سكوت الموظف على تحريك الدعوى بدون إذن النائب العام
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
اشترط القانون لإقامة الدعوى الجزائية في مواجهة الموظف العام أن يسبق ذلك صدور إذن من النائب العام، وفي هذا الشان قضى الحكم محل تعليقنا بان حق الموظف في التمسك بالإذن لا يسقط بسكوت الموظف وقبوله اقامة الدعوى في مواجهته بغير إذن ،لان إذن النائب العام متعلق بالنظام العام، والحكم محل تعليقنا هو الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 18/3/2012م في الطعن رقم (42400) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان النيابة العامة احالت الموظف العام المتهم إلى المحكمة بتهمة الاعتداء على ملك الغير وذلك بقيامه بوضع احجار في الأرض المجاورة للمركز الصحي الذي يعمل فيه على أساس أنها حمى المركز ومفسحه ، فدفع المتهم بانه موظف عام وانه قد قام بذلك العمل ضمن واجبه الوظيفي وبسبب وظيفته وانه كان يجب على النيابة الحصول على الإذن من النائب العام قبل تحريك الدعوى الجزائية باعتبار ان الفعل قد وقع من موظف عام بسبب واثناء عمله، وقد توصلت محكمة اول درجة إلى الحكم بقبول دفع المتهم، وقد ورد في اسباب الحكم الابتدائي (ان القانون قيد حرية النيابة العامة في تحريك الدعوى الجزائية ضد بعض الاشخاص ومنهم القضاة واعضاء النيابة إلا بإذن سابق من مجلس القضاء الأعلى وعلى رجال الضبط القضائي او الموظفين العامين إذا وقعت الجريمة منهم أثناء تأديته وظيفته او بسببها إلا بإذن من النائب العام او من يفوضه بذلك من المحامين العامين أو رؤساء النيابة ...الخ حسبما هو مبين في المادتين (25 و 26) إجراءات)، وقد قضت الشعبة الجزائية بإلغاء الحكم الابتدائي وادانة المتهم ومعاقبته, وقد ورد ضمن اسباب الحكم الاستئنافي (ان فعل المتهم جريمة ولم يكن بسبب وظيفته ولا اثناء تأديتها لأنه طبيب يعمل في المركز الصحي ولذلك فان اقامة الدعوى الجزائية ضده لا يحتاج إلى إذن من النائب العام وانه كان ينبغي رفع موضوع الأرض المتنازع عليها بين المركز وبين المجني عليه إلى السلطة المختصة التي يتبعها المركز بدلا من ان يقوم الطبيب بالاعتداء عليها بوضع الحجارة فيها، إضافة إلى ان المتهم قد سكت ولم يتمسك بإذن النائب العام عند التحقيق معه في النيابة وقبل تصرفها في القضية،فلم يتمسك بذلك إلا امام المحكمة الابتدائية) فقام الموظف المتهم بالطعن بالنقل في الحكم الاستئنافي حيث قبلت الدائرة الجزائية الطعن وقضت بنقض الحكم الاستىنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (وبإمعان النظر فقد تبين للدائرة ان الحكم المطعون قد بني على اساس ان الطاعن مجرد طبيب في المركز الصحي الحكومي وليس مديراً للمركز وانه ليس من صلاحياته كطبيب في المركز ان يتنازع مع المجني عليه بشان الأرض مفسح المركز، ولذلك فان ماقام به من عمل يندرج ضمن الافعال الشخصية باعتبار المتهم ليس الممثل القانوني للمركز ولذلك فقد توصل الحكم المطعون فيه إلى انه لا حاجة إلى إذن من النائب العام، والدائرة تجد ان ما ذهب اليه الحكم المطعون فيه لا يسنده الواقع والقانون ويتصادم مع ماهو ثابت في رد النيابة على دفع الطاعن حيث اعترفت النيابة بصفته كمدير للمركز حيث رد وكيل النيابة على ذلك الدفع بان المتهم الطاعن لم يدفع بذلك امام النيابة وهو ما يدل على قبوله بإجراءات النيابة في التحقيق وتحريك الدعوى الجزائية قبله ومن ثم سقوط حقه بالتمسك بذلك امام المحكمة فذلك القول من وكيل النيابة اعتراف من النيابة بصفة المتهم الطاعن بانه مدير المركز وهو ما فهمته محكمة أول درجة وما خفى على الشعبة الاستئنافية وجعلها تخوض في الموضوع وتقع في خطأ قانوني جوهري تمثل بإهدار حق الطاعن كموظف عام لا يجوز للنيابة العامة اتخاذ إجراءات تحريك الدعوى قبله الا بعد الحصول على إذن من النائب العام وفقاً لنص المادة (26) إجراءات، والمعلوم قانوناً ان مخالفة ذلك يترتب عليه بطلان الإجراءات المتخذة ولا يصحح ذلك البطلان عدم اثارة المتهم للدفع امام النيابة ولا حتى موافقته على الإجراءات المتخذة من النيابة تجاهه، لان تلك الإجراءات المتخذة قبل صدور الإذن الواجب قانوناً تكون باطلة بطلاناً مطلقاً متعلقاً بالنظام العام لإتصاله بشرط اصيل لتحريك الدعوى الجزائية ولصحة اتصال المحكمة بالواقعة ومن ثم فان هذا البطلان يجيز لكل ذي مصلحة التمسك به في أي مرحلة من مراحل الدعوى وتقضي به المحكمة من تلقاء ذاتها وفقاً لنص المادة (397) إجراءات, ولذلك فان الحكم المطعون فيه مشوب بالبطلان) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول :ماهية إذن النائب العام بإقامة الدعوى الجزائية في مواجهة الموظف العام :
