المستحقون لمعاش المتوفى


المستحقون لمعاش المتوفى

أ.د.عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء

قوانين التأمينات والمعاشات مثل غيرها من القوانين تتضمن قواعد قانونية عامة ومجردة يتم تطبيقها على ملايين الأشخاص والوقائع المختلفة والمتباينة، ولاشك أن تطبيق القواعد القانونية على هذا النحو يثير إشكاليات واقعية كثيرة، إضافة الى أن تطبيق القواعد القانونية في قوانين التأمينات والمعاشات يتصل بقانون الأحوال الشخصية وهذا الأمر يثير إشكاليات أخرى، علاوة على أن تطبيق قواعد التأمينات والمعاشات في اليمن حديث نسبياً ولذلك يصعب على الكثيرين القبول بأحكام المعاشات والتأمينات المقررة في قوانين التأمينات لأن المجتمع اعتاد على النظرة الى أن كل ما يتركه المتوفي يكون تركة ينبغي أن يتم تقسيمها على وفق أحكام المواريث في الشريعة الإسلامية، فإذا كانت هذه الإشكاليات تحدث عند تطبيق احكام التأمينات في الجهاز الإداري والقطاعات العامة والمختلطة والخاصة في السلك المدني عامة فأن هذه الإشكاليات  تكون أكثر اتساعاً عندما يتعلق الأمر بتطبيق أحكام التأمينات والمعاشات في السلك العسكري لكثرة الوفيات في هذا السلك بسبب الحروب والصراعات، ولذلك فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 13/2/2011م في الطعن الشخصي رقم (41599) لسنة 1431ه وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم في أن أحد ضباط الجيش مات وترك عائلة كان يعولها في أثناء حياته وهم ابنته وزوجته وأمه فحصل الخلاف بين هؤلاء على المعاش التقاعدي لمورثهم المتوفى  حيث تسبب هذا الخلاف في قيام وزارة الدفاع  بإيقاف صرف المعاش حتى يتم الفصل في الخلاف ثم انتقل الخلاف إلى المحكمة الابتدائية المختصة حيث طلبت الزوجة وهي موظفة   تتقاضي راتبا خاصا بها طلبت الحكم لها بنصيبها الشرعي من معاش زوجها المتوفى  كما ان  البنت المتزوجة حديثا طلبت من المحكمة الحكم لها بنصيبها  الشرعي في معاش والدهاالمتوفي وذكرت الزوجة أنه يجوز لها الجمع بين معاشها الخاص بها ونصيبها من معاش زوجها المتوفي وفقاً للتعديل الذي تم في قانون التأمينات، وقد توصلت المحكمة الابتدائية إلى الحكم (بقبول دعوى الزوجة والأبنة لوجود ما يبررها شرعاً وقانوناً وتقسيم المعاش الشهري للمرحوم بين المستحقين لذلك وهم أمه عشرون ألف ريالا وزوجته عشرون ألف وما تبقى من المعاش يكون من نصيب إبنة المرحوم) وقد ورد ضمن أسباب الحكم الابتدائي (استناداً إلى المادة (60) مكرر من القانون (25) لسنة 1991م بشأن التأمينات والمعاشات وتعديلاته وقرار مجلس الوزراء رقم (252) لعام 2007م، وحيث تبين بأن المدعيتين (الزوجة والأبنة) قد احضرتا نسخة من القانون رقم (25) لسنة 1991م الخاص بالتأمينات والمعاشات وتعديلاته الذي أجاز  للزوج والزوجة الجمع بين معاشه والمعاش التقاعدي للزوج أو الزوجة) فلم تقبل أم المتوفى بالحكم الابتدائي حيث قامت باستئنافه فقبلت محكمة الاستئناف ذك فقضت بإلغاء الحكم الابتدائي بكامل فقراته واستحقاق أم المتوفى لكامل معاش ابنها المتوفى من تاريخ زفاف البنت مع محاسبة البنت بحصتها نصف معاش والدها المتوفى من تاريخ وقف المعاش حتى تاريخ زفافها) فلم تقبل الزوجة أو الأرملة بالحكم الاستئنافي فقامت بالطعن بالنقض إلا أن المحكمة العليا رفضت الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي وقد ورد في أسباب حكم المحكمة العليا ( وبعد الاطلاع على الحكم الابتدائي وما تعقبه لدى محكمة الاستئناف وحكمها بإلغاء الحكم الابتدائي واستحقاق أم المتوفى لكامل معاش ابنها من تاريخ زفاف ابنة المرحوم فقد وجدت الدائرة أن حكم الاستئناف هو الموافق من حيث النتيجة لأحكام القانون رقم (33) لسنة 1992م بشأن المعاشات والمكافآت للقوات المسلحة والأمن المنظم لهذه المسألة ولا استناده إلى أحكام المادتين (288) مرافعات و(150) أحوال شخصية) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب ما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول : محل النزاع في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا :

