تنفيذ الاعدام بالرصاص في القانون اليمني
أ.د / عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
تنفيذ
عقوبةالاعدام رمياً بالرصاص من وسائل التنفيذ المشددة حيث يتم استعمال هذه الوسيلة
في إعدام المحكوم عليهم العسكريين في الجرائم العسكرية، وقد انفرد القانون اليمني
في تقرير هذه الوسيلة لتنفيذ عقوبة الإعدام في كل الجرائم وفي كل المحكوم عليهم
مدنين وعسكريين، وبموجب ذلك تقضي الأحكام القضائية في منطوقها بتنفيذ عقوبة
الإعدام رمياً بالرصاص حتى الموت حسبما يرد في منطوق الحكم بالاعدام ، وفي اثناء دراستي للدكتوراة وتحديداً عام
1993م كان أحد أبواب رسالتي وسائل تنفيذ عقوبة الإعدام في الشريعة والقانون حيث
تمكنت من البحث المعمق والدراسة الدقيقة في هذا الموضوع حيث توصلت في ذلك الوقت
إلى أن الشريعة والقانون لا تحدد وسيلة معينة لتنفيذ عقوبة الاعدام وإنما تقرر شروط وضوابط ينبغي مراعاتها في
وسيلة أو آلة تنفيذ الإعدام وهي سرعة الاستيفاء وعدم تعذيب المحكوم عليه أو
التمثيل به (عقوبة الإعدام، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين ، ص125) وعندما شارفت على
الانتهاء من رسالتي صدر قانون الإجراءات الجزائية 1994م الذي قرر صراحة إعتماد وسيلة الضرب
بالسيف والرمي بالرصاص حتى الموت في تنفيذ عقوبة الإعدام، وقد اشرت الى ذلك في
رسالتي وبينت فيها عيوب ومثالب وسيلة الإعدام رمياً بالرصاص ، ولا ريب أن لهذا
الموضوع أهمية بالغة وجانب ديني واخلاقي لاسيما وكافة أحكام الاعدام تقضي في
المنطوق بان يتم تنفيذ العقوبة رمياً بالرصاص حتى الموت ومنها الحكم محل تعليقنا
وهو الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ
12/4/2011م في الطعن الجزائي رقم (40444) لسنة 1431هـ وتتلخص وقائع القضية التي
تناولها هذا الحكم أن شخصين قاما باستدراج المجني عليه الى مكان مهجور غير ماهول
حيث قاما بخنقه عن طريق حبل شد كل واحد منهما بطرف من الحبل حتى مات المجني عليه
مخنوقا،ً وقد كانت هذه الجريمة ثابتة باعتراف المتهمين أمام النيابة ومحكمة أول
درجة التي قضت بإعدامهما باعتبارهما فاعلين لفعل القتل فقد وقع القتل بفعلهما ، وبعد النطق بالحكم الابتدائي
قام المتهمان باستئناف الحكم الابتدائي،
وامام الشعبة الجزائية أدعى احد المتهمين
بأنه لم يكمل سن الثامنة عشرة من عمره عند إرتكابه للفعل حيث تم الكشف
بالأشعة السينية على اطرافه بعد مضي سبع سنوات على إرتكابه للجريمة، وقد خلص تقرير
الطبيب الى القول : بأن سن المتهم عند فحصه اثنين وعشرين سنة مما يعني أن سنه عند
إرتكابه للقتل كانت خمس عشرة سنة، وبناءً على ذلك قضت الشعبة الاستئنافية بإعدام
المتهم البالغ رمياً بالرصاص حتى الموت وسجن المتهم الثاني لم يتم سن الثامنة عشرة
حبسه مدة خمس عشرة سنة، فقام المتهم
المحكوم عليه بالإعدام بالطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي، إلا أن الدائرة
الجزائية رفضت الطعن واقرت الحكم بإعدامه رمياً بالرصاص حتى الموت لثبوت تهمة
القتل العمد المسندة له، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه
الاتية :
الوجه الأول : وسيلة تنفيذ عقوبة الإعدام في القانون اليمني وتوصيتنا للمقنن اليمني باعتماد وسيلة الشنق :
تنص
المادة (485) إجراءات على أن (تنفذ عقوبة الإعدام بقطع رقبة المحكوم عليه بالسيف
أو رمياً بالرصاص حتى الموت بدون تمثيل أو تعذيب) ومن خلال استقراء هذا النص نجد
أنه حدد وسيلتين حصريتين لتنفيذ عقوبة الإعدام وهما قطع رقبة المحكوم عليه
بالإعدام أو رميه بالرصاص حتى الموت، وهذا
يعني عدم جواز استعمال أية وسيلة أخرى لتنفيذ العقوبة غير الوسيلتين المشار اليهما
كما نلاحظ أن النص قد اشترط عند التنفيذ عن طريق الوسيلتين المشار اليهما عدم جواز تعذيب المحكوم المحكوم عليه بالإعدام
أو التمثيل به، وسوف نشير إلى الوسيلتين المشار اليهما وضوابط التنفيذ على النحو
الأتي :
1- وسيلة تنفيذ عقوبة
الاعدام بالسيف : تنفيذ العقوبة بهذه الطريقةيتم عن طريق الضرب بسيف حاد على خلف
الراس لأن الحبل الشوكي الذي ينقل الشعور
بالالم والاحساس به إلى النخاع الشوكي يتم
قطعه مباشرة بمجرد الضرب بالسيف لان الحبل
الشوكى يقع تحت جلد الرقبة بعمق 2 ملم
فاذا تم قطع هذا الحبل فان المحكوم عليه بالإعدام لا يشعر ولايحس بأي الم بعد ذلك وان تشحط وتخبط، فاذا كان
السيف حاداً وباتراً فيستطيع الوصول إلى الحبل الشوكي بمجرد الضرب بالسيف
،ولذلك فان المحكوم عليه يموت خلال مدة
تتراوح ما بين 7-11 ثانية، ومع أن هذه الوسيلة مريحة للمحكوم عليه بالإعدام إلا
أنها مؤذية لمشاعر المشاهدين الذين يشاهدوا عملية الإعدام من خلال المناظرالمرعبة
للإعدام وتخبط واضطراب الراس والجثة المقطوعين (عقوبة الإعدام، أ.د. عبد المؤمن
شجاع الدين، ص137) وهناك دراسات حديثة تؤكد أن الشخص المعدوم يتألم حتى بعد قطع
رقبته سواء بالسيف او بالمقصلة لمدة 10 دقائق بحسب دراسة اجريت على الفئران 2020م.
