معنى ضم إلى ملكه مالاً في خيانة الأمانة

 

معنى ضم إلى ملكه مالاً في خيانة الأمانة

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

لا شك ان معالجة القانون اليمني لجريمة خيانة الأمانة كانت مجملة وغامضة، فهذا الاجمال أوجد إشكاليات كثيرة تظهر عند تطبيق القضاء  لنص المادة (318) عقوبات بشان جريمة خيانة الأمانة، ومن ذلك اشتراط النص (الضم إلى الملك) ومعنى هذا الضم  وما اذا كانت الجريمة تتحقق اذا قام الجاني بتسليم المال المودع لديه أو العهود به اليه تسليمه إلى الغير ...الخ، وقد تناول هذه المسألة الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 14/11/2017م في الطعن رقم (59644) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان أمين الصندوق في شركة خاصة اختلس مبلغا من المال الذي بعهدته وعند اكتشاف امره وظهور العجز ذهب إلى احد الصرافين الذي حرر شيكاً بالمبلغ باسم الشركة التي يعمل لديها امين الصندوق، وقد كان هذا الشيك بدون رصيد، وقد قام الصراف بسحبه بعد اكتشاف العجز لدى أمين الصندوق ،وعند التحقيق ومحاكمة أمين الصندوق أدعى انه لم يختلس المبلغ ولا تنطبق عليه جريمة خيانة الأمانة لانه لم يضم المال إلى ملكه لان ذلك المال في ذمة الصراف مقابل دولارات كان الصراف  سيدفعها لحساب الشركة، وعندما لم يستطع ذلك قام بتحرر الشيك، فتمسك صاحب الشركة بانه لم يأذن لامين الصندوق او يعلم  بتسليم المبلغ إلى  الصراف كما ان أمين الصندوق لا علاقة له بشراء الدولار لحساب الشركة، وقد توصلت المحكمة الابتدائية إلى ادانة أمين الصندوق بتهمة خيانة الامانة ومعاقبته بالحبس والزامه بدفع المبلغ، وبعد ذلك قضت الشعبة الجزائية بتأييد الحكم الابتدائي، فقام أمين الصندوق بالطعن بالنقض غير ان الدائرة الجزائية رفضت الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (فقد تبين للدائرة بان الطاعن ينعي على الحكم الاستئنافي انه قد خالف القانون حينما قضى بإدانته بجريمة خيانة الأمانة في حين انه مجرد وسيط بين الشركة والصراف، والدائرة تجد ان تلك المناعي لا تؤثر على ما توصل إليه الحكم، فتحرير الصراف لشيك بالمبلغ قد كان بعد اكتشاف الواقعة من اجل اخلاء مسئولية المتهم كما أنه لم يتم تحصيل مبلغ الشيك، ولذلك فمسئولية المتهم تظل قائمة بحكم وظيفته في الشركة فيجب الزامه بإعادة المبلغ المسلم اليه بصفته أمين الصندوق كما ان إضافته للمبلغ إلى ملكه متوفرة وبذلك تتحقق جريمة خيانة الأمانة كما هي معروفة في المادة (318) عقوبات) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : التجريم والعقاب لخيانة الأمانة في القانون اليمني والمصري :

نصت المادة (318) عقوبات يمني على انه (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات من ضم إلى ملكه مالاً منقولاً مملوكاً للغير سلم اليه بأي وجه) في حين تنص المادة (341) عقوبات مصري على انه (كل من اختلس أو استعمل أو بدد مبالغ أو امتعة أو بضائع أو نقود أو تذاكر أو كتابات أخرى مشتملة على تمسك أو مخالصة أو غير ذلك إضرارا بمالكيها أو اصحابها أو واضعي اليد عليها وكانت الاشياء المذكورة لم تسلم له إلا على وجه الوديعة أو الاجارة أو على سبيل عارية الاستعمال أو الرهن أو كانت سلمت له بصفة كونه وكيلاً بأجر أو مجاناً بقصد عرضها للبيع أو استعمالها في أمر معين لمنفعة المالك لها او غيره يحكم عليه بالحبس ويجوز ان يزاد عليه غرامة لا تتجاوز مائة جنيه مصري) ومن خلال المقارنة بين النصين اليمني والمصري نجد ان النص المصري اكثر وضوحاً وشمول وتفصيلا ولذلك فان القضاء والفقه في اليمن يسترشد بالنص المصري عند تطبيق جريمة خيانة الأمانة، ،لان النص المصري قد بين مكونات الركن المادي لجريمة الأمانة وكافة اركان وشروط واحكام جريمة خيانة الامانة، ولا شك ان نص القانون المصري كان حاضراً في ذهن القاضي اليمني الذي أصدر الحكم محل تعليقنا لان الجاني في القضية التي تناولها الحكم لم يضم المال إلى ملكه وإنما قال انه سلمه للصراف  لشراء دولارات للشركة.

الوجه الثاني : خطورة الإجمال في النص العقابي وتوصياتنا :

مع ان من خصائص القاعدة القانونية ان تكون عامة ومجردة إلا أن الإجمال أو الاغراق في العمومية والتجريد في النصوص العقابية له مخاطره الاكيدة ومن ذلك تناقض الاحكام وتفاوتها واختلاف التفسيرات التي تهدر مبدأ  الفصل بين السلطات، وتمكن السلطة القضائية من الافتيات على الوظيفة التشريعية المقررة في الدستور للسلطة التشريعية،ولذلك فان التنظيم القانوني لجريمة خيانة الأمانة في القانون اليمني يثير جدلاً واسعاً في اليمن ويسبب تناقض الأحكام والقرارات الصادرة في هذه الجريمة، ولذلك فإننا نوصي بإعادة صياغة المادة (318) عقوبات التي تناولت جريمة خيانة لإزالة الغموض والإجمال الذي يحيط بها من كل ناحية.

الوجه الثالث : معنى عبارة ضم المتهم للمال إلى ملكه الواردة في المادة (318) عقوبات :

المقصود بتلك العبارة وفقاً لما قضى به الحكم محل تعليقنا هو إخراج المال من مالكه من غير اذن المالك أو علمه وظهور المتهم المعهود بالمال إليه أو المؤتمن على المال ظهوره بعد الاخراج بمظهر  المالك لذلك المال،  فلا يتحقق ذلك إلا اذا اخرج المتهم  المال من سيطرة وقدرة مالك المال ،وبعد هذا الخروج يستوي ان يحتفظ المتهم بالمال في داره أو يودعه في  حسابه البنكي أو يقوم بشراء عقار أو منقول أو استثمار المال في مشروع أو تبديد المال أو اتلافه أو هبة المال للغير أو اعارته أو ايداعه عند شخص آخر، فلا يشترط ان يقوم الجاني بضم إلى ملكه  بالمفهوم الظاهري لنص المادة (318)عقوبات، ولذلك نجد ان الحكم محل تعليقنا قد قضى بإدانة المتهم بجريمة خيانة الأمانة مع انه قد ادعى بانه لم يضم المال إلى ملكه حقيقة وانما قام بتسليم المبلغ إلى الصراف لشراء دولارات للشركة، في حين ان شراء الدولارات ليس من مهامه الوظيفية، كما ان ادارة الشركة لم تكلفه بهذا العمل، ولذلك فقد تحققت في المتهم جريمة خيانة الامانة  بقيام المتهم بإخراج المال  من ملكية الشركة من غير اذن ولو لم يقم الجاني بضم المال حقيقة إلى ملكه وانما قام بتسليمه للغير، والله اعلم.



الأسعدي للطباعة ت : 772877717