سريان قانون العمل على العمال بالاجر اليومي

 

سريان قانون العمل على العمال بالاجر اليومي

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

العمال بالأجر اليومي شريحة واسعة في المجتمع اليمني لم ينظمها القانون فلم يحدد حقوق هؤلاء أو واجباتهم، وفي احيان كثيرة لا يكون عمل هؤلاء يومياً ينتهي بانتهاء اليوم ويتقاضي العامل اجرة بل يمتد هذا العمل إلى سنوات والعامل يؤدي عمله المعتاد ويتقاضي نظير ذلك أجراً يوميا؛ً بل ان الدولة والشركات تستعمل عمالاً لسنوات طويلة بالأجر اليومي، والقيمة العلمية والعملية للحكم محل تعليقنا انه تناول مدى سريان قانون العمل على عمال اليومية الذي يعملون في اعمال دائمة منتظمة ، حيث اوضح هذا الحكم مدى استحقاق هؤلاء العمال للحقوق التي يقررها قانون العمل لمكافأة نهاية الخدمة والاجازات والحقوق الاخرى، والحكم محل تعليقنا هو الحكم الصادر عن الدائرة الادارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 12/1/2009م في الطعن العمالي رقم (36508) لسنة 1430هـ وتتلخص وقائع القضية ان عاملاً اشتغل في مطعم شعبي لمدة تصل إلى اكثر من ثماني سنوات بالأجر اليومي وادعى امام اللجنةالتحكيمية العمالية ان صاحب المطعم قام بفصله تعسفياً وطلب العامل تعويضه عن الفصل بأجور ستة اشهر وفقاً للمادة (39) عمل ومقابل الاجازات السنوية بواقع مرتب عن كل سنة خدمة وفقاً للمادة (120) عمل ومقابل انذار اجر شهر وفقاً للمادة (38) عمل ومقابل ساعات العمل الإضافية بواقع ست ساعات يومياً وفقاً للمادة (56) عمل ومقابل ايام الجمع طوال فترة عمله وفقاً للمادة (56) عمل ومقابل عمل ايام العطل الرسمية والاعياد الدينية بواقع ستة عشر يوماً في العام عن فترة عمله كاملة، وقد رد صاحب المطعم بان العامل المدعي يعمل بالأجر اليومي وبحسب الوجبات التي يقدمها المطعم حيث كان العامل ياخذ اجره كاملاً يومياً أولاً بأول بمبلغ مقطوع 400 ريالاً في الصباح و300 في المساء مع الأكل وهذا الاجر  هو كل ما يستحقه العامل وذكر صاحب المطعم ان اللجنة التحكيمية غير مختصة بنظر الدعوى لان قانون العمل لا يسري على العمال بالاجر اليومي، وقد سارت اللجنة التحكيمية العمالية في اجراءات نظر الدعوى حتى انتهت الى الحكم بالزام العامل باليمين على ان عمله في المطعم كان متصلاً طوال المدة والزام صاحب المطعم بان يدفع للعامل مرتب شهر عن كل سنة خدمة مقابل مكافأة نهاية الخدمة ومرتب شهر مقابل الاجازة السنوية عن السنة الاخيرة من فترة عمله وثلاثة مرتبات تعويضاً عن انهاء الخدمة واجر اسبوع مقابل بدل انذار وثلاثين الف ريال مصاريف واجور التقاضي، وقد ورد في اسباب قرار اللجنة التحكيمية (وحيث تبين للجنة من خلال شهود الاثبات ان المدعي عمل في المطعم لمدة ثمان سنوات بالاجر اليومي وحيث ان العمال بالاجر اليومي من الفئات المستثناة من قانون العمل لان هذه الاعمال تندرج ضمن مسمى سوق العمل العمل غير المنظم الذي جعل معاملة العمل به على العرف وما دام الامر كذلك فقد ترجح لدى اللجنة الحكم بمكافأة نهاية الخدمة ومرتب شهر واحد فقط بدل اجازة واجر اسبوع مقابل انذار وثلاثة رواتب تعويض، اما ما يدعيه العامل من اجور ساعات اضافية واجوره عن عمله في  الجمع والعطلات فلا سند لذلك  لان مثل هذه المنشأت يغلب عليها الطابع العرفي مع مستخدميها حيث يكون الاجر اليومي محل اعتبار لدى العامل وصاحب العمل عند قيام العلاقة بينهما) فلم يقبل صاحب المطعم بقرار اللجنة التحكيمية العمالية فقام باستئنافه فقضت الشعبة الاستئنافية بتأييد قرار