اذا كان محل التنفيذ عقارا فلا يجوز حبس المنفذ ضده
أ.د. عبد المؤمن
شجاع الدين
الاستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء
الحـبس وسيلة هدفها
اجبار الممتنع عن تنفيذ الحكم لحمله على
تنفيذ الشي المحكوم به اذا تعذر التنفيذ الا عن طريق المنفذ ضده ؛ فليس الحبس غاية
او هدف, وقد كان قانون المرافعات المدنية السابق يقرر صراحة عدم جواز التنفيذ بحبس
المنفذ ضده, الا ان ذلك قد اعاق تنفيذ كثير من الاحكام القضائية وجرد التنفيذ
الجبري من طابعه الذي يتميز به من اسمه و
رسمه كونه تنفيذا جبريا , و لذلك قرر قانون المرافعات النافذ جواز استعمال الحبس
كوسيلة من وسائل التنفيذ الجبري لحمل المنفذ ضده على تنفيذ الحكم؛ وحتى لا يتم
التجاوز أو الانحراف في هذه الوسيلة الجبرية الماسة بحقوق الانسان فقد حدد القانون
ضوابط وحالات اللجوء الى هذه الوسيلة, ومع ذلك يحدث التجاوز في استعمال هذه
الوسيلة الجبرية حيث يتم تطبيقها في غير الحالات المحددة لها في القانون ؛ فهذه
اشكالية تستحق الاشارة اليها اضافة الى اشكالية تقدير وتحديد العناء الذي كان سببا
للخلاف في منازعات كثيرة فيما بين المؤجرين والمستأجرين فقد كان العناء سببا لحبس
المنفذ ضده كما سنرى؛ اضافة الى عرض
الوسيلة البديلة للحبس عند التنفيذ على العقار, فكل هذه المسائل تستحق الاشارة اليها في هذا
التعليق الموجز على الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها
المنعقدة بتاريخ 14/12/2010م في الطعن المدني رقم (40134) لسنة 1431هـ وتتلخص
وقائع هذا الحكم ان السند التنفيذي الحكم البات كان قد قضى في منطوقه (بالزام
المدعى والمدعى عليه باختيار عدلين من اهالي المحل العارفين لمعرفة وتقدير العناء
الذي يستحقه المدعى عليه في المواضيع المدعى بها والموجرة عليه وعلى المدعى عليه
اخلاء المواضع المدعى بها بعد اخراج العناء الذي سيقرره العدلان له كما يلزم
المدعي بتسليم خمسين الف ريال مبلغ الرهن الى المدعى اليه؛ وعلى المدعى عليه اطلاق
الموضع المرهون) وقد تم تذييل هذا الحكم بالصيغة التنفيذية وعند مباشرة اجراءات
التنفيذ بواسطة المحكمة المختصة التي طلبت من الطرفين المؤجر والمستأجر تعيين كل واحد منهما لخبير عدل لتقدير العناء تنفيذا للحكم سند التنفيذ الا ان
المستأجر رفض تعيين العدل المختار من قبله وابدى عدم رغبته في تسليم واطلاق
المواضع المؤجرة منه والموضع المرهون لديه, فحكمت محكمة التنفيذ (بتكليف رئيس قسم
التوثيق بالمحكمة ومدير أمن المديرية
للقيام بتنفيذ السند التنفيذي جبرا وتمكين طالب التنفيذ مما حكم له به) وقد ورد
ضمن اسباب هذا القرار (ان المحكمة بدأت في اجراءات التنفيذ بالمرور بمعية العدول
على المواضع المحكوم بها ولاحظت استحقاق المنفذ ضده للعناء واصدرت قرارا بذلك ثم
كلفت الاطراف باختيار عدولهم لتقدير ما يستحقه المنفذ ضده من العناء ومع ذلك فإن
المنفذ ضده رفض تسمية عدله المختار فقامت
المحكمة بتسمية عدل اْخر إلى جانب العدل المختار من قبل طالب التنفيذ , و كان من
العدول تقدير العناء للمنفذ ضده بمبلغ و قدره مئتان و خمس و عشرون ألف ريال ) و قد
قامت المحكمة الابتدائية بحبس المنفذ ضده
, فقام المنفذ ضده باستئناف قرار التنفيذ أمام محكمة الاستئناف التي قبلت
استئنافه و قررت ( قبول الطعن المقدم من المستأنف و إعادة ملف القضية إلى محكمة
أول درجة لاستكمال اجراءات التنفيذ طبقا لما جاء في السند التنفيذي نصا و روحا و
اتخاذ الاجراءات اللازمة في التنفيذ و التسليم الفعلي للمحكوم به لطالب
التنفيذ و لا مسوغ لحبس المنفذ ضده و بإمكان محكمة التنفيذ التنفيذ