محل النزاع بحسب ما ورد في دعوى أرملة المتوفي وأبنته يتلخص في مسألتين المسألة الأولى: مدى استحقاق بنت المتوفي بعد زواجها لنصيبها من معاش ابيها، والمسألة الثانية: مدى استحقاق الأرملة لنصيبها من معاش زوجها المتوفي إذا كان لها معاش آخر، حيث من الثابت في وقائع الحكم أن أساس دعوى البنت أنها تستحق نصف معاش أبيها المتوفي لأن نصيب البنت هو النصف وفقاً لقواعد المواريث الشرعية وأن هذا الحق لا يسقط بزواجها، في حين كان أساس دعوى أرملة المتوفى أن هناك تعديل قانوني يجيز لها أن تجمع بين معاشها ونصيبها من معاش زوجها المتوفي لأن قانون المعاشات في القوات المسلحة يصرح بعدم جواز أن يجمع المنتفع بين معاشه وأي معاش آخر.

الوجه الثاني : المركز القانوني للبنت المتزوجة :

يتحدد هذا المركز بموجب الفقرة (ب) من المادة (42) من قانون المعاشات والمكافآت لمتقاعدي القوات المسلحة حيث تنص هذه المادة على أنه (يوقف صرف المعاش للمستحق عن المنتفع أو صاحب المعاش بالوفاة في الأحوال الآتية: ب- بالنسبة للإناث: عند الالتحاق بعمل تحصل منه المستحقة على معاش كذلك يوقف صرف المعاش في حالة الزواج وإذا ترملت المستحقة أو طلقت يعاد صرف استحقاقاتها) ومن خلال استقراء هذا النص نجد أنه قد قرر أن معاش الأنثى مطلقاً سواء أكانت بنتاً أم أرملة أم أماً أم أختاً وغير ذلك يتوقف في حالة زواجها أو حصولها على وظيفة تدر عليها راتباً أو معاشاً منتظماً، وقد قرر النص القانوني السابق (وقف المعاش) وليس (سقوط المعاش) فذلك يعني بقاء الحق وليس إعدامه أو سقوطه لأن المعاش الموقوف يعاد صرفه إذا تطلقت الأنثى أو فقدت معاشها المنتظم.

وبتطبيق هذه الأحكام على البنت المدعية نجد أنها قد تزوجت ولازالت في كنف الزوجية ولذلك فأن نصيبها من معاش أبيها المتوفى موقوف طالما وحياتها الزوجية باقية، وبالنسبة للفترة السابقة ليوم زفافها فأنها تستحق نصيبها من معاش أبيها المتوفى قبل زفافها، لأنها لم تزف إلى زوجها إلا بعد وفاة أبيها بمدة وكانت وزارة الدفاع قد أوقفت صرف معاش أبيها قبل زفافها بمدة ولذلك نجد أن الحكم محل تعليقنا قد قضى باستحقاق البنت لنصيبها خلال الفترة السابقة ليوم زفافها ومحاسبتها بتلك المستحقات حسبما ورد في الحكم، علماً بأن نصيب البنت من معاش أبيها لا يتم احتسابه على أساس قواعد الإرث حسبما ورد في دعوى البنت وإنما يتم احتسابه على أساس الإعاشة حيث يتم احتسابه أو اقتسامه بالتساوي بين المستحقين حسبما ورد في المادة (40) من قانون معاشات التقاعد في القوات المسلحة التي نصت على أن (يوزع  المعاش بعد استشهاد أو وفاة العسكري أثناء الخدمة أو وفاته بعد إحالته إلى التقاعد بين  المستحقين بالتساوي فإذا أوقف  نصيب أحد المستحقين وزع نصيبه على باقي المستحقين بالتساوي شريطة إحضار شهادة استحقاق من المحاكم المختصة) ومن الملاحظ أن الحكم محل تعليقنا قد قضى باستحقاق البنت لنصيبها من معاش ابيها خلال الفترة السابقة لزفافها ولم يقل (زواجها) لأنه في بعض الحالات أن لا تزف المرأة إلى زوجها إلا بعد مضي فترة على  إبرام عقد زواجها فيتم عقد زواجها قبل يوم زفافها بمدة قد تطول أو تقصر وخلال هذه  المدة تكون في بيت أبيها وليس في بيت زوجها كي ينفق عليها وهذا اجتهاد سديد من الحكم محل تعليقنا.

