التصرف غير المشروع بأراضي الدولة

 

التصرف غير المشروع بأراضي الدولة

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

التصرف غير المشروع في أراضي الدولة له مظاهر عدة، لكن التصرف الذي قصده الحكم محل تعليقنا هو قيام أشخاص أو جهات لاولاية لها أو غير مختصة بصرف أراضي الدولة لأشخاص أخرين، حيث اشار الحكم محل تعليقنا إلى هذه المسألة المهمة، وهذا الحكم هو الحكم الصادر عن الدائرة المدنية في جلستها المنعقدة بتاريخ 27/11/2017م في الطعن رقم (59161) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان شخصين تنازعا على رهق حيث أدعى احدهما ان الرهق تابع لأرضه في حين أدعى الآخر بان الأرض محل النزاع قد تم صرفها له من قبل ... بموجب المحرر الذي ابرزه وان الأرض ليست رهقاً تابعاً لأرض الخصم لانها تبعد عنها بأكثر من أربعين مترا، فقام القاضي الذكي بإدخال الهيئة العامة للأراضي باعتبار النزاع على رهق عام(منحدر)، فذكر محامي هيئة الأراضي بان الأرض محل النزاع رهق عام وذكر ان الهيئة لم تقم بالتصرف بذلك الرهق إلى (....) الذي أدعى الخصم بانه قد صرف الأرض له، فتوصل القاضي الابتدائي العظيم إلى الحكم بان الأرض محل النزاع من المراهق العامة المملوكة للدولة وفقاً للمادتين ( 2و41)من قانون أراضي وعقارات الدولة حيث نصت المادة 2علن المراهق العامة هي الجبال والاكام  والمنحدرات والسوائل العظمى في حين نصت المادة 41على أن المراهق العامة مملوكة بالكامل للدولة، فلم يقبل الطرفان المتنازعان على الرهق العام لم يقبلا بالحكم الابتدائي فقاما باستئنافه، حيث قامت محكمة الاستئناف بتعديل الحكم الابتدائي بحجة ان أوامر صرف الاراضي الصادرة من (....) كان يتم العمل بموجبها، وقد قام مالك الأرض الذي كان يدعي بان الأرض محل النزاع رهق خاص بأرضه قام بالطعن بالنقض، حيث قبلت الدائرة الطعن ونقضت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (كما ان قضاء الحكم المطعون فيه بتعديل الفقرة الثانية من منطوق الحكم الابتدائي والقضاء بأحقية المستأنفين (المصروفة لهما الأرضية من ....) ولزوم عدم معارضتهما للأسباب التي أوردها الحكم الاستئنافي، فالدائرة تجد أن ذلك التعديل غير صحيح ،لان الأسباب التي استند اليها الحكم غير كافية لإقامة الحكم عليها لان محكمة الاستئناف قد اغفلت مناقشة ما ورد في مذكرة تدخل الهيئة العامة للأراضي التي افادت بانه لم يسبق لها ان تصرفت إلى الشخص أو الجهة التي قامت بصرف الأرض إلى المطعون ضده بأية أراضي في (....) ،كما ان الحكم الاستئنافي لم يناقش ما ورد في أسباب الحكم الابتدائي الذي ذكر : انه على افتراض ان هيئة الأراضي قد صرفت الأرض لـ (...) فان الأرض المتنازع عليها تبعد كل البعد عما ورد في أمر الصرف الصادر من (....) ولما كانت الأرض المتنازع عليها رهق يدعي الطاعن انها تابعة لملكه ويدعي ممثل الهيئة العامة للأراضي بانها من المراهق العامة وليست تابعة لملك الطاعن لذلك كان من اللازم على محكمة الاستئناف تكليف مهندس لاجراء المساحة وتحديد درجة الانحدار لمعرفة هل هي رهق خاص أم عام وفقاً لنصوص المواد ذات الصلة في القانون) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : المقصود بالتصرف غير المشروع بأراضي الدولة وتوصيتنا :

