوجة بعدم النفقة عليها :

القول قول صاحب الحق، هذه قاعدة مضطردة في الفقه الاسلامي حيث تعني هذه القاعدة ان الشخص الذي قررت الشريعة الإسلامية له الحق في شيء أو تصرف ما يكون المصدق في قوله عند اختلاف الأقوال، فمثلاً الزوج يصدق في وقوع الطلاق وعدد الطلقات لان القول قوله فهو صاحب الحق في الطلاق (الطلاق لمن اخذ بالساق) والزوجة صاحبة الحق في النفقة لان النفقة حق لها وواجب على الزوج فالقول قولها عند الاختلاف في وجود النفقة أو عدمها وزيادتها ونقصها، ولذلك وفي سبيل إثبات نفقة الزوجة، فان  الزوجة تصدق فيما تدعيه على زوجها بشأن النفقة، لكن هذا الأصل وهو القول قول الزوجة أصل يقبل إثبات عكسه فيستطيع الزوج إثبات خلاف ذلك الاصل، فضلاً عن ان هذا الأصل لا يتم العمل به مجرداً أي بمجرد قول الزوجة حيث يشترط غالبية الفقه ان تحلف الزوجة اليمين ويأخذ بهذا الرأي بعض القضاة في اليمن.

الوجه الثالث : نفقة الزوجة وقاعدة (الأصل العدم) :

 سبق القول أن العدم يعني عدم وجود الشى أصلاً ولذلك فانه من المستحيل تكليف  الشخص باثبات شى غير موجود لذلك فقد قرر الفقهاء   قاعدة (الأصل العدم) أو (الأصل في الصفات العرضية العدم) التي تعني انه يستحيل على الزوجة وان كانت المدعية أن تثبت العدم وهو عدم النفقة ولذلك يجب على الزوج مع أنه المدعى عليه  ان يثبت خلاف هذا الأصل  ،لان الأًصل هو عدم قيام الزوج بالنفقة على الزوجة، ولكن هذه القاعدة مثل سابقتها وان كانت تقرر هذا الأصل إلا أنه يجوز إثبات خلاف هذا الأصل فيستطيع الزوج ان يثبت خلاف هذه القاعدة أو الاصل، وتتاسس قاعدة (الأصل العدم) على أساس ان الشيء المدعى به لم يحصل أصلاً فيتعذر إثبات الشيء المعدوم الذي لم يحصل فعلى من يدعي حدوثه ان يقدم الدليل، فالزوجة عندما تدعي عدم الانفاق تكون متمسكة بالعدم الذي يتعذر عليها إثباته لعدم حصوله أصلاً فعلى الزوج الذي يدعي وجود المعدوم ان يقدم دليلاً عليه فان لم يقدم ذلك الدليل  ثبتت عليه النفقة بقاعدة (الأصل العدم) مثلما حصل في الحكم محل تعليقنا.

الوجه الرابع : وجوب مراعاة جانب الزوجة عند إثبات نفقتها :

الزوجة امرأة لا تملك الإمكانيات المالية والاجتماعية والاقتصادية والقانونية، لان الظروف الاجتماعية تحول دون إثبات حقوقها بالوسائل المعروفة فقنوات الإثبات والاتصال بالغير لإثبات حقوقها محدودة قياساً بالزوج، ولذلك ينبغي ان يستحضر القاضي هذه الاعتبارات عند اثبات نفقة الزوجة كما ينبغي على القاضي مراعاة هذه الاعتبارات عند تفسير نصوص وقواعد إثبات نفقة الزوجة، والله اعلم.