الإقرار بحق الوارث لا يكون وصية
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
اختلاط بعض التصرفات في أذهان المعنيين يؤدي الى كثرة النزاعات
والخلافات وإطالة إجراءاتها وإثارة الضغائن والأحقاد بين الورثة، ومن أكثر
التصرفات التي تختلط في الأذهان إقرار المورث لأحد الورثة أو بعضهم بحق في ذمة
المورث، حيث يتم التعامل مع هذا التصرف على انه وصية لوارث في حين انه إقرار من
المورث بحق للوارث متعلق بذمة المورث يريد المورث بهذا الإقرار براءة ذمته، كما ان
هذا التصرف قد ينطوي في بعض الاحيان على حيلة على الورثة الاخرين، ولأهمية هذا
الموضوع وكثرة الاحتياج اليه اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية
بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 30/1/2012م في الطعن الشخصي رقم (43792) لسنة
1432هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان احد الأشخاص استدعى الأمين
الشرعي المختص، حيث اقر امامه صراحة وطواعية واختياراً باستحقاقات أولاده الذكور
من السعي والشقية وحدد في محرر الإقرار ما يستحقه كل واحد منهما باعتبار ذلك حقاً
بذمته لكل واحد من أولاده الذين اقر لهم بحقوقهم لديه وذكر ان الدافع على ذلك هو
براءة ذمته لان كل الأموال والحقوق مسجلة باسمه وللتأكيد على صدور هذا الإقرار من
المقر فقد قام بتوثيقه والمصادقة عليه امام قلم التوثيق في المحكمة المختصة، وبعد
وفاة هذا الشخص صاحب الإقرار اختلف ورثته فيما بينهم بشأن نسب السعي التي أقر بها
والدهم اثناء حياته، حيث نازع بعض الورثة في ذلك وقدموا دعوى إمام المحكمة المختصة
طلبوا فيها قسمة تركة والدهم بحسب الأنصبة الشرعية وادعوا ان محرر الإقرار الصادر
عن والدهم ماهو الا من قبيل الوصيةاو الهبة لوارث، وبعد ان نظرت المحكمة
الابتدائية في القضية توصلت الى الحكم بصحة محرر الإقرار المشار اليه، وقد ورد ضمن
أساب الحكم الابتدائي (فعند التأمل في المحرر بشأن استحقاق السعي فقد تبين حضور
المورث وتحديده لما يستحقه ابناءه من سعي حيث حدد ما يستحقه كل منهم للفترة
الماضية محدداً اسماء السعاة وسنوات السعي
والمبالغ المستحقة كما حدد توزيع الإرباح بالأسهم لجميع أولاده الشركاء وقد تم
تحرير ذلك المحرر بقلم الأمين الشرعي المختص كما تضمن المحرر ما يفيد حضور المورث
الى قلم التوثيق وإقراره بما تضمنه ذلك المحرر ومصادقة المحكمة عليه ولهذا فلا يعد
هذا المحرر من قبيل الوصية أو الهبة للوارث ولهذا فقد تبين عدم صحة القول بان ذلك
المحرر من قبيل الوصية أو الهبة فذلك مردود عليه بما تضمنه المحرر، لان الإقرار
بالاستحقاق لا يخضع لإجازة الورثة كونه لا يعد من عقود التبرع وانما يندرج ضمن
الحقوق في ذمه المورث لبعض ورثته ولهذا ترى المحكمة ان هذا التكييف للمحرر هو أقرب
للصواب فاقرار المورث بحقوق الورثة أو غيرهم حجة وبالتالي فان الأمر يقتضي
الالتزام بما تضمنه ذلك المحرر من حقوق
