اثر التوثيق على المحررات
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
يصبغ القانون على
المحررات الموثقة الحجية الثبوتية بإعتبارها محررات رسمية نتيجة لتوثيقها، والحكم
محل تعليقنا تناول حجية التوثيق وتأثيره على المحررت التي يتم توثيقها اضافة توثيق
المحررات في قسم التوثيق غير المختص مكانيا، ولذلك فقد اخترنا التعليق على الحكم
الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 28/1/2013م
في الطعن المدني رقم (46734) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان احد الاشخاص
تقدم أمام المحكمة الابتدائية بدعوى طلب فيها الغاء المحرر الذي تم توثيقه لدى قسم
التوثيق غير المختص مكانيا الذي تقع الارض التى تضمنها خارج نطاق اختصاصه،حيث قام
احد الاشخاص بالتوقيع على محرر وتوثيقه نيابة عن افراد عشيرته وقد تضمن هذا المحررتصالح افراد العشيرة
عن ربع الارض المملوكة للعشيرة مقابل اتعاب للشخص الذي عامل على استخراج الارض
لصالح العشيرة، وقد افاد المدعون بان المدعى عليه قد بالتوقيع على ذلك المحرر
وتوثيقه مع انه لم يكن لديه توكيل من افراد عشيرته كما انهم لم يوقعوا على المحرر
ولم يحضروا عند توثيق المحرر، وقد توصلت المحكمة الابتدائية إلى الحكم برفض
الدعوى، وقد ورد في أسباب الحكم الابتدائي (فتوثيق المحرر صحيح لان مقدم الطلب
يحمل توكيلاً من آل ... ويعد المحرر صحيحاً قانوناً لانه موثق وان الشخص الذي وقع
على المحرر وكيل لآل ...) فلم يقبل المدعون بالحكم الابتدائي فقاموا باستئنافه
فقبلت الشعبة المدنية الاستئناف وقضت بالغاء الحكم الابتدائي والغاء المحرر الذي
تم توثيقه ، وقد ورد في أسباب الحكم الاستئنافي ( أنه تبين للمحكمة أن موضوع
النزاع هو أرض تقع ضمن اختصاص محكمة اخرى
غير تلك المحكمة التي يتبعها قلم التوثيق الذي قام بتوثيق المحرر المشار اليه،
ولذلك كان يتوجب على محكمة أول درجة قبول الدعوى والغاء المحرر لمخالفة قلم
التوثيق للاختصاص المكاني المحدد، ولذلك فان الواجب على محكمة الاستئناف تصحيح خطأ
محكمة أول درجة) فلم يقبل المستأنف ضده بالحكم الاستئنافي فقام بالطعن فيه بالنقض
فقبلت الدائرة المدنية الطعن ونقضت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم
المحكمة العليا (فقد وجدت الدائرة أن أسباب الطعن المذكورة في العريضة مؤثرة حيث
قضى الحكم الاستئنافئي بالغاء محرر مضت على تاريخ تحريره اكثر من ثماني عشرة سنة
كما أن الاختصاص المكاني ليس من النظام العام، وما اشار اليه الحكم من عدم اختصاص
قسم التوثيق بتوثيق المحرر والغاء الحكم بسبب ذلك لا مبرر له لان المصادقة على أي
محرر انما لغرض المصادقة والتعريف بخط كاتبه فالمعوّل عليه هو مضمون المحرر ومدى
توفر اركانه وشروطه ومدى موافقته للشرع والقانون أما مجرد التوثيق فلا يصبح باطلاً
فكان يجب على محكمة الاستئناف أن تعمل نظرها فيما يتعلق بسلامة المحرر محل النزاع
من الناحية الشرعية والقانونية) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في
الأوجه الأتية :
الوجه الأول : ماهية
توثيق المحررات والتصديق عليها :
عرفت المادة (2) من
قانون التوثيق عرفت التوثيق بأنه : تقييد
وتدوين الموثق للمحررات في السجلات المعدة لها بعد التصديق عليها واستيفاء الرسوم
المقررة واثبات تاريخ ورقم القيد على المحرر وختمه بخاتم قلم التوثيق وفقاً لأحكام
