إمتناع الموظف عن تقديم مستندات الصرف
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
مستندات الصرف هي المؤيدات التي تدل على مدى قانونية صرف او تحصيل
المبالغ المالية ومدى صحة الصرف والتحصيل وسلامته، ولذلك فأن إمتناع الموظف عن
تقديم المستندات يكون دليلا على عدم قانونية الصرف او التحصيل وعندئذ يكون الموظف
الممتنع مرتكباً لجريمة أخرى مثل الاختلاس أو خيانة الأمانة أو غير ذلك من جرائم
الأموال ، ولأهمية هذا الموضوع فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة
الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 23/1/2013م في الطعن الجزائي
رقم (45857) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم أن النيابة العامة أتهمت
أحد القائمين على أحد مشاريع المياه في أحدى المدن الثانوية أنه امتنع عن تقديم
مستندات مصروفات قطع غيار ومرتبات ومكافآت كما أمتنع عن ابراز المستندات الخاصة
بالمبالغ المالية المتأخرة لدى المشتركين البالغة مليونين وخمسمائة الف ريال وكذا
الامتناع عن ابراز الوثائق والمستندات
الخاصة بإيرادات ومصروفات المشروع للفترة من شهر ابريل 2003 حتى نهاية
العام إضافة إلى هروب المتهم من الحبس وطلبت النيابة من المحكمة معاقبة المتهم
بالعقوبات المقررة قانونا، وقد تزصلت المحكمة الابتدائية الى ادانة المتهم بجريمة
خيانة الأمانة وحبسه ثلاثة أشهر والزامه بدفع المبالغ التي لم يقدم المستندات
الدالة على قانونية الصرف لتلك المبالغ لان المبالغ تظل بعهدته طالما ولم يقدم مستندات صرفها بطريقة قانونية، فلم يقبل المتهم
بالحكم الابتدائي فقام باستئنافه إلا أن الشعبة الجزائية قضت بتأييد الحكم
الابتدائي، فلم يقنع المتهم بالحكم الاستئنافي فقام بالطعن فيه بالنقض إلا أن
الدائرة الجزائية رفضت الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد جاء في حكم المحكمة
العليا (بالرجوع إلى الأوراق مشتملات الملف فقد نعى الطاعن على الحكم المطعون فيه
أنه لم يناقش استئنافه الذي ساق الأدلة التي تؤكد صحة صرف المبالغ الواردة في
تقرير المحاسب القانوني وتلك التي تدل على المبالغ المحصلة، حيث اعتمد الحكم
اعتماداً تاماً على التقرير المشار اليه وبموجبه رفض الاستئناف من غير أن ينظر فيه
أو يناقش الوقائع والاسانيد الواردة فيه، والدائرة تجد ان امتناع الطاعن عن تقديم المستندات المطلوبةثابت، اما
ماورده في طعنه فهو عبارة عن اثارة وقائع موضوعية خاضعة للسلطة التقديرية لمحكمة
الموضوع لاتخضع لرقابة المحكمة العليا)
وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : مستندات الصرف والتحصيل في القانون والنظم المالية :
يحدد
القانون المالي وقانون تحصيل الأموال العامة والنظم المالية والمحاسبية مستندات
الصرف والتحصيل التي يجب تحريرها واستعمالها في عمليات الصرف والتحصيل التي يستدل
منها على أن الصرف أو التحصيل قد تم وفقاً للإجراءات القانونية المحددة في القانون
والنظم المالية والمحاسبية المعتمدة، فاذا لم يقم الموظف بتقديم تلك المستندات
التي اشترطها القانون فان ذلك يعني أن الموظف قد تصرف في تلك الأموال بطريقة
مخالفة للقانون وبمعنى أخر فأن الموظف يكون قد ارتكب جريمة الاختلاس أو خيانة
الأمانة مثلما حصل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا.
الوجه الثاني : إمتناع الموظف عن تقديم المستندات بين الجريمة والمخالفة :
إمتناع
الموظف عن تقديم المستندات قد يتم تكييفه على أنه جريمة اختلاس أو خيانة امانة
مثلما سبق بيانه اذا لم تكن الأموال التي تم تحصيلها او صرف قيمتها غير موجودة في
الواقع، لان عدم وجود هذه الأموال يدل على أن الموظف الممتنع قد اختلسها ، أما اذا
كانت هذه الأموال موجودة ولكن المستندات الدالة على كيفية تحصيلها أو صرفها غير
موجودة أو ناقصة أو غير نظامية فأن هذا الفعل يعد مخالفة مالية تستوجب المسائلة
الادارية والتأديبية لمخالفة الموظف في هذه الحالة للإجراءات والمستندات المحددة
قانوناً للتحصيل اوالصرف.
الوجه الثالث : إمتناع الموظف عن تقديم المستندات وتضليل العدالة :
وردت في
قرار الاتهام عبارة أن المتهم بامتناعه عن تسليم المستندات قد ترتب عليه تضليل العدلة، وربما أن مقصد النيابة من ذلك هو
امتناع المتهم عن تقديم المستندات والوثائق وكشوفات الحساب والفواتير المتضمنة
البيانات والمعلومات اللازمة عن القضية
فحجب معلومات وبيانات القضية من شأنها تضليل العدالة عن معرفة ملابسات القضية وتفاصيلها حتى يكون الحكم فيها
عنواناً للحقيقة، وقد نصت المادة ( 183) عقوبات على أن (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد
على سنتين : -2- من اخفى اشياء متحصلة من جريمة أو استعملت فيها مع علمه ذلك)،وقد
لاحظنا ان الحكم محل تعليقنا لم يعاقب المتهم على جريمة اخفاء المستندات المشار
اليها وانما عاقبه على الجريمة المترتبة على الاخفاء وهي خيانة الامانة وهذا
المسلك سديد، حيث ان معاقبة المتهم بعقوبة الاخفاء يكون في حالة تعلق الوثائق
المخفية بجريمة ارتكبها غير الشخص الذي يخفي الوثائق او في الحالة التي لايترتب
على الاخفاء ذاته جريمة، والله اعلم.