توقيع بعض الورثة لا يلزم غيرهم

 

توقيع بعض الورثة لا يلزم غيرهم

أ.د / عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

هجرة اليمني إلى خارج وطنه طلباً للرزق قدر لا مفر منه، وللهجرة والغربة مساويها ومأسيها ومن ذلك ان أولاد المهاجر أو المغترب لايعلمون حقيقة حقوقهم وأموالهم في وطنهم الأصلي اليمن فيتصرفون في أموال وأملاك الأجداد باتفه الاثمان واحيان يهبون تلك الأموال للغير مجانا ليس كرما وترفعا بل ً نتيجة عدم معرفة الأولاد أو الأحفاد لقيمة هذه الأموال وبياناتها ومساحاتها وقلة معرفتهم بالجهد والوقت الذي بذله أجدادهم داخل اليمن وكدهم وتعبهم في تحصيل وتجميع تلك التي يبيعها الأولاد والأحفاد المغتربون ، كما ان هولاء الأولاد والأحفاد لايخططون ولاينظرون الى مستقبلهم المالي بعد انتهاء غربتهم حيث تتحول الأحوال والأموال ؛ فالحكم محل تعليقنا يشير إلى هذه المسألة، ويشير أيضاً إلى التحايل الذي قد يكون ضحيته الأولاد والأحفاد الأغبياء ويشير أيضاً إلى تحايل الورثة بعضهم على بعض وتصرفهم في بعض الأموال قبل قسمتها، والحكم محل تعليقنا هو الحكم الصادر عن الدائرة المدنية في المحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 16/3/2011م في الطعن المدني رقم (43972) لسنة 1432هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان مواطناً يمنياً كان يعاني من شظف العيش قام برهن أرضه الواسعة التي يملكها في اليمن لابن عمه للحصول  على مبلغ مصاريف هجرته وسفره إلى الصومال عام 1940م للعمل هناك حيث قام بالعمل وسدد الدين الذي كان عليه لقريبه وحصل على مخالصة وفك الرهن وتحسنت أحواله في بلاد المهجر ومات هناك وترك اولاده هناك الذبن طاب لهم المقام هناك ولكن بقاء الحال من المحال حيث تغيرت أحوال الصومال بسبب الحروب والصراعات حيث سافر اثنان من اولاده من الصومال الى السعودية واستقرا هناك ؛وفي عام  1999م قاما بزيارة خاصة وسريعة لليمن  حيث احتال عليهما أبناء عمهما حسبما ورد في الدعوى والصحيح ان جميعهم محتالون على بقية الورثة الفقراء حيث تم الاتفاق بينهم عام 1999م على تقسيم الأرض تركة المهاجر مناصفة بين أولاد المالك المهاجر وبين أولاد أبن عمهم الذي قاموا بحيازة الأرض بعد وفاة والدهم، وبالفعل تم التوقيع على هذا الاتفاق من قبل جميع أولاد الحائز للأرض وبين ابني المهاجر اللذين قدما من السعودية لهذه الغاية، وعندما عاد بقية أولاد المهاجر من الصومال الى اليمن طالبوا أبناء عمومتهم تسليمهم أرض أبيهم لاستثمارها والعمل فيها بعد ان صارت الأرض لها قيمة عالية فأبرز أبناء عمومتهم الاتفاق المشار اليه الذي تضمن ان تقسيم الارض  مناصفة حيث صار نصف الأرض لأبناء العم الذين لم يهاجر مقابل قيام أبيهم وقيامه من بعده بالمحافظة على الأرض!!! فرفض أولاد المغترب الفقراء القادمون من الصومال رفضوا الاتفاق الذي وقعه نيابة عنهم أخويهم المغتربين بالسعودية فتطور الخلاف حتى قام أولاد المغترب الفقراء القادمون من الصومال برفع دعواهم أمام المحكمة المختصة طلبوا فيها إبطال الاتفاق على تقسيم أرض مورثهم أبيهم وتسليمهم الأرض كاملة وذكروا في الدعوى ان أبناء عمهم قد احتالوا على أخويهم الذين وقعا على الاتفاق دون ان يعلموا حقيقة الحال وذكروا انهم لم يقوموا بتوكيل أخويهم بالتوقيع على ذلك الاتفاق، وبعد ان سارت المحكمة الابتدائية في إجراءات نظر القضية توصلت إلى الحكم بقبول دعوى المدعين والغاء الاتفاق لمخالفته للشرع والقانون وعدم وجود وكالات من بقية الورثة للأخوين اللذين قاما بالتوقيع على الاتفاق كما حكمت المحكمة بملكية المدعين اولاد المهاجر جميعا لكامل أرض مورثهم وإلزام أبناء عمومتهم بتسليمهم كافة غلول الأرض بما يقدره خبيران عدلان، وقد ورد ضمن أسباب الحكم الابتدائي (انه قد ثبت استلام مورث المدعى عليهم لمبلغ الرهن وان الأرض بعد ذلك صارت عهدة لدى مورثهم ولدى المدعى عليهم من بعده كما ثبت عدم صحة الاتفاق المحرر بتاريخ.... لأنه لم تكن هناك وكالات لدى الموقعين على الاتفاق إخوة المدعين وهذا يستوجب الحكم ببطلان الاتفاق ووجوب رفع ايدي المدعى عليهم عن الأرض كما يلزمهم دفع غلة الأرض مدة بقائها لديهم) فلم يقبل المدعى عليهم بالحكم الابتدائي فقاموا باستئنافه فقبلت محكمة الاستئناف ذلك وقضت بقبول الاستئناف والغاء الحكم الابتدائي ورفض دعوى المدعين وتحميلهم مصاريف التقاضي، وقد ورد ضمن أسباب الحكم الاستئنافي ( ان الحكم الابتدائي مخالف للقانون حيث كان يجب على محكمة أول درجة طلب جميع الأطراف وتحديد موقفهم من خلال استجوابهم شخصياً ومواجهتهم بما تم تقديمه امام المحكمة لاسيما وان موضوع النزاع قد تم حسمه وان فتح نزاع جديد مخالف للقانون حيث كان ينبغي على محكمة أول درجة رفض الدعوى لثبوت حسم النزاع مع الحكم بثبوت صحة الاتفاق فيما بين طرفي الخصومة باعتباره حجة وسند قانوني بما جاء فيه وعلى أطرافه) فقام أولاد المهاجر العائدون من الصومال بالطعن بالنقض في الحكم فقبلت الدائرة المدنية الطعن ونقضت الحكم الاستئنافي وأعادت القضية إلى محكمة الاستئناف لإعادة نظرها مجدداً، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (فقد وجدت الدائرة ان أسباب الطعن في محلها لان الشعبة لم تكن موفقة في قضائها بالغاء الحكم الابتدائي والحكم بلزوم التوقف على الاتفاق المشار اليه فهذا الحكم معيب من عدة وجوه ومن ذلك أن الشعبة قد عابت على محكمة أول درجة انها لم تستدع جميع الأطراف لاستطلاع موقفهم من الاتفاق ولكن الشعبة لم تقم بذلك فوقعت فيما وقعت فيه المحكمة الابتدائية ومضت في حكمها دون ان تستوفي تلك المسالة باعتبارها محكمة موضوع فجاء حكمها معيباً عندما الزمت الطاعنين بالاتفاق المؤرخ.... الذي لم يوقع عليه الا اثنان من الورثة، ومعلوم ان الاتفاق حجة على اطرافه الذين مثلوا فيه مما يستدعي والحال كذلك قبول الطعن بالنقض موضوعاً) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : تحديد موضوع النزاع بين الطرفين :

