حجية التقرير الطبي الصادر خارج الدولة

 

حجية التقرير الطبي الصادر خارج الدولة

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

تحدث لبعض الأشخاص إصابات في حوادث الخطأ قد تستدعي سفرهم للعلاج خارج اليمن بموجب تقارير طبية توكد إنه لاعلاج لاصاباتهم الا خارج الدولة، وعند سفر هولاء للعلاج خارج الدولة تقوم المستشفيات التي تعالجهم بإعداد  تقارير طبية تبين الاصابات التي لحقت بهم  والاثار المترتبة عليها، وقد تكون هذه التقارير محررة بغير اللغة العربية، ولا شك ان لهذه التقارير  خصوصية تميزها عن التقارير الطبية الصادرة داخل اليمن، ولذلك فإنها تحتاج إلى إجراءات للاستدلال بها امام القضاء اليمني حسبما قضى الحكم محل تعليقنا، وهو الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 24/4/2013م في الطعن رقم (46348) ،وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان الاطفال كانوا يرجمون بالحجارة احد الاشخاص إلى منزله فأراد تخويفهم بالبندقية ولكنها سقطت منه إلى الأرض فأنطلق منها مقذوف واحد اصاب رجل احد الاطفال الذي تم اسعافه إلى بريطانيا حيث خضع لعمليات زرع اعصاب في رجله المصابة وقد اصدر المستشفى البريطاني الذي كان يعالج فيه الطفل تقريراً طبياً باللغة الانجليزية تضمن الاصابات التي لحقت بالطفل وانه قد اصيب بعاهة مستديمة (عرج في الرجل اليسرى) وقد توصلت المحكمة الابتدائية إلى الحكم بإدانة المتهم وحبسه مدة ثمانية اشهر ومصادرة السلاح وتسليم مبلغ مائة وعشرين الف ريال إلى ولي الطفل المصاب ارش وعلاج، فقام والد الطفل باستئناف الحكم حيث قدم امام الشعبة تقريراً طبيا وارفق به فواتير وغيرها صادرة من ذلك  المستشفى استدل بها على ان نفقات العلاج في الخارج كبيرة جداً وان الطفل قد اصيب بعاهة مستديمة جراء إطلاق المتهم النار عليه وطلب الحكم له بالأرش الشرعي وفقاً لما ورد في التقرير الطبي الصادر من الخارج ومرفقاته حيث قضت الشعبة بتعديل مبلغ الأرش ومصاريف العلاج إلى مليون وسبعة وتسعون الف ريالاً ، فقام المتهم بالطعن بالنقض في الحكم، فقبلت الدائرة الجزائية الطعن ونقضت الحكم، وقد ورد ضمن اسباب حكم المحكمة العليا (اما من حيث الموضوع : فان ما نعاه الطاعن من مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون عندما اعتمد على التقرير الطبي البريطاني فان هذا النعي في  محله لان المحكمة مصدرة الحكم المطعون فيه استندت في حكمها بتعديل الأرش على تقرير طبي صادر من خارج الجمهورية، فلم تتأكد المحكمة من  صحته وإنما اكتفت بالترجمة له فقط سيما ان التقرير الطبي الذي اعتمدت عليه غير مستوف التصديقات القانونية اللازمة لاعتماده من جانب ومن جانب آخر لم تتحقق المحكمة من حالة المجني عليه الصحية عند اصابته وهل كانت تستدعي علاجه خارج الجمهورية ام لا كما انها لم تتحقق من الحالة   الصحية الحالية للمجني عليه الذي لا زال يتلقى العلاج في بريطانيا) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : ندب المحكمة او تكليفها للخبير بإعداد تقرير طبي :