2- تنفيذ الإعدام عن
طريق الرمي بالرصاص : وهي الوسيلة الثانية لتنفيذ عقوبة الإعدام في اليمن، وهي
الوسيلة التي تتضمنها أحكام القضايا بالإعدام مثلما ورد في الحكم محل تعليقنا
(إعدام المدان رمياً بالرصاص حتى الموت) حيث يقوم الطبيب المختص بفحص المحكوم عليه
للتأكد من موضوع قلبه بالضبط وبعد ذلك يقوم بتحديد موضع القلب بخط دائري ثم يتم
فحص البندقية للتأكد من صلاحيتها ثم يتم فحص عدد الطلقات التي تكون ما بين 9-12
طلقة يتم اطلاقها في قلب الدائرة عن قرب من المجني عليه الذي يتم وضعه على بطنه
مكتوف اليدين على أرض رخوة (نيس) ثم يتم اطلاق النار عليه وبعد ذلك يتم فحصه للتأكد من موته ثم يتم تسليم جثته إلى
أهله لدفنها من غير احتفال، ومع أن الطلقات تصيب قلب المحكوم عليه إلا أن الدم
الموجود في الدماغ يجعل المحكوم عليه بالإعدام يشعر بعد إطلاق النار على قلبه
واتلافه يشعر بكل ما حوله بحسب كمية الدم الموجودة في الدماغ وبحسب نشاط القلب قبل
إطلاق الرصاص لان الدماغ يموت بعد موت القلب، فقد ذهبت الدراسات إلى أن الشخص
المحكوم عليه يظل على قيد الحياة بعد اطلاق النار والقضاء على قلبه لمدة تتراوح ما
بين 15-45 دقيقة، ولأن عقل ودماغ المحكوم عليه يظل عاملاً بعد القضاء على القلب
طوال تلك الفترة فانه يشعر بالام لا حدود لها (عقوبة الإعدام، د.عبدالمؤمن شجاع
الدين، ص12) بالإضافة إلى الرعب والصدمات النفسية التي تلحق بالحاضرين عند تنفيذ
عقوبة الإعدام بهذه الوسيلة ،فقد اخبرني أحد القضاة بأنه بصفته القضائية حضر تنفيذ
عملية إعدام أحد المدانين قبل 12 سنة ومنذ ذلك الحين فانه لا يطيق النظر إلى
اللحوم فما بالحكم بتناولها، واخر كان وزيراً للدفاع اخبرني بأنه اراد التوسط لدى
أولياء للعفو ومحاولة حثهم على التنازل عن التنفيذ فأصروا على التنفيذ بحضرته فقال
: بأن صراخ المحكوم عليه عند اطلاق النار عليه لا زال يتردد في اذنه حتى الان مع
أنه رجل عسكري محترف.
3- من ضوابط وشروط الة
تنفيذ عقوبة الاعدام عدم تعذيب المحكوم
عليه عند تنفيذ عقوبة الإعدام : فقد أمر الله سبحانه وتعالى بإحسان القتلة وكتب
الله الاحسان في كل شيء، وقد قرر النص
القانوني السابق عدم جواز تعذيب المحكوم عليه عند استيفاء العقوبة، ويتم تعذيب المحكوم عليه عندما تكون آلة
التنفيذ غير صالحة للتنفيذ بيسر وسهولة أو ان
يقوم أولياء الدم بالاتصال بالشخص
الذي يتولى التنفيذ حيث يقومون برشوته حتى يتعمد تعذيب المحكوم عليه، وقد حصل هذا
بالفعل في بعض الحالات، كما أن المقصود بالتعذيب هو إطالة الفترة ما بين التنفيذ
والموت الفعلي للمحكوم عليه، وقد لاحظنا أن هذه الفترة بالنسبة للرمي بالرصاص
طويلة نسبياً مقارنة بغيرها من الوسائل.