اللجنة التحكيمية فيما يتعلق بمكافأة نهاية الخدمة ومرتب شهر الاجازة ومصاريف التقاضي والغاء ما يتعلق بالزام العامل بحلف اليمين ومقابل التعويض عن الفصل التعسفي ومقابل الانذار، وقد جاء في اسباب الحكم الاستئنافي (فقد اقتصر نعي صاحب المطعم على قرار اللجنة بان قانون العمل لايسري على العامل المدعي لانه  يتقاضى اجرة يومياً وذلك مردود عليه بان قانون العمل يسري على جميع العمال واصحاب الاعمال الا ما استثناه القانون على سبيل الحصر في المادة (3) عمل ومنهم العاملين في اعمال عرضية وخدم المنازل ومن في حكمهم، فالعامل في القضية محل النزاع لم يستثنيه القانون في المادة المشار اليها ؛فعمال المطاعم والفنادق تسري عليهم احكام قانون العمل سواء اكان الاجر شهرياً او اسبوعياً او يومياً او بحسب الانتاج أو القطعة وفقاً لنص المادة (61) عمل سواء استخدم صاحب العمل عاملاً واحداً أو اكثر وفقاً لنص المادة (2) عمل ؛ولذلك فلا صحة لما نعاه المستأنف بعدم اختصاص اللجنة التحكيمية وعدم سريان قانون العمل على العمال بالاجر اليومي كما وجزت الشعبة ان الحكم الابتدائي كان معلقا بيمين العامل على انه قد عمل لمدة ثمان سنوات متصلة والتعليق لايجوز في الاحكام ولذلك قضت الشعبة بالغاء تلك الفقرة من الحكم) فلم يقنع صاحب المطعم بالحكم الاستئنافي حيث قام بالطعن فيه بالنقض الا ان الدائرة الادارية بالمحكمة العليا رفضت الطعن واقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد في اسباب حكم المحكمة العليا ( فقد تبين للدائرة بعد الاطلاع على اوراق القضية ان الطاعن ينعي على الحكم الاستئنافي خطأه في تطبيق وتأويل قانون العمل على العامل في المطعم بالاجر اليومي وان اجره يتحدد بمبلغ شامل باليوم الواحد مستقلا عن الايام الاخرى فليس ثمة علاقة بين اليوم واليوم الذي يليه من حيث انشاء حق أو ترتيب التزام ؛واستند الطاعن في ذلك الى نص المادة (786)مدني التي تنص على انه ينقضي عقد العمل المبرم المبين فيه خدمة معينة بانقضاء العمل المترتب عليه فاذا كان العمل المتفق مما يتجدد واستمر الطرفان بتنفيذه اعتبر العقد قد تجدد لخدمة اخرى مماثلة أو ينقضي بانقضاء العمل وهكذا؛وقد انتهي الطاعن في عريضة طعنه  الى القول : بان القانون الواجب التطبيق على العامل بالاجر اليومي هو القانون المدني وليس قانون العمل وهذا النعي مردود عليه بانه قد سبق للطاعن اثارة هذا السبب امام محكمة الاستئناف التي ناقشته وردت عليه ومع ذلك فان الدائرة تضيف الى ذلك بان استدلال الطاعن بالمادة (786) مدني ليس في محله لان هذه المادة تحكم انقضاء عقد العمل لتنفيذ خدمة معينة مؤقتة فكان الاصوب ان يستدل الطاعن بالمادة (785) مدني التي تنظم تجدد عقد العمل المعين المدة حيث نصت على انه ينتهي عقد العمل المعين المدة  – كيوم مثلاً – بانتهاء مدته فاذا استمر الطرفان بعد ذلك في تنفيذ ما نص عليه العقد اعتبر ذلك تراضياً على الاستمرار فيه لمدة غير معينة فهذا النص هو الذي ينطبق على العامل في هذه القضية ، وعلى هذا فان نعي الطاعن على الحكم المطعون فيه بان القانون الواجب التطبيق هو القانون المدني وليس قانون العمل مردود عليه بان قانون العمل قانون خاص يسري على كل علاقة عمل ما عدا الاعمال التي استثناها قانون العمل ذاته من الخضوع لأحكامه وفقاً للمادة (3) منه وبعبارة اخرى فان نطاق سريان الاحكام المنظمة لعقد العمل في القانون المدني محددة فقط بالحالات التي لا تخضع لقانون العمل وليس العكس) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الاوجه الأتية:

