اشتراك رئيس المحكمة الابتدائية مع القاضي في الحكم
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
الولايـة القضائية
وتشكيل المحاكم يحددهما القانون لأهميتهما ولخطورة الاثار المترتبة على عدم
الالتزام بهما، ولذلك فان عدم الالتزام بتشكيل
هيئة الحكم في المحكمة يبطل الحكم ؛ ومن صور هذا الاخلال اشتراك قاضي اخر مع
القاضي المختص حتى ولو كان القاضي المشارك هو رئيس المحكمة الابتدائية التي يتبعها
القاضي المختص أصلاً بنظر النزاع وحتى لو تمت اجراءات التقاضي امامهما صحيحة، وهذا
ما قضى به الحكم محل تعليقنا ؛وهو الحكم الصادر عن الدائرة الادارية بالمحكمة
العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 26/5/2010م في الطعن الاداري رقم (39098) لسنة
1430هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان احد المتقدمين للتوظيف
والمسجلين لدى الخدمة المدنية قام برفع دعوى ادارية امام المحكمة الابتدائية
مفادها : انه تقدم بطلب التوظيف لدى الجهة المختصة قانوناً وهي مكتب الخدمة
المدنية بالمحافظة الذي قام بادراج اسمه ضمن كشوفات طالبي التوظيف وتم تحديد
الوظيفة التي يستحقها في مجال الاحصاء لدى فرع جهاز الاحصاء بالمحافظة الا انه بعد مضي اربع سنوات من تسجيله لطلبه
شغل تلك الوظيفة وجد ان الوظيفة التي طلبها والتي تتوفر فيه الشروط القانونية
لشغلها قد تم اسنادها الى شخص اخر حديث التخرج ولم يتم قيد طلبه للتوظيف لدى
الخدمة المدنية بالمحافظة بل انه غير متخصص في الوظيفة المطلوبة ولا تتوفر فيه
الشروط القانونية والادارية لشغل تلك الوظيفة؛ وقد اختصم المدعي في دعواه كلاً من
مكتب الخدمة المدنية ومكتب الاحصاء بالمحافظة بالاضافة الى الموظف الذي تم تعيينه
في تلك الوظيفة محل النزاع ؛ولأهمية القضية ولقلة خبرة القاضي الذي ينظرها فقد قام
رئيس المحكمة الابتدائية بمشاركة القاضي المختص في اجراءات نظر القضية حتى صدر
الحكم فيها بعدم قبول الدعوى لان الوظيفة لم تكن ضمن الموازنة الوظيفية لوزارة
الخدمة المدنية وانما هي وظيفة من الوظائف المرصدة مركزياً للجهاز المركزي
للإحصاء، فلم يقبل المدعي بالحكم الابتدائي حيث قام باستئنافه الا ان الشعبة
الاستئنافية المدنية قضت برفض استئنافه وتأييد الحكم الابتدائي، فلم يقنع المستأنف
بالحكم الاستئنافي فقام بالطعن فيه بالنقض، فقررت الدائرة الادارية بالمحكمة
العليا نقض الحكم الاستئنافي بسبب اشتراك رئيس المحكمة مع القاضي المختص في اجراءات
نظر القضية والحكم فيها ؛وهذا السبب لم يذكره الطاعن ضمن اسباب طعنه وانما تصدت له
الدائرة من تلقاء ذاتها، وقد ورد ضمن اسباب حكم المحكمة العليا (فقد وجدت الدائرة
ان الحكم المطعون فيه قد قضى بتأييد الحكم الابتدائي مع انه باطل بطلاناً مطلقاً
لتعلق هذا البطلان بالنظام العام حيث تبين من ديباجة الحكم الابتدائي ومنطوقه والتوقيعات عليه وكذا
مسودته ومحاضر الجلسات التي بني عليها انها كانت بتوقيع قاضيين هما القاضي المختص
ورئيس المحكمة وهذا يخالف التشكيل القانوني للمحاكم الابتدائية؛ فذلك يصم الحكم
بالبطلان المطلق المتعلق بالنظام العام؛وحيث ان الشعبة الاستئنافية لم تتنبه
بمقتضى رقابتها القانونية للتأكد من صدور الحكم من قاضي له صفة وبالهيئة والتشكيل
القانوني قبل نظرها في وقائع الحكم والنصوص القانونية والمسائل الاجرائية ؛فاذا
اغفلت محكمة الاستئناف ذلك او تجاهلته فإنها تكون قد اخلت بأهم مقتضيات الرقابة
القانونية المقررة في المادة (288) مرافعات؛ وحيث ان الحكم المطعون فيه قد قضى
بتأييد الحكم الابتدائي الباطل وحيث ان هذا البطلان متعلق بالنظام العام وفقاً
للمواد (8 و 9 و 32 و 47 و 52 و 53 و 217 و 230) مرافعات ؛لذلك فان الامر يستوجب
نقض الحكم المطعون فيه) وسيكون تعليقنا
على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : تشكيل المحكمة الابتدائية في القانون اليمني :
الحكم الابتدائي في
القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا صادر من محكمة ابتدائية في احدى محافظات
الجمهورية؛ ومن المعلوم ان المحكمة الابتدائية في النظام القضائي اليمني مشكلةً من
قاض فرد حيث نصت المادة (44) من قانون السلطة القضائية على ان (تتألف هيئة الحكم
في المحكمة الابتدائية من قاض فرد ويجوز في حالة توفر عدد كاف من القضاة ان تؤلف
من ثلاثة قضاة) وبموجب هذا النص فانه يتم تشكيل المحكمة الابتدائية من قاض فرد
ينفرد وحده بنظر القضية والفصل فيها بحكم، وعلى هذا الاساس فان الحكم الابتدائي
الذي شارك رئيس المحكمة في اصداره مع المختص صدر من محكمة ابتدائية عادية تتألف
هيئة الحكم فيها من قاض فرد، وبناءً على ذلك فأن الحكم الابتدائي قد خالف التشكيل
القانوني لهيئة الحكم في المحكمة الابتدائية؛ غير انه يجوز ان يصدر من مجلس القضاء
قرار بتشكيل هيئة الحكم في المحكمة الابتدائية من ثلاثة قضاة وفقاً لنص المادة
(44) سلطة قضائية السابق ذكره ؛وبالطبع فان المحكمة التي اصدرت الحكم الابتدائي
بنظر القاضي المختص ورئيس المحكمة كانت هيئة الحكم فيها مشكلة من قاض فرد، ولذلك
قضى الحكم محل تعليقنا بنقض الحكم المطعون باعتباره باطلاً بطلاناً مطلقاً حسبما
قضى الحكم محل تعليقنا.
