الشعبة الاستئنافية المختصة بنظر القضايا العمالية
أ.د / عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
مسائل الاختصاص لها أهمية بالغة يترتب على مخالفتها بطلان الاحكام ،
ولكن فهم قواعد الاختصاص يقتضي فهم الولاية العامة للمحاكم حتى يمكن القول بوجود الاختصاص أو عدمه، وللأسف
فان بعض المتقاضين يضربون عن ادراك هذه الحقيقة فيفهمون عدم وجود الاختصاص بسبب
عدم الالمام بأحكام الولاية العامة للمحاكم التي تكون ضابطة لفهم قواعد الاختصاص،
ولأهمية هذه المسألة فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة المدنية
بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 15/11/2009م في الطعن المدني رقم
(33559) لسنة 1429هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان عشرة من عمال
احد المصانع تقدموا بدعوى أمام اللجنة التحكيمية العمالية مفادها انهم عملوا لدى المصنع
المدعى عليه لمدد متفاوتة تزيد على ثلاث سنوات وان المصنع قد قام بفصلهم تعسفاً،
وقد انتهت اللجنة التحكيمية الى اصدار قرارها :باستحقاق المدعين للبدل النقدي عن
اجازاتهم السنوية بواقع اجر شهر عن كل سنة ومكافأة نهاية الخدمة بواقع اجر شهر عن
كل سنة، فلم يقبل المصنع المدعى عليه بقرار اللجنة حيث قام باستئنافه حيث تولت
الشعبة المدنية والشخصية بمحكمة الاستئناف نظر القضية وسارت في اجراءاتها حتى
انتهت الى الحكم بتأييد قرار اللجنة التحكيمية ، فلم يقنع المصنع بالحكم
الاستئنافي فقام بالطعن فيه بالنقض امام المحكمة العليا التي رفضت الطعن وأقرت
الحكم الاستئنافي، وقد جاء في اسباب حكم المحكمة العليا ( ولما كان الثابت في
الحكم الاستئنافي المطعون فيه انه صدر بناءً على اجراءات صحيحة وانه فصل في طلبات
الطاعن فصلاً سائغاً وصدر من محكمة لها ولاية الفصل في الدعوى لان المحاكم ذات ولاية
عامة طبقاً للمادتين ( 43 و 47) من قانون السلطة القضائية والمواد ( 272 و 284 و
288) مرافعات وبناءً على ذلك فلا يسلب المحاكم ذات الولاية العامة الاشارة في أي
قانون أخر الى انشاء محاكم نوعية طالما لم يرد في النص ان اختصاصها على سبيل الحصر
والقصر عليها بان يتضمن ذلك القانون انها تنظر القضايا دون غيرها ولما لم تنشاء
شعب استئنافية عمالية فان الولاية تبقى للمحكمة الاستئنافية ذات الولاية العامة
الامر الذي يتعين معه رفض الطعن واقرار الحكم المطعون فيه) وسيكون تعليقنا على هذا
الحكم حسب ما هو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : الشعبة الاستئنافية المختصة بنظر القضايا العمالية وفقاً لقانون العمل وقانون السلطة القضائية :
يقرر قانون العمل في المواد (139 و 140 و141) ان الشعبة المختصة بنظر
القضايا العمالية هي ( شعبة قضايا العمل) فقد صرحت المادة (139) بانه يحق لطرفي المنازعة
العمالية استئناف قرار اللجنة التحكيمية العمالية بان يتقدم بعريضة استئناف الى (
شعبة قضايا العمل) وكذا قررت المادة (140) بان (تنشأ بمحاكم الاستئناف على مستوى
أمانة العاصمة وسائر محافظات الجمهورية وفقاً لقانون السلطة القضائية شعبة تسمى (
شعبة قضايا العمل) تختص بنظر الطعون الاستئنافية في قرارات لجان التحكيم العمالية)
وما ورد في قانون العمل كان الاساس القانوني الذي استند اليه صاحب المصنع في الدفع
والطعن بعدم اختصاص الشعبة الاستئنافية المدنية والشخصية بنظر الاستئناف في قضايا
العمل، لان قانون العمل قد قرر ان الشعبة الاستئنافية المختصة هي (شعبة قضايا
العمل) وليس الشعبة الاستئنافية المدنية والشخصية، والواقع ان النصوص القانونية