الوجه الأول : العامل بالأجر اليومي الذي يسري عليه قانون العمل :

من خلال المطالعة للحكم محل تعليقنا نجد ان جوهر الخلاف هو مدى خضوع العامل بالاجر اليومي في عمل دائم ومستمر لقانون العمل حيث صرح الحكم بان العامل بالاجر اليومي في عمل دائم  ومستمر يخضع لقانون العمل اذا كان العامل يقوم بعمل يدخل بطبيعته في الاعمال والانشطة التي يقوم بها صاحب العمل بصفة معتادة وكان هذا العمل مستمراً لمدة تزيد على اربعة أشهر، اما اذا كان العمل الذي قام به العامل عملاً عارضاً لايدخل من ضمن الاعمال والانشطة التي يقوم بها صاحب العمل واستغرق هذا العمل مدة تقل عن اربعة اشهر فان هذا العامل لا تنطبق عليه احكام قانون العمل ولا يتمتع بالحقوق المقررة في قانون العمل لان العمل الذي قام به في هذه الحالة عمل عرضي، وعلى هذا المعنى فان الاعمال والانشطة المعتاد لصاحب العمل صاحب المطعم هي شراء الاغذية وغسلها وتحضيرها وطباختها وتقديمها إلى الزبائن وغسل ادوات الطبخ وغسل اواني وادوات تحضير وتقديم الطعام فأي عمل من هذه الاعمال تكون من الاعمالً المعتادةً لصاحب المطعم أو العمل ويكون العامل بأي من هذه الاعمال خاضعاً لقانون العمل ومتمتعاً بكافة الحقوق المقررة في قانون العمل وعلى هذا الاساس فان الطباخ والمنظف والسفرجي والعامل الذي يقوم بشراء الاغذية والمحاسب وغيرهم يخضعون لقانون العمل بصرف النظر عن طريقة دفع اجورهم سواء اكانت تدفع لهم شهرياً أو في نصف الشهر او اسبوعياً أو يومياً طالما وان عملهم يدخل ضمن العمل المعتاد لصاحب العمل وتزيد مدته عن اربعة اشهر، اما اذا كان العمل لا يدخل ضمن الاعمال المعتادة لصاحب المطعم أو العمل كان يكون العامل عامل ديكور أو بناءً أو حدادا او نجارا استقدمه صاحب العمل للقيام ببعض الاعمال العارضة التي لا تدخل ضمن اعماله المعتادة فقام هذا العامل بالعمل خلال مدة تقل عن اربعة اشهر فلا يخضع هذا العامل لقانون العمل لان عمله هذا يندرج ضمن الاعمال العرضية التي تخرج عن نطاق سريان قانون العمل الذي نصت المادة (3)منه على ان (ب- لا يسري هذا القانون على الفئات التالية : -7- العاملون في اعمال عرضية) وقام القانون ذاته بتعريف الاعمال العارضة في المادة (2) بانها (كل عمل لا يدخل في نشاط صاحب العمل ولا تزيد مدة انجازه عن اربعة اشهر)

الوجه الثاني : تشغيل العامل بالأجر اليومي لا يحرمه من حقوقه المقررة في قانون العمل :

تعمد كثير من الشركات والمؤسسات الى تشغيل بعض عمالها بالاجر اليومي حتى لا ينطبق عليهم وصف العامل الدائم او الثابت بل ان تلك الجهات لا تدرج اسماء اولئك العمال ضمن عمال وموظفي الشركة أو المؤسسة؛ ولكن هذه الحيلة لا تجدي تلك الشركات والمؤسسات نفعاً لان العامل يخضع لقانون العمل ولو كان اجره يصرف له يومياً لان القانون والحكم محل تعليقنا قد قرر ان العامل بالاجر اليومي يخضع لقانون العمل ويستحق كافة الحقوق والامتيازات المقررة في قانون العمل بصرف النظر عن طريقة سداد اجره مادام يعمل في الاعمال المعتادة لرب العمل وما دام ان فترة عمله قد زادت عن الاربعة الاشهر، وبذلك فان القانون والحكم محل تعليقنا قد انتصرا لهذه الفئة المستضعفة.