قانون التوثيق، وكذا فقد عرفت المادة (2) من القانون ذاته عرفت التصديق على المحرر
بأنه : تأشير الموثق على صحة توقيع الأمين في المحررات المحررة من قبله والتحقق من
صحة توقيعات ذوي العلاقة في المحررات العرفية وعلى الاعتراف بمضمونها تمهيداً
لتوثيقها، ومن خلال سياق تعريف القانون للتصديق والتوثيق نجد أن التصديق مرحله تمهيدية سابقة للتوثيق ،فالمصادقة سابقة
على التوثيق، كما يظهر لنا من هذا التعريف شكلية المصادقة والتوثيق حيث انها عبارة
عن إجراءات شكلية تتناول شكليات المحرر المطلوب توثيقه من حيث التأكد من توقيع وختم الأمين الشرعي
الذي قام بانشاء المحرر أو التأكد من توقيعات الاشخاص على المحررات العرفية ومدى
موافقتهم على مضمونها، ولان تعريف التصديق والتوثيق قد اهتم بالجانب الشكلي فقط
لتوثيق المحرر لذلك فقد بينت المادة (9) من قانون التوثيق الجوانب الموضوعية
للتوثيق أو التوثيق الموضوعي الذي يتناول مضمون أو موضوع المحرر حيث أوجبت المادة
(9) على الموثق أن يتأكد من ملكية المتصرف ومن وثيقة ملكيته، وما اذا كانت مسجلة
بالسجل العقاري أو قد تم توثيقها واشترطت هذه المادة على الأمين تلاوة مضمون
المحرر على اطرافه وقررت المادة المشار اليها أنه اذا لم يكن محرر الملكية مسجل أو
موثق فلا يتم انشاء المحرر الا لدى قسم التوثيق المختص الذي تتوفر لديه البيانات
والمعلومات والامكانيات والخبرات اللازمة للتأكد من صحة وسلامة المحرر المطلوب
توثيقه في هذه الحالة.
الوجه الثاني :
الاختصاص المكاني لاقسام التوثيق :
اشار الحكم محل
تعليقنا إلى عدم وجوب الاختصاص المكاني لأقسام التوثيق وأنه لا يترتب على توثيق
المحرر في قسم التوثيق الذي لا يقع العقار ضمن نطاق اختصاصه المكاني لا يترتب على
ذلك ابطال المحرر أو ابطال التوثيق ذاته، لان تقسيم اقسام التوثيق على مناطق
جغرافية محددة امر تنظيمي علاوة على ان التوثيق ليس ركناً أو شرطاً في العقد الذي
يتم توثيقه، ومع ذلك فان الالتزام بالاختصاص المكاني لاقسام التوثيق له أهمية قصوى
في تحقيق الاهداف المتوخاة من توثيق المحررات ومن ابرزها استقرار التصرفات
والمعاملات، لان كل قسم توثيق تتوفر لديه البيانات والمعلومات اللازمة في النطاق
المكاني له فعند توثيق المحرر في غير قلم التوثيق المختص لا تتحقق الاغراض
والاهداف المتوقعة من التوثيق بل أنه يجعل عملية التوثيق عشوائية إلى حد ما.
الوجه الثالث : حجية
التوثيق للمحررات :
حدد قانون التوثيق
كيفية التوثيق واجراءاته والموظفين المختصين بالقيام بالتوثيق على النحو السابق
بيانه في الوجه الأول، وبموجب ذلك فان توثيق المحررات الموثقة قد قام به الموظف
المختص قانونا مما يجعل المحررات الموثقة محررات رسمية لها حجيتها القانونية
الثبوتية بمقتضى احكام المادتين (98 و 100) من قانون الإثبات.
الوجه الرابع : وجوب
تطوير اقسام التوثيق وتدريب الموثقين :
من خلال مطالعة
الأوجه السابقة تظهر أهمية التوثيق بإعتباره حجر الاساس في الإصلاح والتطوير
القضائي وتجفيف منابع النزاعات والخلافات التي تتكدس ملفاتها أمام القضاء والتي
تؤثر سلباً على السلم الاجتماعي، وقد اشترط قانون التوثيق أن يكون الموثق والأمين
عالمين بالعقود والتصرفات التي يحررها أو يوثقها، والله اعلم.
الأسعدي للطباعة ت : 772877717