من خلال مطالعة وقائع القضية حسبما وردت في الحكم محل تعليقنا نجد انه لا تناكر بين الطرفين بشأن ملكية المهاجر وورثته من بعده للأرض محل النزاع وان مبلغ الرهن قد تم دفعه ومن هذه الناحية فان موضوع النزاع يتحدد في مدى صحة قيام أبناء عمومة المهاجر بالدفاع عن الأرض وحفظهما وماهية هذا الدفاع والحفظ وتكاليفه وكيفية تقديرها وما اذا كانت هذه الجهود تساوي قيمة نصف الأرض أو اقل، ومن ناحية ثانية فان الاتفاق الذي تم بين الطرفين ليس مقبولاً من قبل غالبية ورثة المهاجر الذين أفصحوا وصرحوا امام محكمتي الموضوع والمحكمة العليا برفضهم ذلك الاتفاق وعدم قبولهم به بل وتشكيكهم فيه وتصريحهم بان الموقعين على الاتفاق لاصفة لهم لعدم توكيلهم بذلك؛ ومن ناحية ثانية فقد حضر المدعى عليهم جميعاً امام محكمتي الموضوع وردوا على الدعوى وتمسكوا بالاتفاق حتى اخر لحظة في التقاضي وذلك في ردهم على الطعن بالنقض أمام المحكمة العليا، اما المغتربان في السعودية من أولاد المهاجر الذين قاما بالتوقيع على الاتفاق أصالة عن نفسيهما ونيابة عن بقية الورثة حسبما ادعى المدعى عليهم فانهما لم يحضرا امام محكمتي الموضوع فلم يظهر لمحكمتي الموضوع موقفهما من ذلك الاتفاق وما اذا كان قد تم الاحتيال والتدليس عليهما وكيف تم احتساب تكاليف حفظ الأرض وأين ذهبت غلالها خلال الفترة الماضية وكذا بيان حيثيات توقيعهما بالنيابة عن بقية الورثة وما اذا كان ذلك بتوكيل اوبدون توكيل ؛فهذه فجوة كان ينبغي على محكمتي الموضوع ردمها أو استيفائها وهذه الفجوة كانت القشة التي قصمت ظهر حكم محكمة الموضوع.

