الملكية العامة للقلاع والمحميات

 

الملكية العامة للقلاع والمحميات

أ.د.عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء

الشعوب التي لا ماض لها لا حاضر لها ولا مستقبل بل هي فقاعات تظهر فجأة وتختفي فجأة مثلها في ذلك مثل الأشجار التي لا جذور لها ولا أطناب، أما الشعب اليمني وحضارته فهي من المسلمات التي لا يختلف عليها اثنان فهو الذي رسم الخط المسند وشيد السدود والقلاع والحصون ؛ فحضارة اليمن كانت حضارة شاملة عمرانية اقتصادية ثقافية اجتماعية وسياسية، ولذلك تنتصب الآثار والشواهد التاريخية التي تمثل هويتنا التاريخية وجذور حاضرنا ومستقبلنا المنشود، ومن هذه الآثار القلاع والحصون  والمحميات الطبيعية ؛ ولذلك المح  القانون أنها من الأملاك العامة وقرر القانون العقوبات على من يعتدى عليها، ومن المهم  للغاية بيان موقف القضاء من الملكية العامة للقلاع والمحميات الطبيعية ووجهته في تطبيق النصوص القانونية المجملة في هذا الشأن، ولذلك اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 21/9/2011م في الطعن المدني رقم (43739) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم أن شخصين  قاما بالاعتداء على أحدى القلاع التاريخية حيث قاما  باستخدام بعض احجارها في بناء مدرجات زراعية في المحمية الطبيعية المجاورة للقلعة، فقام شخصان اخران بمحاولة منع  المعتدين على القلعة فلم تفلح محاولتهما ولذلك قاما برفع الدعوى المدنية أمام المحكمة المختصة ادعياً فيها بأنهما واجدادهما من قبلهما كانوا يقوموا بالإشراف على القلعة والمحمية المجاورة لها طوال الفترات الماضية وأن المدعى عليهما قاما بالاعتداء على القلعة والمحمية المجاورة لها ؛ وفي اثناء سير اجراءات المحكمة قامت فرع هيئة أراضي الدولة بالتدخل في الدعوى مدعيا بالملكية العامة للقلعة والمحمية المجاورة لها عن طريق مذكرة موجهة من المكتب الى المحكمة، وقد سارت المحكمة الابتدائية في إجراءات نظر القضية حتى خلصت إلى الحكم (بقبول الدعوى المقدمة من المدعيين وطلب  التدخل المقدم من مكتب هيئة أراضي الدولة وإلزام المدعى عليهما  بإطلاق ما تحت أيديهما من محميات القلعة وإزالة كل ما تم استحداثه من مدرجات زراعية جوار القلعة ويستثني من ذلك المنافس الضرورية لمنزليهما وتبقي القلعة ومحمياتها من المرافق العامة المملوكة للدولة مثلها مثل بقية المراهق العامة تحت إشراف الجهات المختصة من الدولة ويكون لجميع أهالي المنطقة المجاورة للقلعة على السواء حق الاحتطاب والرعي وإلزام المدعى عليهما بدفع مصاريف التقاضي مبلغ عشرين ألف إلى المدعيين) وقد ورد ضمن أسباب الحكم الابتدائي (فقد أتضح للمحكمة أن المدعيين لم يدعيا ملكية القلعة أو المحميات المجاور لها بل ادعيا الإشراف على القلعة ومحمياتها مثلهما مثل إسلافهما الذين قاموا بحماية القلعة وبذل الأموال الطائلة لحمايتها ؛ ومن المعلوم أن كل عبث أو عدوان يقع على أراضي وعقارات الدولة يعتبر على الحقوق العامة  للمواطنين المنتفعين باملاك الدولةالمجاورين لها ومن ثم فأنه لا يوجد أي مانع يحول دون قبول الدعوى المقدمة من المدعين المذكورين باعتبارهما من أفراد المجتمع المجاورين للقلعة بغض النظر عن حقهما السابق ذكره في الإشراف على القلعة ومحمياتها ؛ كما أتضح للمحكمة أن المدعى عليهما  قد قاما باستحداث مدرجات زراعية في الجهة الغربية من منزليهما وأن تلك المدرجات تقع من ضمن المحميات التابعة للقلعة كما أن الأحجار التي تم استخدامها في بناء المدرجات هي من احجار القلعة، وحيث أن مكتب هيئة أراضي وعقارات الدولة قد تدخل في القضية عن طريق المذكرة الموجهة الى المحكمة). فلم يقبل المدعيان والمدعى عليهما بالحكم الابتدائي فقاموا باستئنافه إلا أن محكمة الاستئناف رفضت استئنافهم وأيدت الحكم الابتدائي، فقام الطرفان بالطعن بالنقض إلا أن المحكمة العليا رفضت الطعون  وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (كون الحكم المطعون فيه قد أبان في حيثياته أن قد بني على نتيجة المعاينة التي تم خلالها تطبيق بصيرة شراء الطاعنين التي بينت المساحة المملوكة لهما المجاورة للمحمية والقلعة، أما المدعيان فقد أقرا في دعواهما امام  المحكمة الابتدائية بأن القلعة والمحميات المجاورة لها من أملاك الدولة وأنهما وأجدادهما مشرفون عليها فقط  أي ليسوا ملاكاً لها) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: ماهية القلاع والمحميات الطبيعية:

