وجوب إثبات ملكية المؤرث قبل القسمة

 

وجوب إثبات ملكية المؤرث قبل القسمة

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

عند حصر التركات يقدم كل واحد من الورثة كشفاً بأموال التركة دون ان يرفق به المستندات والادلة التي تدل على ملكية المورث لتلك الأموال، وفي بعض الأحيان يدعي بعض الورثة على بعضهم  بإخفاء بعض أموال التركة خاصة عندما ينشب الخلاف بين الورثة، فقد سمعت باذني احد الورثة يدعي ان وارثا آخرا قد اخفى صفيحة من الجنيهات الذهبية التي  كان يدخرها مورثهما،كما سمعت من وراث آخر في قسمة أخرى أنه ادعى انه كان لأبيه مسدس من الذهب الخالص اهداه لابيه ملك الأردن!!! وآخر ادعى على اخيه بانه اخفى عشرين مليون مارك الماني!!!! ولاريب ان هناك مخاطر واضرار وفتن عظيمة تترتب على حصر أموال التركة دون التأكد أولاً بما لا يدع مجالا للشك من ملكية المورث لتلك الأموال قبل حصرها وقسمتها بين الورثة، وقد اشار الحكم محل تعليقنا إلى هذه المسألة المهمة، فالحكم محل تعليقنا هو الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 13/1/2009م في الطعن رقم (32812) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان احد الورثة تقدم امام المحكمة الابتدائية يطلب قسمة قضائية لتركة المورث وارفق بالدعوى كشفاً يتضمن أموال التركة المطلوب قسمتها وقد انكر المدعى عليهم ملكية المورث لبعض المواضع المذكورة في الكشف فعجز المدعي عن إثبات ملكية المورث لتلك المواضع مع ان المحكمة الابتدائية قد منحت المدعي المدة الكافية لذلك، وبموجبه حكمت المحكمة الابتدائية بعدم قبول الدعوى فيما يتعلق بالمواضع المشار اليها فقام المدعي باستئناف الحكم حيث قبلت الشعبة الشخصية الاستئناف وقضت بإلغاء الحكم الابتدائي، وقد ورد في اسباب الحكم الاستئنافي (ان الأصل في هذه الدعاوى ان ملكية المواضع المتنازع عليها هي لمورث المدعين ومن يدعي عكس ذلك واختصاصه بها أو احد اسلافه غير المورث المطلوب قسمة تركته فيقع عليه عبء الإثبات بإبراز مستندات الاختصاص سواء اكانت فصول قسمة أو بصيرة شراء أو وصية ...الخ، وقد كان من الشعبة الزام من حضر من المستأنف ضدهم عن مستندات ثبوتهم فتهربوا) فلم يقبل المستأنف ضدهم بالحكم الاستئنافي فقاموا بالطعن فيه بالنقض فقبلت الدائرة الشخصية الطعن وقضت بنقض الحكم الاستئنافي، وقد ورد في اسباب حكم المحكمة العليا (ومن حيث الموضوع وبعد الرجوع إلى أوراق القضية تجد الدائرة ان ما ينعي به الطاعن من ان الشعبة اخطأت باستنادها على نص المادة (15) إثبات مع ان المطعون ضده لم يقدم امام المحكمة الابتدائية ما يدل على الثبوت والملك المورث وحيث رد المطعون ضده بما يشير إلى  انه  لم يذكر وقت ثبوت المورث على المدعى به  وسبب وضع اليد على ذلك المال، وبعد الدراسة والمداولة فقد تبين للدائرة ان الحكم المطعون فيه جاء مخالفاً للمادة (15) إثبات التي نصت على انه لا تسمع الدعوى بملك المورث إلا بذكر موته   مالكاً أو ذا يد، وبما ان المدعي امام المحكمة الابتدائية وبعد اعطائه المهلة الكافية لم يقدم الدليل على الثبوت والملك للمؤرث فان ما استند عليه الحكم الاستئنافي قد جانب الصواب وان الطعن قد تحققت فيه حالة من حالات الطعن بالنقض مما يجعله مقبولاً) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : السند القانوني للحكم محل تعليقنا :

