إشكالية المحلات والمؤسسات غير المرخصة وجريمة النصب

 إشكالية المحلات والمؤسسات غير المرخصة وجريمة النصب

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

عدم الترخيص او التسجيل للوكالات او الموسسات او المحلات التجارية أو حصولها على الترخيص الذي يشترطه القانون يعني أن  فتحها ومزاولة عمل مخالف للقانون أي غير مشروع  يترتب اشكاليات لاحصرلها مع المواطنين المتعاملين مع هذه المحلات غير المرخص لها وتثير نزاعات وخلافات تزيد حدتها عن النزاعات التي يحدثها الامناء غير المرخص لهم بل ان بعض هذه المحلات غير المرخصة عدم صحة التصرفات التي تباشرها الوكالة أو ما في حكمها بل أن الافعال والتي ت واجهة لجرائم اخرى كجريمة النصب وغسل الاموال وتمويل الارهاب والتهرب من دفع الزكاة والضرائب والرسوم ، وقد تناول هذه المسألة الحكم محل تعليقنا وهو الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 30/1/2013م في الطعن الجزائي رقم (46351) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان أحد الأشخاص قام بفتح وكالة للحج والعمرة والسفريات من غير أن يحصل على الترخيص القانوني من وزارة السياحة ومن غير أن يقوم بالإجراءات اللازمة والمقررة من قبل وزارة الأوقاف والارشاد كما قام بإعداد النماذج وسندات القبض الخاصة بأعمال الوكالة وإستلام مبالغ كبيرة من الأشخاص الراغبين بالحج والعمرة الا ان هذا الشخص عجز عن الوفاء بالتزاماته فلم يتمكن الأشخاص الذين دفعوا المبالغ إلى الوكالة لم يتمكنوا من الحج أو العمرة، فقام بعضهم بتقديم شكوى إلى النيابة العامة التي اتهمت المذكور بأنه توصل بغير حق للحصول على فائدة مالية لنفسه وهي الحصول على مبلغ  واحد  ثمانين ألف ريال سعودي مملوكة للمجني عليهم حسبما هو مبين في صور سندات القبض الصادرة عن الوكالة حيث توسل بطرق احتيالية فقام بفتح محل وكتب عليه  لوحة بإسم ... لخدمات الحج والعمرة وقام بإصدار سندات بذلك الاسم دون أن يكون له ترخيص مسبق من الجهات المختصة، وتمكن من استلام مبالغ كبيرة حسبما هو مبين في صور السندات وغيرها كما استلم بموجب ذلك اربعين جواز سفر حج موهماً المجني عليهم بلوحة الوكالة وسنداتها وطلبت النيابة من المحكمة الابتدائية معاقبة المتهم بالعقوبة المقررة في المادة (310) عقوبات، وأمام المحكمة الابتدائية تدخل بعض الأشخاص الذين استلم منهم المتهم  جوازاتهم ومبالغ مالية، وقد توصلت المحكمة الابتدائية إلى الحكم بإدانة المتهم وحبسه ستة أشهر من تاريخ القبض عليه وذلك في الحق العام، وفي الحق الخاص إلزام المدان بدفع أحد عشر الف ريال سعودي وخمسمائة دولار أمريكي وكذا الزامه بدفع مبلغ اثنين وستين الف ريال سعودي للمجني عليهم بالإضافة إلى الزام المدان بدفع خمسين الف ريال يمني مصاريف تقاضي للمجني عليهم، وقد ورد ضمن أسباب الحكم الابتدائي (فقد تبين للمحكمة اعتراف المتهم باستلام المبالغ المشار اليها وحرر سندات بها وقام بالتوقيع عليها باسم وكالة... لخدمات الحج والعمرة في حين أنه لم تكن تلك الوكالة  ضمن الشركات والوكالات التي توفرت فيها الشروط والمواصفات والمعتمدة في تفويج الحج والمعتمرين لعام ... والتي تم نشرها في جريدة الثورة كما أنه من الثابت أن المتهم قد تصرف في المبالغ المسلمة له في حين أنه ليس المالك لتلك المبالغ وبذلك فقد تحققت جريمة النصب خاصة أن المتهم قد عجز عن إثبات دعواه بأنه قد قام بدفع المبالع إلى الجهات المعنية بخدمات الحج والعمرة داخل اليمن وخارجها فضلاً عن استخدام المتهم لوسائل مادية وهي فتح الوكالة باسم ... من غير أن يحصل على ترخيص بذلك وثبوت تدخل بعض الأشخاص امام المحكمة وتقديمهم ما يدل على صحة تدخلهم) فلم يقبل المتهم بالحكم الابتدائي فقام باستئنافه إلا أن الشعبة الجزائية قضت بتأييد الحكم الابتدائي واعتماد اسباب الحكم الابتدائي كأسباب للحكم الاستئنافي، فقام المتهم بالطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي إلا أن الدائرة الجزائية رفضت الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (واجمالاً فان كافة المطاعن التي اثارها الطاعن في عريضة الطعن عبارة عن مجادلة في الوقائع التي سبق للطاعن إثارتها أمام محكمتي الموضوع واللتين اخضعتاها للمناقشة والتحقيق والتمحيص، فهذه المسائل تختص بها محكمة الموضوع ومن اطلاقاتها ولا معقب عليها من المحكمة العليا ما دام استخلاصها كان سائغاً وله أصل ثابت في الأوراق) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : ماهية الترخيص للوكالات والمحلات والغرض من اشتراط الترخيص :

