الحكم على شركة التأمين في الحادث المروري
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
كان
قانون التأمين الالزامي من المسئولية المدنية الناشئة عن حوادث السيارات من اقدم
القوانين اليمنية التي صدرت في عصر دولة الوحدة حيث صدر برقم (30) بتاريخ
10/4/1991م ومع أن هذا القانون قد قضى بالعمل به من تاريخ صدوره وتم نشره في
الجريدة الرسمية في حينه ، إلا أنه لم يتم تطبيقه أو تنفيذه في الواقع لأسباب
وإشكاليات ليست محل تعليقنا مع اهمية هذا القانون ودوره في معالجة اثار الحوادث
المرورية وماتخلفه من اصابات واضرار ولعجز المتسببين في الحوادث عن مواجهة اثارها، ولكثرة الحوادث
المرورية ولكثرة الإشكاليات الإجرائية والقانونية التي يثيرها الحكم على شركة
التأمين بتعويض المضرور من الحادث المروري لذلك اخترنا التعليق على الحكم الصادر
عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 15/4/2009م في
الطعن الجزائي رقم (35392) لسنة 1430هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا
الحكم أن النيابة العامة قدمت أمام المحكمة سائقين تسببا بخطائهما المشترك في وقوع
حادث مروري الحق اضرارا بسيارتيهما وانحرافهما إلى كشك على جانب الطريق فأتلفتا
الكشك ومحتوياته وبتر ساق الشخص الجالس جوار الكشك، فحكمت محكمة المرور بإدانة
السائقين والزام كل واحد منهما بدفع عشرين الف ريال إلى الخزينة العامة كعقوبة في
الحق العام وتحميل احد السائقين بالمسئولية المدنية عن الاضرار المترتبة عن الحادث
بنسبة 70% وإلزام شركة التأمين على سيارته بدفع 70% من تعويض الاضرار الناجمة عن
الحادث وهي مبلغ ثمانمائة وتسعون يورو قيمة الرجل الصناعية ومليون ومائة وثلاثون
ألف ريال تكاليف إصلاح السيارتين والكشك وما كان في الكشك من منقولات، فلم تقبل
شركة التأمين بهذا الحكم فقامت باستئنافه، فحكمت الشعبة الجزائية بعدم قبول
الاستئناف لتقديمه بعد مضي الميعاد المقرر قانوناً وصيرورة الحكم الابتدائي
نهائياً، فلم تقنع شركة التأمين بالحكم الاستئنافي فقامت بالطعن فيه بالنقض وقد
جاء في اسباب طعنها (أن محكمة الاستئناف قد اخطأت في تطبيق القانون عندما حكمت بأن
الاستئناف المقدم من شركة التأمين قد تم تقديمه بعد فوات الميعاد مع أن الشركة لم
تكن حاضرة يوم النطق بالحكم وأن شركة التأمين لم تستلم نسخة الحكم الا بعد مضي
المدة إضافة إلى أن الحكم كان له جانب مدني وجانب جنائي وأن الميعاد فيما يتعلق
بالجانب المدني كان لا زال قائماً علماً بأن الشركة كانت قد استأنفت الجانب المدني
من الحكم، إلا أن الدائرة الجزائية رفضت الطعن وقررت اعتبار الحكم الاستئنافي
باتاً واجب النفاذ لتقديم الطاعنة للطعن بعد مضي الميعاد) وسيكون تعليقنا على هذا
الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : توصيتنا بتنفيذ قانون التأمين الالزامي :
مع
أن قانون التأمين الالزامي قد صدر عام 1991م إلا أنه لم يجد طريقه للتنفيذ لأسباب كثيرة مع أهمية
تطبيقه لمعالجة ومواجهة الاثار التي تنجم عن حوادث السير والتي يعجز غالب المتسببين بوقوع الحوادث المرورية يعجزون معالجة ومواجهة
الاثار المترتبة عن تلك الحوادث مثل دفع
تكاليف العلاج وإصلاح السيارات ودفع الاروش والتعويضات لان مواجهة اثار الحوادث
المرورية تحتاج الى تدخل سريع بعد الحادث مباشرة من جهة لها القدرة المالية
والفنية للتعامل مع الاثار التي تخلفها الحوادث المرورية، فلو كان هذا القانون نافذاً لما امتلأت السجون
بالسجناء المعسرين عن دفع الديات والأروش والتعويضات وغيرها، لو كان هذا القانون
نافذا لتم اسعاف المصابين ومعالجتهم بيسر وسهولة: ولذلك فإننا نوصي بتنفيذ هذا
القانون الذي ظل حبيس الادراج لمدة تصل إلى ثلاثين سنة لما لذلك من فوائد سياسية
واجتماعية واقتصادية وأمنية لاسيما في الظروف الحالية التي تمر بها البلاد.
