عدم إستناد الحكم الاستئنافي للنص العقابي

 

عدم إستناد الحكم الاستئنافي للنص العقابي

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

من المعلوم ان من اهم ضمانات ومبادى المحاكمة العادلة تطبيق مبدا لاجريمة ولاعقوبة الا بنص فلايتحقق ذلك الا إذا  استند الحكم في قضائه بالعقوبة إلى النص القانوني الذي جرم الفعل وحدد عقوبته، لما لذلك من اهمية بالغة، غير انه لا يلزم الحكم الاستئنافي ان يذكر في اسبابه  النص العقابي الذي استند اليه طالما ان الحكم الاستئنافي قد آيد منطوق الحكم الابتدائي بكل فقراته واعتبر اسباب الحكم الابتدائي اسباباً له حسبما قضى الحكم محل تعليقنا، وهو الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 12/12/2012م في الطعن رقم (46333) ،وتتلخص وقائع القضية ألتي تناولها هذا الحكم ان النيابة العامة اتهمت شخصاً بقذف رجل واختيه بالزنا ونفي نسبهم،وقد توصلت المحكمة الابتدائية إلى الحكم بعدم ثبوت حد القذف لان احد الشهود غير عربي قام الشاهد الآخر بإفهامه مضمون عبارات القذف التي وجهها القاذف إلى المجني عليهم حيث قضى الحكم الابتدائي بمعاقبة المتهم بعقوبة السب وليس القذف، واستند الحكم الابتدائي في قضائه إلى المادتين (290 و 291) عقوبات، وناقش الحكم الابتدائي مسقطات حد القذف نقاشاً مستفيضاً في اسبابه، فقامت النيابة العامة باستئناف الحكم غير ان الشعبة الجزائية قضت بتأييد الحكم الابتدائي، وسببت حكمها بانها قد اطمئنت إلى اسباب الحكم الابتدائي وناقشت عريضة الاستئناف حيث خلص الحكم الاستئنافي إلى اعتبار اسباب الحكم الابتدائي اسباباً له إلا أن الحكم الاستئنافي لم يذكر النص القانوني سند الحكم في القضية، فقامت النيابة بالطعن بالنقض إلا أن الدائرة الجزائية رفضت الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن اسباب حكم المحكمة العليا (كما تبين انه لا تأثير للنعي والقول بان الحكم المطعون فيه لم يتضمن نص التجريم والعقاب الذي على أساسه تم تقدير العقوبة، حيث الثابت ان الحكم المطعون فيه قد احال في اسبابه على الحكم الابتدائي الذي اشارت اسبابه إلى النص العقابي الذي على اساسه تم تقدير العقوبة وهو نص المادة (292) عقوبات) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : وجوب تضمين الحكم نص التجريم والعقاب والجزاء المقرر في حالة المخالفة :

أوجب قانون الإجراءات تضمين اسباب الحكم نص التجريم والعقاب الذي استندت اليه المحكمة في تقدير العقوبة حيث نصت المادة (372) إجراءات على ان (كل حكم بالإدانة يجب ان يشتمل على الأدلة التي تثبت صحة الواقعة الجزائية ونسبتها للمتهم ويتعين ان يتضمن الحكم بتوقيع العقوبة نص التجريم والاسباب التي قدرت العقوبة على أساسها ويترتب البطلان على مخالفة ذلك) ومن خلال استقراء هذا النص يظهر انه قد اوجب  تضمين الحكم نص التجريم وان الجزاء المترتب على مخالفة ذلك هو بطلان الحكم الخالي من نص التجريم.

الوجه الثاني : الاسانيد والإعتبارات التي يقوم عليها مبدأ وجوب تضمين الحكم نص التجريم :

هناك اسانيد وإعتبارات كثيرة في هذا الشأن من اهمها تنزيه القاضي من الهوى والتأكيد على عدالته وحياده وتكريس مبدأ الفصل بين السلطتين القضائية والتشريعية، فوظيفة السلطة التشريعية تشريع القوانين في حين وظيفة القاضي تطبيق تلك التشريعات، غير ان اهم هذه الاسانيد هو ترسيخ مبدأ شريعة الجريمة والعقوبة الذي يقضي  بانه : لا جريمة ولا عقوبة الا بنص، إضافة إلى اهمية ذكر نص التجريم للرقابة على التزام الأحكام بنصوص القانون ومدى سلامة تطبيق الحكم لنصوص القانون.

الوجه الثالث : لا يلزم الحكم الاستئنافي ان يذكر نص التجريم اذا قضى بتأييد الحكم الابتدائي :

قضى الحكم محل تعليقنا بانه لا يلزم الحكم الاستئنافي ان يذكر في اسبابه سند التجريم طالما انه قد قضى بتأييد الحكم الابتدائي مستنداً ومعتمداً في ذلك على أسباب الحكم الابتدائي التي ورد فيها نص التجريم والاسباب التي تم تقدير العقوبة على اساسها، فعندئذ لا لزوم لتضمين الحكم الاستئنافي نص التجريم، لانه لم يخالف الحكم الابتدائي في منطوقه وتسبيبه.

الوجه الرابع : وجوب ذكر نص التجريم اذا خالف الحكم الاستئنافي الحكم الابتدائي في قضائه:

محكمة الاستئناف وان كانت اعلى درجة من المحكمة الابتدائية إلا انها محكمة موضوع وظيفتها إصلاح وتدارك أوجه القصور في الأحكام الابتدائية وإصلاح العيوب التي قد تشوبها أو الغائها اذا كان لذلك مقتضى، ولذلك نجد محاكم الاستئناف في حالات كثيرة تقضي بتشديد العقوبة أو براءة المتهم أو تخفيف العقوبة، وذلك يوجب عليها ان تذكر السند القانوني الذي جعلها تقضي على خلاف الحكم الابتدائي سواء فيما يتعلق بتشديد العقوبة أو تخفيفها أو براءة المتهم، والله علم.