الواردة في قانون العمل بشأن انشاء (شعبة قضايا العمل) في محاكم الاستئناف لا يعني
ان الانشاء قد تم وفقاً للعبارة الواردة في المادة (140) عمل (تنشاء بمحاكم
الاستئناف شعبة قضايا العمل وفقاً لقانون السلطة القضائية) لان هذا النص قد جعل
الانشاء لاحق للنص الوارد في قانون العمل كما قرر هذا النص ان الانشاء يتم وفقاً
لقانون السلطة القضائية وانشاء الشعب المختصة نوعياً مثل شعبة قضايا العمال يتم انشائها
بحسب الاحتياج في المحافظات المختلفة حيث تنص المادة (8) من قانون السلطة القضائية
الفقرة (ب) على انه ( يجوز انشاء محاكم قضائية ابتدائية أو شعب استئنافية متخصصة
نوعية في المحافظات متى دعت الحاجة الى ذلك وفقاً للقوانين النافذة) وبناء على هذا
النص فان الحاجة لم تستدعي انشاء شعبة قضايا العمل في تلك المحافظة التي يقع ضمن
نطاقها المصنع الطاعن المتمسك بان الاختصاص في نظر الاستئناف في قرار اللجنة
التحكيمية منعقد لشعبة قضايا العمل وليس للشعبة المدنية والشخصية، فلم يتم انشاء
أية شعبة استئنافية لقضايا العمل الا في اواخر عام 2017م حيث تم انشاء شعبة
استئنافية عمالية وادارية في امانة العاصمة.
الوجه الثاني : الشعبة الاستئنافية المختصة بنظر قضايا العمل في محاكم الاستئناف التي لم تنشأ بها شعبة قضايا العمل :
ذكرنا في الوجه السابق انه من خلال استقراء نصوص قانون العمل وقانون
السلطة القضائية ذات الصلة بالموضوع ان انشاء شعب استئنافية لقضايا العمل يتم بحسب
الاحتياج وحجم وعدد القضايا وبحسب التقارير المرفوعة من هيئة التفتيش القضائي
ولهذه الاعتبارات لم يتم انشاء شعب استئنافية لنظر قضايا العمل الا في امانة
العاصمة اواخر عام 2017م وهي شعبة ليست خاصة بنظر قضايا العمل فقط وانما لنظر
قضايا العمل والقضايا الادارية، وهذا يعني انه ليس هناك شعب استئنافية خاصة بنظر
قضايا العمل، وهذا يقتضي الاشارة الى الشعبة الاستئنافية المختصة بنظر قضايا العمل
في محاكم الاستئناف التي لا توجد بها شعبة لنظر قضايا العمل؛فالشعبة المختصة في
هذه الحالة هي الشعبة المدنية لان قانون العمل يندرج ضمن القانون المدني ويتم
تدريسه للقضاة ضمن فروع القانون المدني ؛ ولذلك لاحظنا في الحكم محل تعليقنا ان
الشعبة المدنية هي التي نظرت في استئناف قرار اللجنة التحكيمية العمالية.
الوجه الثالث : الولاية العامة للمحاكم الاستئنافية :
صرح قانون السلطة القضائية بالنسبة للمحاكم الابتدائية بان لها
الولاية العامة بموجب المادة (47) التي نصت على ان ( تكون للمحكمة الابتدائية
الولاية العامة للنظر في جميع القضايا) ومع انه لم يرد نص صريح مماثل بالنسبة
لمحاكم الاستئناف إلا ان الولاية العامة بالنسبة لمحاكم الاستئناف مفهومة من خلال
نصوص قانون السلطة القضائية وقانون المرافعات حسبما ورد في المواد (37 و 38 و 42
و43) سلطة قضائية التي تناولت انشاء محاكم الاستئناف وتحديد اختصاصاتها بصفة عامة
دون توزيع لتلك الاختصاصات على الشعب الاستئنافية بل من غير ان يرد ذكر عدد واسماء الشعب الاستئنافية ؛وكذلك الحال
بالنسبة لقانون المرافعات الذي نص في المادة (88) على ان (تختص محاكم الاستئناف
بالحكم في القضايا الاستئنافية التي ترفع اليها عن الاحكام الصادرة من المحاكم
الابتدائية) كما نصت المادة (91) مرافعات على انه (مع مراعاة ما ورد في قانون
السلطة القضائية لا يعد توزيع الاختصاص بنظر القضايا بين هيئات الحكم داخل المحكمة
الواحدة من قبيل الاختصاص النوعي المنصوص عليه في مواد هذا الفصل)، والله اعلم.