الأصل ان المحكمة هي التي تقوم بندب او تكليف الخبير الذي يتولى تحديد نوع الاصابة وسببها وتأثيرها على المجني عليه، باعتبار ان هذه المسألة من المسائل الطبية الفنية الدقيقة التي لا يستقل القاضي بتقديرها ،ولذلك فهي من اعمال الخبرة الطبية وفقاً لقانون الإثبات، وبموجب ذلك فان الأصل أن تقوم محكمة الموضوع بندب أو تكليف الخبير بالقيام بالمهمة وبيان مهمته ،إلا أن غالبية الاصابات إن لم تكن جميعها تحتاج إلى سرعة إسعاف المصاب وتدخل طبي أو جراحي عاجل وعند ذلك يقوم الاطباء المعالجون بإعداد تقرير طبي يتضمن اسم المريض وعمره وعمله وساعة وتاريخ إسعافه إلى المستشفى والإصابات التي يعاني منها وسببها وبيانات الإصابات من حيث مدخل الطلقة ومخرجها وطول الجرح وعمقه ...الخ وبيان الإجراءات الطبية والعلاجية التي قام بها المستشفى، ونخلص من هذا الوجه إلى القول : بان غالبية التقارير الطبية عن الإصابات التي لحقت بالمجني عليهم تصدر عند اسعاف المصابين إلى المستشفيات وليس بناء على تكليف أو ندب من القاضي، وهذه المسألة ينبغي ان تكون حاضرة في ذهن القاضي قبل الحكم.

الوجه الثاني : تكييف التقرير الطبي المبين الإصابات والجراحات التي لحقت المجني عليه :

اشرنا فيما سبق بان التقرير الطبي المتضمن نوع الإصابات وطول الجرح وعرضه وعمقه ...الخ يعد نتاج اعمال الخبرة الطبية، وتبعاً لذلك فان احكام  الخبرة المقررة في قانون الإثبات تسري على التقرير الطبي من حيث ان التقرير لا يكون ملزما للقاضي في هذه الحالة باعتبار القاضي  خبير الخبراء فله ان يأخذ بما ورد في التقرير وله ان لا يأخذ به ،كما يجوز للخصوم ابداء ملاحظاتهم على التقرير لما لذلك من اهمية في ترشيد وتصويب اعمال الخبرة مثلما حصل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا، غير ان التقرير اذا كان صادراً من مستشفى حكومي متخصص فان  مرتبته  في الدلالة تكون اعلى من تلك التقارير الصادرة من المستشفيات الخاصة باعتبار التقرير الطبي الصادر عن المستشفى الحكومي وان كان من اعمال الخبرة التي يحق للخصوم ابداء ملاحظاتهم بشأنه ويحق للمحكمة ان تأخذ به أو تطرحه إلا ان التقرير في هذه الحالة يكون بمثابة محررا رسمياً صادرا من موظفين عموميين مختصين يتبعون الجهة المختصة قانوناً بإصدار مثل هذه التقارير،ولذلك يكون التقريرىفي هذه الحالة محرراً رسمياً له حجيته الثبوتية وفقاً لقانون الإثبات.

الوجه الثالث : اختيار المستشفى الذي يعد التقرير الطبي :

في حالات نادرة جداً يستطيع القاضي بداية ان يحدد ذلك المستشفى  حيث أنه في غالبية الحالات تكون ظروف الواقعة او الحادث  هي التي تحتم اسعاف المجني عليه إلى المستشفى القريب من مكان الحادثة الذي يقوم بإسعاف المصاب والوقوف على الإصابات التي لحقت به، وطبعاً هذا الأمر في الحالات الإسعافية ولغرض الإسعاف لوقف تدهور حالة المصاب، اما بعد ذلك فان هناك متسع امام النيابة والقاضي في إختيار المستشفى الذي يحدد نوع الاصابة وبياناتها، ففي هذه المرحلة ينبغي إحالة المصاب إلى مستشفى حكومي متخصص لإعداد التقرير الطبي المتضمن البيانات السابق ذكرها.

الوجه الرابع : حجية التقارير الطبية الصادرة عن المراكز والمستشفيات الخاصة:

سبق القول ان ظروف الحوادث تستدعي اللجوء إلى اقرب مركز او مستشفى لمعالجة المصاب، وفي الغالب يكون المركز او المستشفى من المستشفيات الخاصة الذي يعد التقرير الطبي عن الإصابات التي قام بعلاجها او اسعاف المصاب بها، طبعاً هذه التقارير لم يتم اعدادها بموجب ندب من النيابة أو القضاء كما انها ليست محررات رسمية صادرة من موظفين رسميين مختصين في مستشفى حكومي، ولذلك فان هذه التقارير تكون بمثابة محررات عرفية فان لم يتم الاعتراض عليها فان القاضي يعمل بموجبها وان اعترض عليها الخصوم فعندئذ يتم عرض التقرير والاعتراضات عليه على المستشفى الحكومي.

