الولاية الخاصة على الوقف الاهلي
أ.د. عبد المؤمن
شجاع الدين
الاستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء
من الاشكاليات
الواقعية والعملية في اليمن عدم استقرار مفهوم الولاية على الوقف الاهلي واثباتها
ونطاقها والاثار المترتبة عليها وكيف تعامل قانون الاوقاف معها وكيفية الفصل عندما
تتعارض الولاية العامة مع الولاية الخاصة على الوقف الاهلي اضافة الى ضبابية مفهوم
القربة في الوقف وعلاقتها بالولاية العامة والولاية الخاصة, واهمية تجنيب الاوقاف
العامة مغبة اقحامها في الخلافات والنزاعات التي تحدث بين الموقوف عليهم في الوقف
الاهلي او تلك الخلافات التي تحدث فيما بين المستأجرين من ناظر الوقف الاهلي وهذا
الناظر, فلأهمية هذا الموضوع اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية
بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 27/4/2011م في الطعن الشخصي رقم
(42649) لسنة 1432هـ وتتلخص القضية التي تناولها هذا الحكم ان ناظر الوقف الاهلي
في احدى المديريات قام بتأجير موضع من ارض الوقف الاهلي من مستأجر فاستمر هذا
العقد لمدة طويلة فكان هذا المستأجر يدفع
الايجارات الى ناظر الوقف الاهلي الذي كان يقوم بجمع ايجارات الاراضي الاخرى ثم
يقوم بصرف هذه الايجارات على اشخاص كان
يقوموا بقراءة القران واهداء ثواب القراءة الى النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم
والى روح الواقف وذلك بحسب شرط الواقف المذكور في وثيقة الوقف الاهلي المشار اليه,
وعندما مات المستأجر للأرض قام ابن
المستأجر بالانتقال الى مدير الاوقاف العامة بالمديرية حيث قام باستئجار تلك الارض
من مدير الاوقاف العامة بدلا من ناظر الوقف الاهلي وبدون علم ناظر الوقف الاهلي,
وعند مطالبة ناظر الوقف الاهلي لابن
المستأجر بدفع الايجارات ظل يماطل
فما كان من ناظر الوقف الاهلي الا ان قام برفع دعوى امام المحكمة المختصة باعتباره
ذي الولاية على وقف جده الوقف اهلي خلفا من بعد سلف حسبما ورد في دعواه وقد طلب في
دعواه اخلاء العين المؤجرة ودفع الايجارات المتأخرة فدفع ابن المستأجر المدعى عليه بانه قد قام باستئجار الارض
من ادارة الوقف بالمديرية ولذلك فانه لا يجوز اختصامه, وخلصت المحكمة الى الحكم
بعدم قبول دفع ابن المستأجر بعدم توجه الدعوى اليه وثبوت استحقاق المدعي للولاية
على الوقف المدعى به وثبوت الحق للمدعى عليه في استئجار الارض من الولي على الوقف
الاهلي وعليه سوق الغلة الى المدعي المتولي للوقف حتى يتم صرفها في مصرف الوقف
تنفيذا لشرط الواقف في الوقفية المؤرخة 1300هـ فشرط الواقف كنص الشارع وكذا حكمت
المحكمة ببطلان عقد الايجار المبرمفيما بين ابن المستاجر ومكتب الاوقاف بالمديرية,
فقام ابن المستأجر ومكتب الاوقاف بالمحافظة
باستئناف الحكم الابتدائي وقد جاء في استئنافهم : ان الواقف اوقف الارض على دراسة
قران كريم ولم يوقفه على الذرية او الاهل فتلك المبرة التي يقصدها المورث جعلت ذلك
الوقف ذا طابع خيري الذي تكون ولايته للأوقاف العامة وليس لولي الوقف الخاص الا ان
الشعبة الاستئنافية رفضت الاستئناف وايدت الحكم الابتدائي, وقد جاء في اسباب الحكم
الاستئنافي : انه بعد الاطلاع على الوقفية المؤرخة سنة 1300هـ والمتصادق عليها من
قبل الطرفين فقد ظهر ان الوقف وقف اهلي وليس وقف عام, فلم يقبل المستأجر ومكتب
