المسئولية عن تسرب الماء من الانابيب

 

المسئولية عن تسرب الماء من الانابيب

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

تتسبب المياه المتسربة من الانابيب في الحاق اضرار بالغة في المنازل والمنشأت المجاورة لا سيما عندما تهمل مؤسسة المياه صيانة الانابيب وتتقاعس عن اتخاذ التدابير اللازمة للحيلولة دون تسرب المياه، وتكثر حوادث التسرب لا سيما في المدن القديمة والاحياء المزدحمة، وهذا الامر يستدعي الاشارة إلى مسئولية مؤسسة المياه أو الجهة المالكة لمشروع المياه، ولذلك اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 18/12/2012م في الطعن (46554) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان مالك منزل تقدم امام المحكمة الابتدائية مدعيًا ان مؤسسة المياه قامت بمد انبوب مياه جوار منزله ولم تتخذ التدابير اللازمة والمناسبة حيث تسرب الماء من الانبوب إلى اساس منزله الذي هبطت اساس المنزل وجدرانه وتشققت، وقد توصلت المحكمة الابتدائية إلى الحكم بالزام مؤسسة المياه بدفع مبلغ مليون ريال للمدعي تعويضًا عن الاضرار التي لحقت بمنزله، وقد ورد ضمن اسباب الحكم الابتدائي (فقد تبين للمحكمة ان تسرب الماء كان السبب الرئيسي لهبوط اساسات المنزل وتشقق الجدران ووصول الماء إلى اساسات المنزل ونفوذ الشق إلى الداخل مقابل الماصورة التي تسرب منها الماء  فالمؤسسة قصرت في مسؤوليتها من حيث العمق الذي وضعت المأصورة فلو كان الحفر اعمق لما حدث التسرب ،فالمسؤولية التقصيرية تتحملها المؤسسة لانها ضامنة أي خطأ يحصل في مشروعها، اما إنكار المؤسسة وادعائها  عدم مسئوليتها فان الواقع يدل على خلاف ذلك  اضافة الى ان تقرير المؤسسة لايعول عليه لانه صادر منها في اثناء النزاع من غير تكليف من المحكمة، اما تقرير المقاول الذي قام بتقدير الضرر فقد وردت فيه مبالغة مع ان المقاول مكلف من المحكمة وقد رأت المحكمة تعديله  احقاقًا للحق ولثبوت الواقعة وعملاً بالمادة (304) مدني فقد حكمت المحكمة) فلم تقبل المؤسسة بالحكم الابتدائي فقامت باستئنافه وبالمقابل قام مالك المنزل بالاستئناف، إلا أن محكمة الاستئناف قضت بتأييد الحكم الابتدائي، وقد ورد في أسباب الحكم الاستئنافي (ان هناك قرائن كثيرة تدل على أن هبوط المنزل وتشققه قد كان بسبب تسرب الماء من القصبة حيث وجد المهندس المكلف من المحكمة أن قصبة الماء كانت مشروخة وان هناك بقعة ماء صغيرة فوق القصبة وبقعة ماء كبيرة تحتها متصلة بأساس المنزل المقابل لها حيث الهبوط والتشقق وهذه قرينة قانونية تغني في إثبات صحة الدعوى وعملاً بالمواد (304 و 354 مدني) حكمت المحكمة، فلم يقبل مؤسسة المياه بالحكم الاستئنافي فقامت بالطعن فيه بالنقض إلا أن الدائرة المدنية رفضت الطعن وأقرت الحكم، وقد ورد في اسباب حكم المحكمة العليا (فقد وجدت الدائرة ان الاسباب التي اثارتها المؤسسة الطاعنة هي عبارة عن وقائع موضوعية قد سبق مناقشتها امام محكمتي الموضوع وأيدت الشعبة ذلك حسبما ورد في أسباب الحكم الاستئنافي المطعون فيه، وحيث ان الثابت من الاوراق قناعة محكمتي الموضوع بحصول الضرر في المنزل المشار اليه وتوفر علاقة السببية بين الخطأ والضرر فان ما قضت به الشعبة الاستئنافية قد جاء صائبا) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب الأوجه الأتية :

الوجه الأول : اساس مسئولية مؤسسة المياه عن تسرب الماء :