الوجه الثالث : محنة العمالة العرضية أو العمالة غير المنظمة (الشقاة) في اليمن وتوصيتنا للمقنن :

(الشقاة) ما اشق هذا المصطلح وما اشق العمل الذي يقومون به وما اقل الاجر الذي يتقاضونه، هذا المصطلح يتم الهروب منه الى مصطلحات ناعمة (العمالة غير المنظمة) العمالة غير الماهرة وغيرها من المصطلحات ، هذه المحنة ليست يمنية وانما سائدة في كثير من الدول الفقيرة لكنها في اليمن مشكلة خطيرة بالنظر الى النسبة العالية لهذه الشريحة المظلومة، ونحن ننظر الى هذه المشكلة من جانب قانوني فقط باعتبار هذه الشريحة هم الذين يقومون بالاعمال العرضية للحكومة والافراد والشركات والمؤسسات ويتقاضون نظير ذلك اجر يومي مقطوع يفترض قانوناً ان يكون مرتفعاً لانه يشمل التأمين وغيره ، وبناءً على ذلك فان هذه الشريحة لا تخضع لقانون العمل ولا تتمتع بالحقوق المقررة للعمال المنصوص عليها في قانون العمل ومن ذلك التأمين عن اصابات العمل والعجز والشيخوخة، وبما ان هذه العمالة الغير ماهرة (الشقاة) يعملون بنسبة 98% في قطاع البناء والتشييد فاننا نوصي المقنن اليمني بايجاد شبكة تأمين لهذه الشريحة عن طريق تحديد نسبة ضئيلة من عقود المقاولات يتم تسديدها الى الجهة المعنية للتأمين على هذه الشريحة.

الوجه الرابع : القانون الواجب التطبيق على (الشقاة) أو عمال العمل العارض بالاجر اليومي :


ذكرنا فيما سبق ان هؤلاء لا يتمتعون بالحقوق المقررة في قانون العمل الذي صرح في المادة (3) ان هؤلاء لا يسري عليهم قانون العمل، وصرح الحكم محل تعليقنا بان هؤلاء يخضعون للقانون المدني حيث نصت المادة (786) على ان (ينقضي عقد العمل المبرم لتنفيذ خدمة معينة بانقضاء العمل المتفق عليه فاذا كان العمل المتفق عليه مما يتجدد واستمر الطرفان في تنفيذه اعتبر العقد قد تم تجديد لخدمة اخرى مماثلة وينقضي بانقضاء العمل وهكذا) فهذا العقد قد يكون مكتوبا او غير مكتوب حيث ينعقد العقد بقول صاحب العمل للشاقي : ارفع الطوب من الارض الى الطابق الثالث باجر كذا كذا على كل طوبة فيقول العامل : قبلت وهكذا في الاعمال الاخرى كالبناء والبلاط وغيرها فيستمر العقد حتى يتم الانتهاء من العمل فاذا احتاج صاحب البناء لخدمة اخري كرفع النيس فينعقد عقد اخر ؛وخلال قيام العامل بالعمل العرضي يكون صاحب العمل مسؤولاً عن اية اصابات قد تلحق بالعامل بسبب العمل العرضي لان هذا العامل ليس مشمولاً بالتأمين، وانا اذكر في عام 2010م ان احد القضاة  استشارني بشأن عامل (شاقي) سقط في عمارة فمات فأشرته بان يحكم بدية الخطأ على مالك العمارة ان كان هو الذي تعاقد مع العامل أو على المقاول ان كان هو الذي تعاقد مع العمل فحكم القاضي العظيم على صاحب العمارة وأيدت محكمة الاستئناف ذلك الحكم وتم تنفيذه، والله اعلم.