الاوقاف بالحكم الاستئنافي فقاموا بالطعن فيه بالنقض امام المحكمة العليا وقد تضمنت
عريضة الطعن بالنقض : ان محكمة الاستئناف خالفت القانون لان شرط الواقف لم يتضمن
تخصيص الولاية بل كانت الولاية مطلقة مما
يعني ان الولاية العامة هي للأوقاف كما ان نص الواقف على صرف غلات الوقف على قراءة
القران الكريم يدل على ان الوقف على مبرة عامة وليس اهلي, الا ان المحكمة العليا
رفضت الطعن واقرت الحكم الاستئنافي
وقد جاء في اسباب حكم المحكمة العليا انه (اما من حيث الموضوع فقد ناقشت الدائرة
ما اورده الطاعن من اسباب في طعنه فوجدت الدائرة ان ذلك النعي غير وارد اذ انه من
الثابت ان الحكم المطعون فيه قد استند في تقرير الولاية الخاصة على الوقف الاهلي
لمتولي الوقف الاهلي على ادلة صحيحة ولذلك
فان الحكم يوافق احكام الشرع والقانون) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب ما هو
مبين في الاوجه الاتية :
الوجه الاول : ماهية الوقف الاهلي وحكمه في القانون :
عرفت المادة (3)
وقف عرفت الوقف الاهلي (بانه ما وقف الشخص على النفس والذرية) وتطلق على هذا الوقف
مسميات عدة مثل الوقف الخاص والوقف الذري, وبموجب المادة (33) من قانون الوقف
النافذ فقد ابطل القانون الوقف الاهلي الذي يقع بعد صدور هذا القانون (29/3/
1992م) حيث نصت المادة المشار اليها على ان ؛(الوقف على النفس خاصة او على وارث او
على الورثة او على الذرية او على الاولاد واولاد الاولاد باطل مالم يكن المذكورون داخلين في عموم جهة بر عينها
الواقف في الحال فيعامل الواحد منهم كأحد افرادها او كان الموقوف عليه عاجزا
كالأعمى والاشل وليس له ما يكفيه) ومع ان قانون الوقف النافذ قد ابطل الوقف الاهلي
على النحو السابق بيانه الا انه لم يبطل الوقف الاهلي السابق على صدور هذا القانون
حيث نصت المادة (46) وقف على ان (الاوقاف الاهلية القديمة التي لا تتفق شروطها مع
الشروط المنصوص عليها في هذا القانون اذا كانت قد صدرت فيها احكام شرعية بصحتها او
كان الورثة قد تراضوا عليها او مضى عليها اربعون عاما تبقى على ما هي عليه ولا
تنقضي الا بتراضي اهل المصرف او اغلبهم بحسب الاستحقاق واوفرهم صلاحا ويقدم من
خلال الجهة المختصة للمحاكم لتحقيقه والاذن بنقض الوقف اذا تحققت المصلحة).
الوجه الثاني : اغراض الوقف الاهلي :
العلة التي انطلق
منها قانون الوقف النافذ في ابطال الوقف الاهلي بعد صدور القانون هو التقرير بان
غرض الواقف في هذا الوقف غالبا هو حبس ماله من التداول وبقائه في ذرية الواقف جيلا
بعد جيل خلافا لتداول الاموال الذي اراده الشارع, اضافة الى ان الغرض من هذا الوقف
حرمان النساء من الارث لأنهن لا يدخلن ضمن مفهوم الذرية, و يتجسد هذا الوقف الاهلي
في وقف القراءة اكثر من غيره حينما ينص الواقف في وقفيته على ان تصرف غلات الوقف
على ذريته وان يكون مقابل ذلك هو (قراءة ما تيسر من القران الكريم) ولذلك قرر
قانون الوقف عدم صحة هذا الوقف حينما نصت المادة (36) وقف على ان (الوقف في درس او
للقراءة للوارث لما تيسر غير صحيح), ولكن من خلال مطالعة وقفيات عدة في الوقف
الاهلي نجد ان اغراضها تشابه الى حد ما
اغراض الوقف الخيري او الوقف العام مثل الوقف الاهلي على السبيل او اطعام
عابري السبيل او الفقراء والمساكين او علف الدواب التي تخلى عنها اصحابها او قراءة
القران من قبل من يجيد التلاوة ....الخ مثلما ورد في القضية التي تناولها الحكم
محل تعليقنا.