حدد قانون أراضي وعقارات الدولة الجهة المعنية بإدارة أراضي وعقارات الدولة وهي الهيئة العامة للأراضي والمساحة والتخطيط العمراني كما عرفت المادة (17) من قانون أراضي وعقارات الدولة التصرف غير المشروع في اراضي الدولة وحكمه حيث نصت هذه المادة على ان (كل تصرف غير قانوني ينشئ أو يقرر حقاً عينيا أصلياً أو تبعياً أو تأجيراً أو تمكيناً بأي صورة من الصور على أراضي وعقارات الدولة يعتبر باطلاً ولكل ذي شان التمسك بالبطلان أو طلب الحكم به ويتحمل المحكوم عليه تكاليف ازالة البناء أو المزروعات أو الغروس القائمة على الأرض وغيرها من الأعمال المخالفة بسبب هذا التصرف مع الزامه بالتعويض ان كان له مقتضى) وقد ورد هذا النص عاماً وشاملاً لكل أوجه التصرفات غير المشروعة في أراضي وعقارات الدولة والتي قرر بطلانها والاولى  ان يقرر النص انعدامها لان أي تصرف يصدر من غير ذي الولاية على اراضي الدولة يكون منعدماً، ولذلك ثمرة وهي ان التصرفات الباطلة تتحصن بمضي المدة بخلاف التصرفات المنعدمة التي لاتتحصن لأنه لاوجود لها في نظر القانون إضافة الى ان الأخذ بفكرة الانعدام يناسب ماورد في المادة(7)من قانون اراضي الدولة التي نصت على أن احكام التقادم لاتسري على اراضي الدولة ، ومن خلال استقراء النص القانوني السابق ذكره نجد أن قيام أية جهة أو شخص مهما كانت وظيفته وسلطته في الدولة بصرف أراضي الدولة إلى الغير يكون تصرفا غير مشروعاً أو باطلاً حسبما ورد في النص المشار اليه، ولذلك فقد قام القاضي الابتدائي بإدخال هيئة الأراضي في النزاع باعتبارها صاحبة الولاية للدفاع عن المراهق العامة على اعتبار ان صرف صرف أرض من أراضي الدولة من  غير الهيئة تصرف غير مشروع.

الوجه الثاني : اشكالية تمليك أراضي الدولة للأفراد وتوصيتنا بأن يكون التصرف في اراضي الدولة قاصر على التاجير والانتفاع والاستغلال :

من اخطر الإشكاليات التي تهدد مستقبل الدولة والمواطنين على حد سواء هو تمليك أراضي الدولة للأفراد حتى لو تم ذلك ضمن قانون أراضي وعقارات الدولة ومن قبل الجهة المختصة قانونا ، لان الدولة بعد حين ستدرك انها قد افتقدت ركناً من أهم أركان الدولة وهو الأرض (الاقليم) لان اركان الدولة في القانون هي (الاقليم والشعب والسلطة) فاستمرار الدولة في تمليك أراضي الدولة للافراد بوسائل شتى (صرف/احياء/تحجر/مراهق خاصة) وغيرها من المسميات سوف  ينقل تدريجياً اقليم الدولة (الأرض) إلى الافراد الذين يحق لهم بموجب وثائق ملكيتهم التصرف في املاكهم كيفما يشاؤون ومتى ما يشاؤون حسبما  يتم ذكره في وثائق الملكية فضلاً عن ان الدولة لن تجد أرضاً لإقامة المشاريع العامة إلا عن طريق الاستملاك للمنفعة العامة الذي سيفرغ الخزينة العامة من مواردها المحدودة اصلا ،إضافة إلى فقدان الدولة للموارد العامة الكامنة في باطن وظاهر الأراضي العامة التي تملكها الدولة للأفراد، ولذلك فان الدول حتى الرأسمالية تجعل ادارة انتقال الاراضي والعقارات من شان الدولة باعتباره مظهراً من مظاهر سيادتها على اقليمها، وما السجل العيني للعقارات الا مظهراً من مظاهر تلك السيادة حتى تتحكم الدولة بانتقال الاراضي والعقارات لضمان سلامة العقود والتصرفات في الاراضي ومن ثم سلامة الدولة ذاتها. (الوجيز  في السجل العيني، السيد عبدالوهاب عرفة، صـ21) علما بان قانون أراضي وعقارات الدولة النافذ لازال يجيز تمليك الدولة لأراضيها للأفراد، علماً بان الائمة زيد بن علي والشافعي ومالك وغيرهم قد ذهبوا إلى عدم جواز قطائع التمليك من أرض الدولة خشية ان  تنصب موارد الدولة (الخراج في الدولة الإسلامية، د.عطية الجبوري، صـ53)ولذلك فإننا نوصي بتعديل قانون اراضي وعقارات الدولة حتى يكون التصرف في اراضي الدولة قاصر على التصرفات التي التخرج الأرض عن ملكية الدولة،لان الولاية على أرض الدولة مثل الولاية على مال الوقف والقاصرين حيث تقتصر الولاية في هذه الحالات على التصرفات الادارية وليس نقل ملكية هولاء للغير.