الوجه الثاني : تشكيل هيئة الحكم بالمحكمة الابتدائية وعلاقته بالنظام العام :
تشكيل هيئة الحكم في
أي مستوى من مستويات المحاكم يخضع لاعتبارات واسانيد ودراسات كثيرة تبين المصالح
والمنافع العامة المتحققة من تشكيل هيئة الحكم على هذا النحو أو ذاك ؛ وفي ضوء
ذلك تصدر قرارات تشكيل هيئات الحكم،
فتشكيل هيئات الحكم في المحاكم من أهم ادوات ووسائل النظام القضائي للدولة، ومن
المقرر ان كل ما يتعلق بالتنظيم القضائي للدولة فهو من النظام العام (الوسيط في
قانون القضاء المدني، د.فتحي والي ص75) وعلى هذا الاساس فان المصلحة العامة قد
اقتضت تشكيل هيئة الحكم في المحكمة المصدرة للحكم المعيب من قاضي فرد في حين صدر
الحكم المعيب من قاضيين خلافاً لقرار تشكيل هيئة الحكم فيها مما يجعل الحكم المعيب
مخالفا للنظام العام يستحق الوصف الوارد في الحكم محل تعليقنا الذي وصف الحكم
المعيب بأنه باطل بطلاناً مطلقاً.
الوجه الثالث : البطلان المطلق للحكم والانعدام :
وصف الحكم محل تعليقنا الحكم الابتدائي بأنه باطل بطلاناً مطلقاً
؛وهذا الوصف عند غالب شراح قانون المرافعات هو الانعدام بذاته، وقد استند الحكم
محل تعليقنا الى بعض المواد في قانون المرافعات التي تقرر الانعدام مثل المادة (9)
، فالبطلان المطلق يرادف الانعدام لان البطلان المطلق مقرر للمصلحة العامة ولا
ينفي عنه هذا الوصف ولاتصححه الاجازة او القبول به كما انه لا يتحصن بمضي المدة
بخلاف البطلان النسبي، ولذلك فالبطلان المطلق المشار اليه في الحكم محل تعليقنا هو
الانعدام، وبناءً على هذا فان الحكم الذي يصدر من هيئة مخالفة لقرار تشكيلها يكون
قد صدر من هيئة لا ولاية لها فاشتراك قاضيين في هيئة حكم يجعل الحكم الصادر عنها
منعدماً لان الولاية وفقاً لقرار تشكيل المحكمة الابتدائية منعقد لهيئة حكم تتكون
من قاضي واحد وليس من قاضيين.
الوجه الرابع : تشكيل هيئة الحكم في المحكمة الابتدائية من قاضي فرد :
كانت اليمن الى وقت
قريب تأخذ بنظام تشكيل هيئة الحكم من ثلاثة قضاة وظل هذا الامر متبعاً في المحاكم
التجارية الى وقت قريب جداً ، الا ان قلة القضاة واطالة اجراءات التقاضي لدى هيئات
الحكم المشكلة من اكثر من قاضي قد حتمت الاخذ بنظام القاضي الفرد في المحاكم
الابتدائية، ومع ان القاضي الفرد اكثر عملية وانجازاً الا ان هناك مزايا عدة لنظام
هيئة الحكم المكونة من ثلاثة قضاة في المحاكم الابتدائية لاسيما في المحاكم
الادارية والتجارية ومحاكم الاموال العامة حيث يكتمل نظر القضية لتعدد الروئ
وتقليب اوجه روئ القضاة والاستفادة من خبرات القضاة المتعددين كما تعدد القضاة في
هيئة الحكم يضمن حياد الهيئة ويبعث الاطمنئنان في قضائها؛ والله اعلم.