جبرا على المواضع المحكوم بتسليمها وذلك بتمكين المحكوم له من المحكوم به بعد
اخراج العناء المستحق للمستأنف و بحسب ما نص على ذلك السند التنفيذي المطلوب
تنفيذه ) و قد ورد ضمن أسباب قرار محكمة الاستئناف أنه ( تبين أن القرار المطعون
فيه جاء مخالفا لما نص عليه السند التنفيذي محل التنفيذ و عدم استكماله لما جاء في
السند التنفيذي نصا و روحا حيث قضى بتمكين طالب التنفيذ من المحكوم به و اغفل الشق
الاْخر من السند التنفيذي و هو العناء بل أن محكمة أول درجة قد تجاوزت ما قضت به
في قرارها و قامت بحبس المنفذ ضده خلافا لمقتضي القرار مع أن المنفذ ضده رجل طاعن
بالسن و الأصل في التنفيذ أنه يكون على الأعيان و ليس على الأبدان ……ألخ ) فقام طالب
التنفيذ بالطعن بالنقض في قرار محكمة الاستئناف وذلك أمام المحكمة العليا التي
قبلت الطعن و نقضت قرار محكمة الاستئناف , و قد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا
( أنه قد تبين أن المحكمة الابتدائية قامت بتقدير العناء عن طريق العدلين بحسب ما
ورد في السند التنفيذي و لذلك فإنها لم تغفل هذا الجانب ولذلك فإن قرار محكمة أول
درجة لم يتجاهل أو يخالف ما ورد في منطوق السند التنفيذي بل أن محكمة أول درجة قد
أمرت طالب التنفيذ بإيداع مبلغ العناء المحدد في خزينة المحكمة أما حبس المنفذ ضده
فإن كان القانون يجيز ذلك في الحالات المحددة لذلك في المادة ( 364 ) مرافعات التي
يتعين مراعاتها غير أن قاضي التنفيذ لم يحالفه الصواب في منطوق قراره إذ اللازم
عليه بعد تعديل مقابل العناء أن ينتقل بمعية اطراف التنفيذ مع العدول ومعاون
التنفيذ المختص مع الحماية اللازمة الى المواضع محل التنفيذ ويقوم بتسليمها
للمحكوم له بمحاضر مع تنبيه المنفذ ضده بان أي تعرض منه لتلك المواضع التي تم
تسليمها فانه سيكون تحت طائلة قانون العقوبات باعتبار ذلك جريمة ويمكن طالب
التنفيذ من محل التنفيذ مع الاستمرار في حمايته من المنفذ ضده وغيره, لان المحكوم
له هو الأولى بحماية الشرع والقانون ورعاية قاضي التنفيذ) وسيكون تعليقنا على هذا
الحكم بحسب ما هو مبين في الاوجه الاتية:
الوجه لأول : اجراءات التنفيذ على الارض الزراعية :
من خلال مطالعة
وقائع الحكم محل تعليقنا نجد ان محل التنفيذ مواضع زراعية وليست مبان سكنية, ولذلك
فان اجراءات التنفيذ عليها اسهل من اجراءات التنفيذ على المباني السكنية لا سيما
ان كانت مشغولة بسكان وتوجد فيها منقولات, وقد حدد قانون المرافعات اجراءات
التنفيذ على العقار عامة حيث بين هذا
الحكم تلك الاجراءات التي تهدف الى تسليم الاراضي الى مالكها او المؤجر او من
يفوضه لهذه الغاية وتبدأ هذه الاجراءات بإعلان المستأجر للأرض الزراعية بالسند
التنفيذي فلا يجوز التنفيذ الجبري الا بعد مضي اسبوع على الاقل من تاريخ هذا
الاعلان حسبما ورد في المادتين (320و321) مرافعات حيث يتم اخطار المستأجر بتسليم
الارض الى المحكوم له فاذا لم يقم المنفذ ضده بالتنفيذ خلال المدة المشار اليها
اجاز القانون للقاضي ان يفرض عليه غرامة لخزينة الدولة وامهاله مدة اخرى لا تزيد
على ثلاثة ايام حسبما ورد في (358) مرافعات فاذا لم يقم المنفذ ضده بتسليم الارض
الى مالكها فعندئذ لا يقوم القاضي بحبس المنفذ ضده كما هو منصوص عليه في المادة
(359) مرافعات وانما بدلا من ذلك يجب على معاون التنفيذ ان يتوجه الى المواضع
الزراعية المراد تسليمها حيث يقوم بتسليمها الى طالب التنفيذ المؤجر في اليوم
التالي لانتهاء مدة الامهال السابق ذكرها وعلى معاون التنفيذ ان يقوم بتحرير محضر
تسليم يتضمن اسماء المواضع التي يتم تسليمها ومساحتها وحدودها بالإضافة الى ذكر