ونسب وأرباح وتجنيبها عن تركة المورث المطلوب قسمتها) فلم يقبل المنازعون بصحة المحرر
بالحكم الابتدائي فقاموا باستئنافه إلا ان محكمة الاستئناف قضت بتأييد الحكم
الابتدائي، حيث ورد ضمن أسباب الحكم الاستئنافي ( ومن خلال الاطلاع على المحرر
يظهر ان المورث صاحب المحرر قد اصبغ عليه الصفة الرسمية وذلك بحضوره الى المحكمة
المختصة وإقراره بصحة ما تضمنه ذلك المحرر وحيث انه من المعلوم شرعاً وقانوناً ان
المحررات الرسمية حجة بما جاء فيها طبقاً لنص المادة (100) إثبات فانه لا يجوز
للوارث ان ينكر ما اقر به مورثه وتم تنفيذه والعمل بموجبه في اثناء حياة المورث
فالإقرار ملزم للمقر وفقاً للمادتين (87 ،96) إثبات) فلم يقبل المنازعون بصحة
المحرر لم يقبلوا بالحكم الاستئنافي، حيث قاموا بالطعن فيه بالنقض الا ان الدائرة
الشخصية رفضت الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي؛ وقد ورد ضمن اسباب حكم المحكمة العليا
( اما من حيث الموضوع فقد ناقشت الدائرة أسباب الطعن فتبين لها ان ما ينعيه
الطاعنون على الحكم الاستئنافي ماهي الا اقوال مرسلة إذ ان الحكم المطعون فيه قد
ناقش تلك المناعي مناقشة مستفيضة وفقاً للقانون حسبما ورد في أسبابه ولذلك فان
الحكم الاستئنافي قد جاء موافقاً للقانون) وسيكون تعليقنا بحسب الأوجه الاتية :
الوجه الأول : ماهية الإقرار وحجيته :
الإقرار هو عبارة عن (اخبار الإنسان شفاهة أو
كتابة عن ثبوت حق لغيره على نفسه) حسبما ورد في نص المادة (78) إثبات ويشترط في
الشيء الذي يقر به الإنسان ان لا يكون مستحيلاً عقلاً أو قانوناً حسبما ورد في
المادة (82) إثبات، والإقرار حجة قاطعة على المقر حسبما ورد في المادة (87) إثبات
ويترتب على توثيق الإقرار الكتابي ان يعد الاقرار محررا رسمياً له حجية المحررات
الرسمية وفقاً للمادة (31) توثيق التي نصت على ان (تكون للمحررات الموثقة من قبل
الموثق حجية المحررات الرسمية مالم يثبت تزويرها أو بطلانها بالطرق القانونية)
وتقرر المادة (100) إثبات حجية الإقرار الوارد ضمن المحرر الموثق حيث تنص على ان
(المحررات الرسمية حجة بما جاء فيها من أمور قام بها محررها في حدود مهمته الرسمية
أو وقعت من ذوي الشأن في حضوره أو قام بالمصادقة على توقيعاتهم عليها في حضورهم
مالم يتبين تزويرها بالطرق المقررة قانوناً) ومن خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا
نجد ان المحرر محل الخلاف بين الورثة قد تضمن اقرار المورث اثناء حياته بما يستحقه
بعض الورثة من مقابل سعيهم وقد تم توثيق هذا الإقرار فصار محرراً رسمياً له حجيته
الثبوتية بحسب النصوص القانونية السابقة ، وان كانت حجية هذا الاقرار قاصرة على المقر إلا انها تكون حجة على ورثته
من بعده ولذلك حدث النزاع بين ورثة المقر الذين حاول بعضهم نقض هذا الإقرار
ومحاولة تكييفه على انه اما ان يكون هبة من المورث الى الوارث في اثناء حياة
المورث أو وصية من المورث الى الوارث بعد وفاة المورث.