الوجه الثالث : المركز القانوني لأرملة المتوفي في هذه القضية :

أرملة المتوفي في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا موظفة لها راتب دائم ومنتظم خاص بها، وهي تطالب في دعواها بنصيبها من معاش زوجها المتوفي ليس باعتبارها وارثة وإنما على أساس أنه يجوز لها أن تجمع بين معاشها الخاص بها وبين نصيبها من معاش زوجها المتوفي في حين أن قانون المعاشات والمكافآت التقاعدية للقوات المسلحة يقرر عدم جواز جمع المنتفع بين المعاش التقاعدي  وغيره، وفي هذا الشأن نصت المادة (42) فقرة (د) على أنه (لا يجوز الحصول على أكثر من معاش فإذا استحق شخص اكثر من معاش أدى إليه المعاش الأكثر فائدة ومع ذلك يجوز لأعضاء المجالس النيابية الجمع  بين معاش التقاعد ومكافآتهم) ولأن هذا النص صريح في عدم استحقاق الأرملة الموظفة أو المتقاعدة لشيء من معاش زوجها المتوفي قبلها فقد كانت الأرملة تدعي بأن النص القانوني السابق قد تم تعديله بنص آخر أجاز للأرملة في هذه الحالة أن تجمع بين المعاشين، إلا أن الأرملة في هذه القضية عجزت عن تقديم النص القانوني المعدل، في ذلك الحين أي قبل صدور الحكم محل تعليقنا، والواقع أنه في ذلك الحين كانت هناك مشاريع لتعديل قانون التأمينات والمعاشات المدني للعاملين بالقطاع الخاص ولذلك فان قرار مجلس الوزراء رقم 252 لسنة  2007كان يقضي بالموافقة  على تعديل القانون رقم 25 لسنة 1991 بشان التامينات والمعاشات في القطاع الخاص  حيث اوصى قرار مجلس الوزراء الجهات المعنية باستكمال  الاجراءات الدستورية لتعديل  ذلك القانون الا ان التعديل لم يتم  في ذلك الحين ؛ فقد كانت هذه المشاريع تسعى لتعديل قانون التأمينات في نطاق القطاع الخاص للسماح للأرملة بالجمع بين معاشها الخاص بها ونصيبها من معاش زوجها المتوفي قبلها وقد أفلحت هذه الجهود حيث صدر قانون التأمينات  الجديد عام 2019م الصادر بالقانون رقم (148) لسنة 2019م حيث قرر قانون التأمينات والمعاشات على أنه (استثناء من أحكام حظر الجمع المنصوص عليها يجمع المستحق بين المعاشات أو بين الدخل من العمل أو المهنة أو المعاش في الحدود الآتية: -3- تجمع الأرملة بين معاشها عن زوجها ومعاشها بصفتها منتفعة بأحكام هذا القانون كما تجمع بين معاشها عن زوجها ودخلها من العمل أو المهنة وذلك دون حدود) ومع ذلك فأن هذا الجواز المنصوص عليه في قانون التأمينات والمعاشات الذي يعني بالعاملين بالقطاع الخاص لا تستفيد منه تلك الأرملة في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا لأن حظر الجمع بين المعاشين منصوص عليه في قانون معاشات القوات المسلحة وهو قانون خاص ولم يرد بشانه التعديل ؛ولذلك نجد الحكم الاستئنافي قد الغى الحكم الابتدائي الذي استند الى قرار مجلس الوزراء رقم 252وقانون التامينا ت رقم 25  واقرت المحكمة العليا الحكم الاستينافي.

الوجه الرابع : المركز القانوني لأم المتوفي في هذه القضية :

من خلال مطالعة وقائع الحكم محل تعليقنا نجد أنه قد قضى باستحقاق أم المتوفي لمعاش ابنها المتوفي كاملاً، لأن نصيب ابنة المتوفي قد توقف بزفافها إلى زوجها بموجب القانون حسبما سبق بيانه ولأنه يحظر على أرملة المتوفي أن تجمع بين معاشها الخاص بها ونصيبها من معاش زوجها المتوفي بموجب القانون حسبما سبق بيانه ولذلك لم يتبق من المستحقين لمعاش المتوفي إلا أمه حيث لم تتحقق فيها أية حالة من حالات سقوط أو وقف استحقاقها لذلك المعاش، والله اعلم.