الوجه الثاني : موقف الشريعة الاسلامية من وسائل تنفيذ عقوبة الإعدام :
أذنت
الشريعة الإسلامية بإعدام المحكوم عليه أي إزهاق روحه فأي وسيلة تحقق هذه الغاية
من غير تعذيب أو تمثيل وتؤدي إلى إزهاق
روحه بسرعة فهي جائزة، فالشريعة الإسلامية عندما حددت السيف لتنفيذ عقوبة الإعدام
كانت تنظر إلى السيف على أنه آلة القتل الاسرع في ذلك الوقت فاذا وجدت وسيلة إعدام
اسرع واسهل واقل الما من السيفً ولا تتضمن تعذيب المحكوم عليه أو التمثيل به فهي
جائزة بدلالة الحديث الذي اخرجه الترمذي برقم (317) وفيه
أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (ان الله عز وجل كتب الإحسان على
كل شيء فاذا قتلتم فأحسنوا القتلة واذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة ( التشريع الجنائي
الإسلامي، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين ص195).
الوجه الثالث : وسائل الإعدام المعمول بها في الوقت المعاصر في الدول المختلفة :
ذكرنا
فيما سبق ان الشريعة الإسلامية لم تحدد وسيلة بعينها لتنفيذ عقوبة الإعدام وإنما
قررت ضوابط وشروط في آلة التنفيذ مثل ان تكون سريعة لا يترتب على استعمالها تعذيب
المحكوم عليه أو التمثيل به، وذكرنا كذلك ان الإعدام عن طريق الرمي بالرصاص لا
تتوفر فيه هذه الضوابط المقررة شرعاً وقانوناً، ولذلك فسوف نشير في هذا الوجه
بإيجاز إلى وسائل تنفيذ العقوبة في الدول المختلفة كما ياتي :
1- الإعدام شنقاً : حيث
يتم القاء المحكوم عليه وهو موثق اليدين
والرجلين ، فيتم ادخال راسه في عقدة حبل المشنقة ثم يتم قذفه إلى هاوية بحسب وزنه
حيث يترتب على ذلك فك رقبته وإنقطاع الحبل الشوكي الذي ينقل الإحساس والشعور
بالالم وينقطع تنفس المحكوم عليه فيموت خلال مدة تتراوح مابين 7-15 ثانية، وهذه
الطريقة مثل السيف، فهي الطريقة الشائعة والمتبعة في غالبية الدول بنسبة تصل إلى
أكثر من 90% وعيب هذه الوسيلة هي الاثار المرعبة التي تحدث للمحكوم بعد شنقه مثل
جحوظ العينين وبروزهما وخروج لسان المحكوم عليه مما يثير الرعب لدى المشاهدين و
لكن يتم تجاوز هذه المسألة عن طريق تغطية
رأس المحكوم عليه بكيس اسود كما تكون الهاوية التي يهوى اليها محجوبة لايراه احد ،
ونحن نوصي المشرع اليمني بالأخذ بهذه الوسيلة، لان هناك دراسة حديثة تذهب إلى
ان ضغط الدم لدى المحكوم عليه ينزل في
الثانية الأولى إلى صفر فلا يشعر المحكوم عليه بأي الم.
2- الكرسي الكهربائي :
حيث يتم ربط المحكوم عليه إلى الكرسي ويتم صعقه بالتيار الكهربي، وهذه الطريقة بشعة تخالف الشريعة الإسلامية التي
ترفض القتل بالنار عملاً بحديث (لا يقتل بالنار الا رب النار) وقد كانت هذه
الوسيلة تستعمل في بعض الولايات الأمريكية.
3- الإعدام بالغاز السام
: وهذه الطريقة غير مؤلمة لأن المحكوم عليه لا يدرك نقص الاكسجين الذي يستنشقه، وتأخذ بهذه الوسيلة
ثلاث ولايات أمريكية، إلا أن عيب هذه الطريقة أن المحكوم عليه قد يحبس انفاسه فلا
يستنشق الغاز السام فعندئذ تطول مدة تعذيبه على قدر الفترة التي حبس فيها انفاسه.
4- حقن المحكوم عليه
بحقنة سامة : وهي وسيلة الإعدام الشائعة في الولايات المتحدة وبعض الدول حيث يتم
حقن المحكوم عليه في الوريد بحقنة سامة يتم وصولها إلى القلب بسرعة وتتركب هذه
الحقنة من مصل سام بالإضافة إلى مادة مهدئة بغرض احتواء الآم ومضاعفات انتشار السم
في الجسم حيث يموت المحكوم عليه بهذه الطريقة
خلال مدة اقصاها 15 ثانية، إلا أن
هنالك دراسات حديثة 2019م تدل على أن المحكوم عليهم الشبان أو اقوياء البنية
يحتاجون إلى أكثر من حقنة مما يتسبب في زيادة الآمهم ومعاناتهم قبل موتهم، والله اعلم.