الوجه الخامس : تحديد إمكانية العلاج خارج اليمن او في مستشفى بعينه داخل اليمن :

اشار الحكم محل تعليقنا إلى انه كان ينبغي على محكمة الموضوع ان تستند الى  إفادة طبية أو تقرير يبين ما اذا كان المصاب يحتاج فعلا إلى العلاج في بريطانيا بسبب عدم توفر الإمكانيات في مستشفيات اليمن، حتى لا يتعسف المصاب أو اهله في استعمال  الحق في العلاج، لان الواقع العملي يشهد انه في حالات كثيرة يتعسف  المصابون او اهليهم في استعمال الحق في علاج المصابين حيث يقررون من تلقاء انفسهم  السفر  للعلاج خارج الوطن او في مستشفى باهض التكاليف داخل اليمن، ولذلك فان قرار علاج المصاب خارج الوطن او في مستشفى بعينه في اليمن يخضع لرقابة القضاء حسبما قضى به الحكم محل تعليقنا(اوجه الطعن في التقارير الطبية،جمال الدين جمعة،ص101)

الوجه السادس : إشكالية تحديد الإصابات الحالية في المصاب ومدى سرايتها في المستقبل :

اشار الحكم محل تعليقنا إلى انه كان يجب على محكمة الموضوع الوقوف على الحالة الصحية الراهنة للمصاب والتأكد من سراية الإصابة، فالمقصود بالسراية انتقال الإصابة من العضو المصاب إلى غيره أو زيادة الاصابة أو زيادة تأثيرها مستقبلا أو تاثيرها على حالة المصاب الصحية في المستقبل ، وهذا قضاء سديد من قبل الحكم محل تعليقنا، إلا أن هناك إشكالية في هذا الشان، حيث أن احكام الشرع والقانون توجب على القاضي الإنتظار  وعدم الحكم بعلاج الإصابات وارشها حتى تبرى تماماً مع ان ذلك قد يستغرق  سنوات والمصاب يحتاج إلى العلاج والأرش ، ولذلك فقد سبق لنا التعليق على هذه المسالة تفصيلا بعنوان (إشكالية الحكم عند السراية في الجراح والاصابات) حيث اوضحنا فيه ان المحكمة العليا في اليمن قد اجتهدت اجتهاداً صائباً وذلك بجواز الحكم على الجاني بدفع مصاريف العلاج وأرش الإصابات الثابتة الظاهرة المنضبطة من قبل محكمة الموضوع وفي الوقت ذاته الحكم  على أن يتحمل الجاني نفقات واروش ماقد تسري اليه  الاصابات في المستقبل،ً وهذا القضاء من قبيل الاستثناء من قاعدة عدم جواز تعليق الاحكام وإرجائها، لان الضرورة قد استدعت ذلك في هذه المسالة.

الوجه السابع : حجية التقرير الطبي الصادر من الخارج :

تناول الحكم محل تعليقنا هذه المسألة تفصيلاً حيث ارشد الحكم إلى انه كانت تجب المصادقة على التقرير من السفارة اليمنية في لندن ومن وزارة الخارجية اليمنية، كما كان ينبغي ترجمة التقرير إلى العربية ترجمة معتمدة، ومن وجهة نظرنا فانه كان ينبغي أيضاً عرض التقرير على المستشفى الحكومي المتخصص كمستشفى الثورة العام بصنعاء للإطلاع على التقرير الطبي باللغة الانجليزية وترجمته إلى العربية للإفادة من قبل المستشفى عن مدى سلامة التقرير وسلامة الترجمة أو على الأقل تعميده علما بأن شركات القطاع الخاص لاتنفذ اي تقرير طبي الا بعد مصادقته أو اعتماده من قبل المستشفى الذي تتعاقد معه وكذلك الحال في شركات التامين الصحي ، حيث تتم المصادقة على كافة التقارير الطبية من قبل المستشفبات المتعاقدة معها بغرض التحقق من عدم وجود اي تلاعب في بيانات التقرير الطبي، والله اعلم.