استند الحكم إلى المادة (15) إثبات التي نصت على انه (لا تسمع الدعوى بملك المؤرث إلا بذكر موته مالكاً أو ذا يد) فهذا النص صريح في عدم قبول الدعوى بملكية المؤرث أو ثبوته وحيازته لأي من الأموال التي صارت تركة للورثة إلا بتقديم البراهين والأدلة التي تدل على ان المؤرث قد مات وهو مالك للأموال بموجب مستندات تدل على ذلك أو كان ثابتاً وحائزاً حيازة شرعية صحيحة لتلك الأموال التي صارت بعد موته تركة قابلة للقسمة بين ورثته، كما أن النص صريح في تحديد الخصم الذي يجب عليه الإثبات وهو كل من يدعي ان هذا المال أو ذاك من أموال التركة، إضافة إلى ان النص صريح في منع سماع الدعوى أي عدم قبولها اذا لم يقدم المدعي الادلة التي تؤيد دعواها بان المال المدعى به كان مملوكاً للمؤرث او كان المورث حائزاً وثابتاً عليه فصار من جمله التركة.

الوجه الثاني : وجوب التحقق من ملكية المؤرث أو ثبوته عند حصر تركته :

دلالة الاقتضاء في المادة (15) إثبات السابق ذكرها تدل على وجوب التحقق من ملكية المؤرث أو ثبوته على المال حتى تاريخ موته، ويكون هذا التحقق عن طريق الوقوف على مستندات  ملكية المؤرث كالبصائر والفصول والوقفيات والوصايا والنذور والهبات والعطايا والنحل...الخ حيث يجب على القسام دراسة تلك الوثائق والتأكد من انها تنطبق تماما على الأموال المطلوب ادراجها في كشف حصر اموال التركة، وكذا ينبغي التحقق من ثبوت المؤرث على المال حتى تاريخ وفاته بالنسبة للأموال غير المذكورة في مستندات ملكيته ويتم التحقق من ذلك عن طريق معرفة تاريخ الثبوت ووقته وسبب الثبوت وشرعيته وعدم معارضة الغير للمؤرث فيه حتى موته والتأكد مما اذا كان المال الذي ثبت عليه المورث عليه بطريقة شرعية وانه لم يصل إلى يد المؤرث عن طريق البسط والغصب لأرض الدولة أو الوقف او التهبش والبلطجة على أموال الناس وهناك قرائن كثيرة يستدل بها على الثبوت  عند حصر التركة ولا يتسع المجال لذكرها في هذا التعليق الموجز.

الوجه الثالث : المخاطر والاضرار والفتن المترتبة على عدم التحقق من ملكية المؤرث أو ثبوته على أموال التركة حتى وفاته :

تتمثل هذه المخاطر والاضرار والفتن في امور كثيرة من اهمها فتح باب واسع للنزاعات فيما بين الورثة بعضهم بعضاً وفيما بين الورثة والغير الذين قد يتم إدراج اموالهم ضمن أموال التركة، لان كل واحد من الورثة يتمسك بالأموال الصائرة لهم بعد القسمة والمذكورة في فصله  حيث  يقوم الوراثة بتسجيل فصولهم في السجل العقاري وفقاً لقانون السجل العقاري حتى تكون لها الحجية في مواجهة الكافة وحتى يتحلل الورثة من قاعدة (الفصول حجة فيما بين الورثة فقط) وساحات المحاكم تشهد ان نزاعات كثيرة سببها عدم صحة الأموال المذكورة في فصول الورثة بسبب عدم تحقق القسام من ملكية المورث لها ، كما يترتب على عدم التحري والتحقق من ملكية المؤرث وثبوته جعل القسمة عرضة للنقض في أي وقت فضلاً عن ان المراكز القانونية للورثة تكون غير ثابتة.

الوجه الرابع : مسئولية القسام عن عدم التحري والتحقق من ملكية المؤرث وثبوته لأموال التركة :

على القسام ان يذكر في وثائق القسمة بانه قد قام بالتحري والتحقق من ملكية المورث لاموال التركة وانه قد بذل وسعه في هذا الشان في ضوء المستندات المقدمة اليه من الورثة وإفاداتهم وفي ضوء مصادقات الورثة واتفاقاتهم حتى  لا يكون القسام عرضة للمسائلة القانونية عن اهماله وتفريطه في واجبه، والله اعلم.