الوجه الثاني: الوضعية القانونية للاتفاق المبرم فيما بين اثنين من أولاد المهاجر مع أولاد المقيم:

قضت محكمتا الموضوع ببطلان ذلك الاتفاق ربما لأنه كان الظاهر لهما جانب الحيلة والتدليس وعدم التناسب بين نصف الأرض الذي اقتطعه أولاد المقيم مقابل حفظ الأرض !!! ومصير غلول الأرض ، ولكن في ميزان الشرع والقانون يتغير الحكم فالاتفاق صحيح بين الولدين المغتربين بالسعودية وأولاد المقيم فهو حجة لهما وعليهما وفيما بينهما عملاً بمبدأ نسبية حجية العقد هذا من ناحية ومن ناحية ثانية فان هذا الاتفاق لا حجية له بالنسبة لأولاد المهاجر القادمين من الصومال طالما انه ليس هناك وكالات صحيحة صادرة منهم لأخويهما اللذين قدما من السعودية لتوقيع ذلك الاتفاق  وتنازلاً اصالة عن نفسيهما ونيابة عن أخوانهم عن نصف الأرض تركة أبيهم مورثهم، ولكن وجه القصور ان الولدين المقيمين في السعودية لم يمثلا أمام محكمة الموضوع لبيان موقفهما من هذا الاتفاق وماهو سندهما في التوقيع على الاتفاق نيابة عن الكل وهل التوقيع على الاتفاق هو توقيعهما حتى يتم الحكم بحجية الاتفاق بالنسبة لهما.

الوجه الثالث : الاستئناف والاستدراك :

يقرر أستاذنا الدكتور نبيل إسماعيل عمر في كتابه الرائع الطعن بالاستئناف يقرر ان من اهم وظائف محكمة الاستئناف بالنظر الى عدد قضاتها وخبراتهم هي استدراك أوجه القصور التي تشوب حكم محكمة أول درجة حتى تكتمل الحقيقة وتتجسد في الحكم الموضوعي فيكون عنوانا للحقيقة (الطعن بالاستئناف ، أ.د نبيل إسماعيل ،ص91) فمحكمة الاستئناف محكمة موضوع كان ينبغي عليها  استدراك مافات على محكمة أول درجة لاسيما انها تنبهت لقصور الحكم الابتدائي في هذا الشأن ولكنها بدلاً من ان تقوم باستيفاء واستدارك هذه المسالة قضت بصحة الاتفاق على علاته وزلاته وجهالته بل انها قضت بالغاء الحكم الابتدائي من غير ان تبحث هذه المسألة على أهميتها؛ والله اعلم.