السند التنفيذي وتاريخ اعلان المنفذ ضده وامهاله حسبما ورد في المادة (371)
مرافعات واضافة الى هذه الاجراءات الواردة في القانون فقد اضاف الحكم محل تعليقنا
الى انه طالما والمنفذ ضده ممتنع عن تسليم المواضع الزراعية الى مالكها فانه ينبغي
ان يتضمن محضر التسليم تنبيه المنفذ ضده (بان أي تعرض من المنفذ ضده على أي موضع
فانه سيكون تحت طائلة قانون الجرائم والعقوبات ويعتبر اي تعرض منه جريمة ) و أضاف
الحكم محل تعليقنا: انه في حالة امتناع المنفذ ضده عن تسليم الارض محل التنفيذ
فيقوم قاضي التنفيذ بتوفير الحماية الامنية التي تمنع المنفذ ضده من التعرض للمالك
الذي استلم ارضه حسبما ورد في الحكم محل تعليقنا فلا ينبغي في هذه الحالة اللجوء
الى حبس المنفذ ضده لأنه ليس محلا للتنفيذ
كما انه يمكن التنفيذ بغير حبسه, فالحبس يكون وسيلة لحمل المنفذ ضده على التنفيذ
على سبيل الاستثناء في الحالات التي يتعذر التنفيذ فيها الا عن طريقه أي عن طريق
المنفذ ضده بشخصه وذلك في الحالات المحددة على سبيل الحصر في المادة (260) مرافعات
وهي حالة اذا كان يتعذر تنفيذ ذلك العمل
على حساب المنفذ ضده او اذا كان محل التنفيذ دينا
وليس للمنفذ ضده مال ظاهر للتنفيذ عليه وظاهر حاله اليسار, فهذه الحالات
الحصرية لم يرد من بينها التنفيذ على العقار, وبناء على ذلك فلا يجوز حبس المنفذ
ضده اذا كان محل التنفيذ العقار .
الوجه الثاني : تقدير العناء عند انتهاء العلاقة فيما بين المستأجر والمؤجر في الاراضي الزراعية :
من خلال مطالعة
الحكم محل تعليقنا نجد انه قد تناول العناء وتقديره ومدى استحقاقه وكيفية تسليمه
الى المستاجر في حالة امتناعه, فالمقصود بالعناء هو تكاليف قيام المستأجر بإحياء
الارض الصالبة المؤجرة منه او احياء الرهق التابع لها او اصلاح ما تهدم منها بسبب
لا يرجع الى المستاجر نفسه كسيل او زلزال,
او تكاليف غرس الاشجار المعمرةالتي قام بغرسهافي الارض المؤجرة او التكاليف
التي قام المستاجر بدفعها في مقاضاة المعتدين على الارض المؤجرة وليس الزرع
؛ وحتى يكون العناء منضبطا فلا بد من توفر شروط فيه من اهمها موافقة او اذن المؤجر
للمستأجر بالعمل كالغرس او البناء او الاصلاح او الاحياء او الشريعة كمايشترط في
الاعمال التي قام بها المستأجر لحساب المؤجر والتي يطلب المستاجر العناء مقابلها
يشترط ان تكون تلك الاعمال ظاهرة أي يستطيع الانسان العادي مشاهدتها ظاهرة وبادية
في العين الموجرة ؛ ولذلك نجد القاضي الابتدائي قبل ان يقرر استحقاق المستأجر
للعناء من عدمه ذهب الى المواضع لمشاهدة الاعمال التي قام بها المستأجر وفي ضوء
ذلك قرر تعيين عدلين خبيرين لتقدير تكاليف الاعمال التي قام بها المستأجر بحسب ما
هو متعارف عليه في المنطقة من حيث اتعاب العمال وملاحيقها وغير ذلك؛ لان التكاليف
تختلف باختلاف المناطق, ولا يتم اللجوء الى تقدير العناء عن طريق العدلين الخبيرين
الا اذا لم يكن هناك اتفاق سابق بين المستأجر والمؤجر على تقديرها, واذا كانت هناك
بعض الاعمال قد تم الاتفاق على
تقديرها فلا يقوم العدلان الا بتقدير تلك الاعمال التي لم يسبق تقديرها, ومن خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا نجد ان ككاساس
الخلاف وجوهره هو العناء لان المستأجر كان يريد من المؤجر ان يسلمه العناء كمبلغ
مقطوع قياسا بحالات سابقة في المنطقة يدعى بها المستأجر انها من قبيل العرف ولذلك
رفض المستأجر تسمية العدل المختار من قبله لأنه لا يريد ان يتم تقدير العناء على
اساس الاعمال التي قام بهابالفعل والظاهرة على الارض, ولهذا السبب فان المستاجر قد
رفض استلام العناء الذي قدره العدلان وتم ايداعه في صندوق المحكمة؛ والله اعلم.