تنتشر القلاع في قمم جبال اليمن وتلالها وهضابها حيث تطل وتشرف على مراكز التجمعات السكانية والطرق الموصلة بينها  وقد تم انشاؤها وتجديدها طوال الفترات الماضية لحماية المدن والتجمعات السكنية والطرق التي تشرف عليها، وتتفاوت أهمية هذه القلاع بحسب التجمعات والطرق والمصالح التي تحميها فهي بمثابة مواقع  لحماية وحراسة المدن والقرى والطرق التي تشرف عليها، ويختلف الاشراف على هذه القلاع بحسب الأماكن التي تطل وتشرف عليها فاذا  كانت الأماكن التي تطل عليها القلاع والحصون مزن وطرق مهمة فأن الدولة ذاتها تتولى إدارتها والإشراف عليها مباشرة مثل قلعة أو حصن نقم بصنعاء وقلعة صيرة بعدن  أو قلعة القاهرة في تعز وحجة أو قلعة السنارة  في صعدة ، وهناك كثير من القلاع كانت تسندها الدولة في اليمن إلى مشائخ ونقباء واقيال يتولون نيابة عن الدولة الإشراف عليها وحمايتها وحماية الطرق والتجمعات السكانية التي تطل عليها تلك القلاع والحصون وظلت القلاع والحصون تؤدي هذا الدور منذ أكثر من ثلاث الآف سنة؛ ونظرا للتطور والتقدم فقد فقدت بعض القلاع والحصون اهميتها العسكرية فتحولت الى اثار تاريخية؛ وهذه القلاع هي التي تكون اكثر عرضة للاعتداء عليها.

أما المحميات: فهي عبارة عن أحراش وغابات أو أراضي تنموا أو توجد فيها نباتات أو حيوانات نادرة وتتميز بحياة برية أو بحرية متميزة من النباتات والحيوانات التي تعيش فيها حيث يرتادها الزوار والسياح من داخل البلاد وخارجها وتشكل مصدر دخل وطني.

الوجه الثاني : الوضعية القانونية للقلاع والمحميات في القانون اليمني :

ذكرنا في الوجه الأول أن القلاع والمحميات ذات نفع عام وأنها أماكن ليست معدة للسكن أو الزراعة منذ العصور القديمة، فالقلاع عبارة عن حاميات للطرق أو الأماكن التي تطل عليها وأن المحميات عبارة عن أراضي بور ليست مزروعة، ووفقاً لقانون أراضي وعقارات الدولة فأن القلاع والحصون والمحميات من المراهق العامة وأملاك الدولة وفقاً للمواد (2و5و6) من قانون أراضي وعقارات الدولة، إضافة إلى أن هذا القانون قد نص صراحة في (19) على أنه (لا يجوز التصرف بالبيع في عقارات الدولة ذات الطابع الأثري أو المستخدمة كمزارات ومتاحف)، كما أن القلاع والمحميات تندرج ضمن الآثار وفقاً للمادة (3) من قانون الآثار التي نصت على أنه (يعتبر أثراً أية مادة منقولة أو ثابتة خلفتها الحضارة أو تركتها الأجيال السابقة في اليمن مما تم صنعه أو نقشه أو كتابته قبل 200 سنة كما عرفت المادة (4) من قانون  الاثار عرفت الأثر الثابت بأنه (الأثر الثابت هو المتصل بالأرض كبقايا المدن والمباني والتلال الأثرية والكهوف والمغارات  والقلاع والحصون) وبناءً على ذلك لا يجوز البسط أو الاعتداء أو هدم القلاع والحصون والمحميات وأن وقع ذلك فأنه جريمة بمقتضى  قانون أراضي وعقارات الدولة وقانون الآثار؛ ومع ان قانون الارضي قد المح ان القلاع والحصون من الاملاك العامة الا اننا نوصي بتضمين قانون اراضي الدولة نص صريح يقرر بان القلاع والحصون والمحميات من الاملاك العامة.

الوجه الثالث : كيفية انتفاع المواطنين المجاورين  بالقلاع والمحميات :

لم يصرح قانون أراضي الدولة أو قانون الآثار للمواطنين الانتفاع بالقلاع والمحميات ولكن المادة (44) من قانون أراضي وعقارات الدولة أجازت للمواطنين الانتفاع بالمراهق العامة المجاورة لهم، وقد ذكرنا أن القلاع والمحميات من المراهق العامة، حيث نصت المادة المشار إليها على أنه (يظل الحق في الانتفاع بالمراهق العامة أو القدر المستحق منه للدولة مقرراً للكافة سواء بالرعي أو الاحتطاب أو غيره ولا يجوز للدولة الإخلال بهذه الحقوق إلا لاعتبارات تتعلق بالمصلحة العامة) وقد أشار منطوق الحكم الابتدائي إلى حق المواطنين في الانتفاع بالمحمية دون القلعة، لأن الانتفاع بالقلعة سوف يترتب عليه تغيير معالمها وتهديم أجزاء منها وإضافة ابنية وتعديلات عليها وهذا يطمس هوية الآثار، وبناءً على ذلك لا يجوز الانتفاع بالقلاع عن طريق السكن والإقامة فيها إلا أنه يجوز الانتفاع بالماء الذي يتجمع في بركاتها وصهاريجها، أما المحمية فيجوز الرعي والاحتطاب منها شريطة أن لا يكون الاحتطاب أو الرعي جائرا مضرا  بالمحمية وأن يكون في الأوقات الملائمة التي لا تحدث خللاً في البيئة النباتية والحيوانية لأن ذلك سوف يعطل الغاية من المحمية؛ وشريطة ان لايتم الاحتطاب او الرعي للنباتات او الاشجار النادرة، والله اعلم.