الوجه الثالث : تخصيص بعض أراضي الدولة لمنفعة الجهات الحكومية لا يعني تمليك هذه الجهات:

يقرر قانون أراضي وعقارات الدولة في المادة (9) احقية الجهات الحكومية في الحصول  على ما تحتاجه من أراضي الدولة بالمجان ويتم ذلك عن طريق الهيئة العامة للأراضي باعتبارها الجهة المختصة قانوناً، على أن تخصيص أراضي الدولة لبعض الجهات لا يعني ملكية هذه الجهات لتلك الاراضي،لان تلك الاراضي تظل ملكية رقبتها للدولة، وتبعا لذلك لايجوز لتلك الجهات ان تتصرف بتلك الأراضي أو تصرفها للغير حيث يقرر القانون في المادة (10) والمادتان(5و6) على ان الجهة المختصة بالاشراف  والتصرف في املاك الدولة العامة والخاصة هي الهيئة العامة للأراضي وليس تلك الجهة التي تم صرف الأرض لها.

الوجه الرابع : صرف الدولة أراضي  لموظفي بعض الجهات :

مع تحفظنا على هذا التصرف لأسباب شرعية وقانونية سبقت الاشارة اليها، فاذا قامت هيئة الأراضي بصرف أراضي لموظفين جهة من الجهات فان ذلك يكون بمثابة تمليك لموظفي الجهة وليس للجهة ذاتها التي يتبعها الموظفون، وقد سبقت التوصية بان الواجب ان يقتصر تصرف هيئة الأراضي في أراضي الدولة للأفراد على الانتفاع أو الاستغلال أو الاستثمار وليس على سبيل التمليك.

الوجه الخامس : فرز الرهق لتحديد نسبة الأراضي الزراعية :

قرر قانون أراضي وعقارات الدولة في المادة (41) ان المراهق العامة مملوكة بالكامل للدولة وقرر في المادة (42) على انه على سبيل الاستثناء يتم تحديد نسبة 20% من نسبة انحدار الرهق العام الملاصق للأراضي الزراعية كرهق خاص بتلك الأراضي للسقي والطريق اليها، هذا اذا كانت الأراضي زراعية اما اذا كانت أراضي بناء أو تحولت إلى اراضي بناء فلا مجال لتطبيق هذه النسبة، وقد ارشد الحكم محل تعليقنا إلى انه كان يجب على محكمة الاستئناف احتساب نسبة الرهق عن طريق مهندس ،والصحيح انه كان ينبغي على محكمة الاستئناف مخاطبة هيئة الأراضي أو مكتبها بتحديد نسبة ارض المواطن ونسبة الدولة من الرهق العام، لان ذلك من اختصاص الهيئة وفقا لقانون اراض الدولة ولائحته التنفيذية، فلا ينبغي للقاضي ان يستعين بمهندس من خارج الهيئة لتحديد تلك النسبة، والله اعلم.