مؤسسة المياه هي المؤسسة الحكومية الملتزمة قانونًا بتزويدالمواطنين المشتركين بالمياه الصالحة للشرب، ولذلك فان الحكومة تتولى توفير الإمكانيات اللازمة للمؤسسة للوفاء بالتزامها، ولضمان وفاء مؤسسة المياه بالتزامها فانه تتوفر لديها الخبرات والامكانيات اللازمة للقيام بنشاطها من غير ان يترتب على ذلك حدوث أية اضرار بالمنتفعين بخدمات المؤسسة، كما ان القوانين واللوائح والنظم ذات الصلة بنشاط المؤسسة توجب على المؤسسة اتباع الاجراءات والتدابير والصيانة اللازمة لمنشأتها بما في ذلك تفقد شبكة الانابيب وصيانتها ، فيجب على المؤسسة ان تتخذ وسائل الحماية والتدابير اللازمة عند وضعها للانابيب جوار المنازل والمنشأت بما يضمن عدم تسرب الماء من تلك الانأبيب واضرارها بالمنازل والمنشأت المجاورة، كما ان هذا التزام قانوني يقع على عاتق المؤسسة ويمتد هذا الالتزام طوال فترة وجود هذه الانابيب جوار المنازل والمنشأت فهذا الالتزام مستمر باستمرار تقديم المؤسسة للخدمة وبمقتضى ذلك يجب على المؤسسة تفقد وصيانة منشأتها بما في ذلك شبكة الانابيب للحيلولة دون تسرب الماء منها، فاذا لم تقم المؤسسة بذلك فانها تكون قد قصرت مما يجعلها عرضة لتطبيق احكام المسئولية التقصيرية عليها مثلما قضى الحكم محل تعليقنا.

الوجه الثاني : المسئولية التقصيرية لمؤسسة المياه عن فعلها الشخصي :

مؤسسة المياه شخص اعتباري له ذمة مالية وشخصية اعتبارية بموجب قانون المؤسسات والشركات العامة وبموجب قانون مؤسسةالمياه، وهذه الشخصية الاعتبارية تجعل مؤسسة المياه مؤهلة لكافة التصرفات وللتقاضي أيضاً ، ولذلك فان الموسسة تكون مسئولة عن فعلها الضار عملاً بالمواد (304 و 305 و 306) مدني حيث نصت المادة (304) مدني على أن (كل فعل او ترك غير مشروع سواء اكان ناشئًا عن عمد او شبه عمد أو خطأ اذا سبب للغير ضرراً يلزم من ارتكبه بتعويض الغير عن الضرر الذي اصابه) وبموجب هذا النص فان مؤسسة المياه مسئولة عن صيانة وتفقد شبكة المياه لضمان عدم تسرب الماء منها فاذا لم تقم بذلك فان تركها لذلك يعد تركا غير مشروع يجعل الموسسة  مسئولة عن أية اضرار تحدث بسبب ترك المؤسسة لواجبها في الصيانة ،ولذلك فقد استند الحكم محل تعليقنا إلى هذا النص، كما ان مؤسسة المياه كما ذكرنا شخص اعتباري وهذه الوضعية تجعلها مسئولة عن فعلها الشخصي بمقتضى المادة (305) مدني التي نصت على ان (يكون الشخص مسئولاً في ماله عن اعماله غير المشروعة اذا ارتكبها في حق غيره).

الوجه الثالث : مسئولية مؤسسة المياه عن اعمال موظفيها المكلفين بصيانة انابيب المياه :

من خلال المطالعة لوقائع الحكم محل تعليقنا لاحظنا ان تسرب الماء كان بسبب عدم تفقد المؤسسة وصيانتها لشبكة الانابيب، ولا شك ان هناك موظفون مكلفون بالقيام بذلك فاذا لم يقوموا بذلك فان هذا الترك  يكون  جريمة يعاقب عليها القانون فضلا تاديبيا ومدنيا تستوجب معاقبتهم إضافة إلى حق الموسسة في الرجوع عليهم بما تحملته من تعويضات للغير عملاً بالمواد (312 و 313 و 314) مدني، ولا يعفى الموظف العام إلا أذا رفع إلى المؤسسة وابلغها للقيام بالصيانة فلم تفعل، وفي هذا المعنى نصت المادة (308) مدني على أنه (لا يكون الموظف العام مسئولاً عن عمله الذي الحق الضرر بالغير اذا قام به تنفيذاً لأمر صدر اليه من رئيس متى كانت طاعة هذا الأمر واجبة عليه شرعًا أو كان يعتقد انها واجبة عليه واثبت انه كان يعتقد مشروعية العمل الذي وقع منه وان اعتقاده مبني على اسباب معقولة شرعا وانه راعى جانب الحيطة في عمله ويسأل الامر اذا توفرت في امره صفات الفعل غير المشروع) وبمقتضى هذا النص فان الموظف العام لا يكون مسئولاً شخصيًا عن وضع انبوب الماء جوار المنزل اذا كان قد قام بهذا العمل بموجب امر من رئيسه وكذا لا يكون مسئولاً عن ذلك اذا رفع تقريرًا إلى رئيسه وطلب منه التوجيه بإجراء الصيانة اللازمة للأنبوب فلم يفعل، والله اعلم.