الوجه الثاني : وضع التأمين على السيارات في اليمن
نتيجة
لعدم تطبيق قانون التأمين الالزامي على السيارات فان قلة قليلة من السيارات يتم
التأمين عليها لدى شركات التامين اختياراً من قبل بعض الجهات او الافراد الذين
يملكون تلك السيارات مثل الشركات والمؤسسات والبنوك الخاصة والسفارات ورجال
الأعمال بالاضافة الى السيارات الحكومية، اما باقي السيارات التي تشكل اكثر من 90/من
السيارات فلا يتم التأمين عليها، والتأمين الاختياري على السيارات يتم بموجب وثيقة أو عقد تأمين نموذجي تعده شركة
التأمين ويتضمن بنود وملحقات كثيرة وحالات اعفاء كثيرة لشركة التامين منها اشتراط
عدم مخالفة تعليمات وإرشادات المرور وصيانة السيارة وعدم تمكين الغير من قيادتها وجوب
إبلاغ شركة التأمين فور وقوع الحادث وغيرها من الشروط والاعفاءات والاستثناءات
التي تضيق من نطاق فوائد التأمين على السيارات، ولذلك فان التأمين الاختياري على
السيارات المتبع حاليا لا يحقق العوائد والفوائد التي يحققها التأمين الالزامي.
الوجه الثالث : نطاق التأمين الاختياري على السيارات السائد في اليمن:
يتحدد نطاق التأمين
الاختياري على المسئولية المدنية دون المسئولية الجزائية التي تعد شخصية يتحملها
الجاني وحده وفقا لاحكام الشرع والقانون، ويدور في اليمن جدل فقهي واسع بشأن مدى
جواز التأمين على الديات والاروش الناجمة عن حوادث السيارات، لان الديات والاروش
عقوبات حسبما قرر قانون الجرائم والعقوبات إلا اننا نختار القول الذي يذهب الى
جواز التأمين على ذلك بمسمى المسئولية المدنية عن حوادث السيارات الذي يشمل التعويض عن حوادث السيارات فيشمل هذا
التعويض ديات القتلى والمصابين جراء حوادث
السيارات (التشريع الجنائي، أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين، ص142).
الوجه الرابع : صفة شركة التأمين على السيارات في دعاوى حوادث السيارات :
تتحدد اطراف الدعوى الجزائية في حوادث السيارات في النيابة العامة التي تمثل طرف الادعاء ويمثل الطرف الاخر في الدعوى الجزائية سائق السيارة المتهم وتبعاً لذلك فلا مكان لشركة التأمين في الدعوى الجزائية، حيث تتحدد صفة شركة التأمين على السيارات في الحلول محل المؤمن له صاحب السيارة ،حيث يقرر قانون التأمين وعقد التأمين أن شركة التأمين هي المسئولة مدنيا عن الحادث الذي تتسبب فيه السيارة المومن عليها كما ان شركة التامين تحل محل مالك السيارة في الدفاع عن موقفه من الحادث والمطالبة بحقوقه لأنها ستكون الملزمة بدفع التعويضات ،ولذلك فان لها الصفة والمصلحة في ان تمثل أمام محكمة المرور والشعبة الجزائية والدائرة الجزائية للدفاع عن نفسها وعن حقوق ومصالح صاحب السيارة والمطالبة بحقوقه المترتبة على الحادث المروري، ولذلك لاحظنا أن الحكم الابتدائي لم يحكم بالتعويضات على المتهم وإنما على شركة التأمين، والله اعلم.