الوجه الثالث : مفهوم القربة في الوقف :
اشترط قانون الوقف
القربة في الوقف سواء الوقف العام او الوقف الاهلي, فاذا تخلفت القربة فلا مجال
عندئذ للقول بان التصرف وقف, ويظهر هذا المفهوم في تعريف قانون الوقف للوقف حيث
نصت المادة (3) على ان (الوقف هو حبس مال والتصدق بمنفعته او ثمرته على سبيل
القربة تأبيدا وهو نوعان وقف اهلي ووقف خيري) وكذا نصت المادة (5) وقف على ان
(يكون الوقف بإيجاب من الواقف ان يقف به مالا معينا منقولا او غير منقول مملوكا له
ويتصدق بمنفعته او ثمرته على معين شخصا كان او جهة عامة او خاصة ويجب ان يقترن
الايجاب بنية القربة الا انه في غير الصريح لا بد من دلالة يظهر بها مراد الواقف)
اضافة الى ان القانون قد اشترط القربة ضمن
شروط الموقوف عليه بموجب المادة (24) وقف التي نصت على انه (يشترط في الموقوف عليه
(المصرف) ما يأتي :-2- ان يكون في قربة
محققة) ومن خلال مطالعة النصوص السابق ذكرها نجد ان القربة هي الجامع المشترك بين
الوقف العام والوقف الاهلي وهذا يقتضي
الاشارة بإيجاز الى مفهوم القربة : فنقول : ان المقصود بالقربة هي القربة الى الله
تعالى والقربات هي الطاعات والاعمال الصالحة وبهذا المفهوم فان القربات تكون عصية
على الحصر ولذلك اجملها القانون في النصوص السابق ذكرها, والقربات ليست على مستوى
واحد او نوع واحد ولذلك نجد ان الاوقاف سواء العامة او الاهلية قد تنوعت بتنوع
القرب فهناك وقف مسجد ووقف طعام ووقف حمام الكعبة ووقف سوق العرج للحيوانات
العاجزة ووقف سقاية لشرب الماء للناس والدواب ووقف استراحات في الطرق للمسافرين
ووقف قراءة القران ووقف ذكر الله ....الخ فلا يتسع المجال لمجرد الاشارة الى انواع
الوقف بحسب القربات, وان كانت غالبية القربات الى الله تعالى محل اتفاق الا ان بعض
القربات محل خلاف بين العلماء.
الوجه الرابع : تنازع الولاية العامة والولاية الخاصة على الوقف الاهلي :
من خلال المطالعة
للحكم محل تعليقنا نجد ان الخلاف الذي حدث بين متولي الوقف الخاص ومدير الاوقاف
العامة كان على الولاية على الوقف, فمدير الاوقاف العامة كان يفهم ان القربة او
المبرة التي حددها الواقف هي قراءة القران وهي مبرة عامة تستدعي ان تكون الولاية
عليها هي الولاية العامة للأوقاف العامة في حين كان ولي الوقف الخاص متمسكا
بالولاية الخاصة بصرف النظر عن القربة والمبرة؛ لان الوقف من وجهة نظره يكون وقفا
خاصا اذا حدد الواقف او عين الولي على وقفه وذلك في الوقفية فعندئذ يجب تنفيذ
ارادة الواقف والوقوف عند شرطه عملا بقاعدة (شرط الواقف كنص الشارع) من حيث الوجوب
والالزام, وقد حكمت محكمتا الموضوع بتقديم الولاية الخاصة على الولاية العامة في
هذه القضية وقد اقرت المحكمة العليا حكمي محكمتا الموضوع ؛ وسند الحكم محل تعليقنا
في ذلك هو المادة (49) وقف التي نصت على ان (الولاية على الوقف للواقف ثم لمنصوبه
وصيا او وليا ثم للموقوف عليه ثم لذي الولاية العامة والحاكم او من يعينه احدهما
لذلك ويجوز لذي الولاية الخاصة اسناد الولاية لمن يرى فيه الصلاح بغير عوض) فمن
خلال مطالعة هذا النص نجد ان الولاية على الوقف الاهلي تكون لمن عينه الواقف
نفسه,وفي هذا السياق جأت المادة (25) وقف
التي نصت على ان (اسناد النظر على الوقف لاحد الورثة او لاحد الذرية او غيرهم دون
قربة صريحة او ظاهرة اذا قصد به الصرف له فهو غير صحيح واذا قصد به الصرف فيما فيه
قربة عينها الواقف فهو صحيح) فالواقف في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا
كان الواقف قد عين الناظر على وقفه وهو الراشد الصالح القادرمن ذريته وحدد الواقف
في الوقفية القربة التي يصرف عليها غلات الوقف وهي تلاوة القران.
الوجه الخامس : شروط الولاية على الوقف الاهلي :
حددت المادة (51) وقف هذه الشروط حيث نصت على انه (يشترط في متولي الوقف ان يكون مسلما مكلفا عدلا حسن السيرة والسلوك قادرا على التصرف والعمل بما نص عليه الواقف واذا فقد المتولي شرطا من هذه الشروط بطلت ولايته)، والله اعلم.