الترخيص هو عبارة عن اذن او موافقة أو سماح الجهة المختصة قانوناً للمحل التجاري أو الوكالة او الموسسة بمزاولة نشاطها بعد التاكد من توفر الشروط القانونية اللازمة والتحقق من انها قادرة ومؤهلة تتوفر لديها الأموال والامكانيات اللازمة لمباشرة نشاطها وإنها تمتلك الامكانيات والضمانات اللازمة للوفاء بالمعاملات التي تباشرها مع جمهور المتعاملين معها، حيث تقوم الجهة المختصة باصدار الترخيص قبل الاصدار بدراسة المستندات اللازمة التي تدل على أن الوكالة أو المحل المطلوب الترخيص له جدير بمزاولة النشاط المطلوب، حيث تقوم الجهة المختصة بهذه الإجراءات قبل صدور الترخيص كنوع من الحماية للمتعاملين مع الوكالة أو المحل التجاري بل أن في ذلك حماية أيضاً لصاحب الوكالة أو المحل التجاري، لان الجمهور يتعاملون مع المحلات والوكالات والمؤسسات دون أن يعرفوا أو يتأكدوا مما اذا كانت حائزة للترخيص اللازم لمزاولة النشاط.

الوجه الثاني : خطورة المحلات والوكالات والمؤسسات غير المرخصة وتوصيتنا للحكومة :

ذكرنا في الوجه السابق أن الغرض الرئيس للترخيص للوكالات والمحلات والمؤسسات هو حماية المتعاملين معها لان هؤلاء يتعاملون معها بمبالغ باهضة على أساس انها مسجلة لدى الجهات المختصة ومرخص لها وأن الدولة ضامنة لأهلية وصلاحية هذه الوكالات والمحلات والمؤسسات لمزاولة نشاطها في حين أن الغالبية العظمى لهذه الوكالات وما في حكمها غير مسجلة أو مرخص لها بمزاولة نشاطها، ولذلك تظهر محلات ووكالات ومؤسسات كالفقاعات حيث تظهر فجأة وتختفي فجأة بعد أن تتصيد أموال الناس وتاكلها بالباطل فضلاً عن أنها تتهرب عن اداء واجباتها الدينية والوطنية كالزكاة والضريبة الرسوم، ولذلك فإننا نوصي الحكومة ممثلة بوزارة الصناعة والتجارة ببسط اشرافها ورقابتها على المحلات والوكالات والمؤسسات غير المرخصة لإدخالها ضمن دائرة العمل المشروع، فوالله أن الوكالات والمحلات والمؤسسات غير المرخص لها اخطر من الامناء غير المرخص لهم.

الوجه الثالث : مسؤولية مالك الوكالة أو المحل غير المرخص له :

الوكالة أو المحل أو المؤسسة غير المرخص لها يكون لها اسم تجاري وختم ومطبوعات باسمها ولكن طالما انها غير مرخصة وليس لها ذمة مالية وشخصية اعتبارية، ولذلك فان مالكها أو مؤسسها هو المسئول وحده عن أية التزامات أو تبعات تترتب على هذه الوكالات أو المحلات أو المؤسسات غير شرعية أو غير المرخص لها ولذلك فقد لاحظنا أن الحكم محل تعليقنا قد قضى بحبس مالك الوكالة غير المرخص لها كما أنه قد الزمه بدفع كافة المبالغ التي تم استلامها باسم الوكالة غير المرخص لها.

الوجه الرابع : المحلات غير المرخص لها وجريمة النصب :

فتح محلات أو مؤسسات أو وكالات من غير ترخيص يكون الهدف من ذلك عند بعض الاشخاص الافلات من المسائلة القانونية لهم باشخاصهم ، فالشخص في هذه الحالة لا يريد أن يتحمل المسئولية الشخصية عن الحصول على أموال أو غيره او تبعات بعض الاعمال غير المشروعة، ولذلك يقوم بفتح هذه المحلات أو الوكالات ويقوم بتحصيل الأموال وغيرها من الاعمال غير المشروعة باسم هذه الوكالات غير الشرعية في حين يتوهم المتعاملون مع  هذه الوكالات وما في حكمها انها مرخص لها من الدولة وإنها قد أذنت لها بمزاولة نشاطها، ولذلك فأن بعض أعمال هذه المحلات غير المرخص لها يكون من قبيل النصب مثلما حصل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا، والله اعلم.