الوجه الثاني : صيغة إقرار المورث على هيئة وصية لما بعد الموت:
اغلب الوصايا ان لم تكن كلها تتضمن اقرار
المورث في اثناء حياته بالحقوق والالتزامات المستحقة للغير بذمته بما في ذلك حقوق
بعض الورثة وكذا تتضمن تدوين حقوق الموصي لدى الغير كما تتضمن هذه الوصايا تخصيص
بعض أموال المورث كأوقاف أو صدقات أو نذور أو غير ذلك، وعلى ذلك فان هذه الوصايا
خليط من التصرفات التي يثبتها المورث في مسمى (الوصية) المعروف في اليمن، وتبعاً
فان لكل تصرف من هذه التصرفات التي يجمعها المورث في متن (الوصية) كل تصرف منها له
حكمه الشرعي فالإقرار له حكمه السابق بيانه في الوجه السابق، ولذلك نجد بعض الورثة
في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا قد فهموا على ان اقرار مورثهم يعد وصية
من بعد وفاة مورثهم.
الوجه الثالث : الفرق بين اقرار المورث بحق الوارث والهبة أو الوصية لوارث :
من خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا نجد ان
أساس الخلاف بين الورثة هو اختلاط مفهوم اقرار المورث بالحق الشرعي والقانوني
لوارثه وبين الهبة أو الوصية لوارث، وهذا يستدعي بيان الفروق بين هذه التصرفات،
حيث يظهر الفرق فيما بين الاقرار بحق الوارث والهبة في ان الهبة للوارث تكون في
اثناء حياة المورث من غير عوض أي من غير ان يقوم الوارث بأي عمل أو خدمة أو منفعة
ومن غير ان يقدم مالاً عوضاً للشيء الموهوب له اما اقرار المورث بحق الوارث فهو
تصرف لازم للمورث وحجة عليه في اثناء حياته وعلى ورثته من بعده كما ان الحق المقر
به ليس هبة لأنه ليس تبرعاً من المورث للوارث وانما حق للوارث بذمة مورثه اما نظير
عمل قام به الوارث أو جهد بذله أو مال دفعه أو منفعة قدمها أو خدمة بذلها فذلك حق
للوارث طبقاً لأحكام الشريعة والقانون في ذمة المورث، ومن ناحية ثانية يمكن أيضاً
تحديد الفرق بين الوصية لوارث واقرار المورث بحق الوارث بالقول : ان الوصية لوارث
تكون تصرف من المورث لما بعد موته وتصدر من المورث من غير عوض قدمه الوارث الموصي
له في حين اقرار المورث بحق الوارث يكون اقرار بحق قز استقر في ذمة المورث المقر
استحقه الوارث وفقاً لأحكام الشريعة والقانون كأن يكون ديناً في ذمة المورث أو
أجرة عمل أو منفعة أو خدمة أو سعي قام به الوارث لحساب المورث في اثناء حياته.
الوجه الرابع : تحديد المورث لسعي الورثة في اثناء حياته :
من خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا نجد انه قد
اقر المحرر الصادر عن المورث الذي تضمن تحديد نسب السعي والارباح التي يستحقها
الورثة الذين عملوا معه في تجارته مع ان الورثة اختلفوا من بعده على نسب السعي
والارباح التي حددها مورثهم في إقراره بصورة متفاوتة بحسب سعي كل وارث وجهده
والعائد المتحقق من سعيه وعدد السنوات التي عمل فيها لتنمية تجارة والده مورث
الجميع، فقد اعتمد الحكم تحديد المورث نسب وارباح سعي الورثة لان ذلك بمثابة اقرار
في محرر رسمي ولان هذا الاقرار صادر من صاحب العمل الذي تم سعي الورثة بنظره
ومعرفته ولحسابه حيث وقف على الاعمال والأنشطة والجهود التي بذلها كل وارث في سبيل
تنمية تجارة والده والعائد الذي تحقق بالفعل من سعي كل واحد من الورثة، فالوالد
المورث صاحب العمل هو خبير الخبراء في تقدير السعي وما يستحقه كل واحد من الورثة
الذين سعوا مع أبيهم؛ والله اعلم.