إذن النائب العام بإقامة الدعوى الجزائية في مواجهة الموظف العام هو قيد على سلطة النيابة العامة المطلقة في إقامة الدعوى الجزائية على المتهمين عامة اذا توفرت لديها ادلة الواقعة ونسبتها إلى المتهم، فإذن النائب العام بإقامة الدعوى في مواجهة الموظف العام شرط قانوني حسبما ورد في النص القانوني المذكور في اسباب الحكم محل تعليقنا، ولم يحدد القانون صيغة معينة أو شكلا معينا في الإذن وإنما اشترط القانون في هذا الإذن ان يكون في وثيقة مكتوبة صادرة عن النائب العام نفسه أو من يفوضه بذلك من المحامين العامين او رؤساء النيابة وذلك يقتضي ان يتم التوقيع على وثيقة الإذن من قبل من يصدره من هؤلاء كما ينبغي ان تتضمن وثيقة الإذن تاريخ صدور الإذن وتصريح المصدر للأذن بانه قد أذن بإقامة الدعوى الجزائية في مواجهة الموظف العام وان تتضمن وثيقة الإذن اسم الموظف والتهمة المنسوبة والنيابة المختصة التي يوجه اليها الإذن، وقد ذهب استاذنا الدكتور حسن المرصفاوي إلى وجوب تضمين الاذن هذه البيانات حتى يمكن إثباته لما لذلك من اهمية بالغة (المرصفاوي في قانون الإجراءات الجزائية، استاذنا الدكتور حسن صادق المرصفاوي، صـ45).
الوجه الثاني : الغاية من اشتراط صدور الإذن من النائب العام بإقامة الدعوى الجزائية :
يذكر استاذنا الدكتور محمد إبراهيم زيد في كتابه شرح قانون الإجراءات الجزائية اليمني ان الغرض من ذلك هو حماية الموظفين العمومين من الاتهامات والادعاءات الباطلة التي يتعرضون لها إثناء قيامهم بإداء واجباتهم الوظيفية او بسببها، فقيام الموظف بواجبه الوظيفي او بسبب قيامه بهذا الواجب تحدث خلافات بينه وبين كثير من الناس بسبب تنفيذه لواجبه الوظيفي حيث يعمد هولاء الى كيل التهم جزافاً للموظف اذا ما تعرض لمصالح هؤلاء، ولذلك اشترط القانون إذن النائب العام بإقامة الدعوى الجزائية ضد الموظف حتى يتم التثبت من الوقائع المدعى بها على الموظف العام واسانيد تلك الوقائع قبل رفع الدعوى (شرح قانون الإجراءات الجزائية اليمني، استاذنا الدكتور محمد إبراهيم زيد صـ62).
الوجه الثالث : وقت صدور الإذن من النائب العام بتحريك الدعوى الجزائية ضد الموظف العام :
وردت في بداية المادة (26) إجراءات عبارة (لا يجوز رفع الدعوى الجزائية) أي ان هذا النص اشترط إذن النائب العام قبل رفع الدعوى الجزائية، وهذا يعني انه يجوز للنيابة العامة مباشرة إجراءات التحقيق مع الموظف العام قبل صدور الإذن حتى تتحقق من صحة واسانيد الوقائع المسندة الموظف العام، فقيد الإذن متعلق برفع الدعوى وليس التحقيق، وهذا الفهم هو ما عبر عنه النائب العام في اليمن في التعميم الصادر منه في هذا الشأن والذي تضمن القول :(ويتعين الحصول على إذن النائب العام برفع الدعوى الجزائية لدى تقرير النيابة التصرف في القضية بالإحالة للمحكمة ويستتبع ذلك رفع ملف القضية مع قائمة أدلة الإثبات ووصف النيابة لها ومذكرة شارحة للواقعة ووجهة تصرف عضو النيابة فيها مشفوعة برأي وكيل النيابة الابتدائية ورئيس نيابة المحافظة) حسبما ورد في تعميم النائب العام.
الوجه الرابع : إذن النائب العام بإقامة الدعوى الجزائية ضد الموظف العام من النظام العام :
قضى الحكم محل تعليقنا بان إذن النائب العام في هذا الشأن من النظام العام الذي لا يسقط بسكوت الموظف او تنازله، لان هذا الإذن مقرر للمصلحة العامة وليس مصلحة الموظف، ولذلك ينبغي للمحكمة ان تتصدى لذلك من تلقاء ذاتها ويحق اثارته والتمسك به في أية مرحلة من مراحل التقاضي.
الوجه الخامس : الوقائع الشخصية للموظف العام والوقائع اثناء تأديته لوظيفته او بسببها :
كان جانب من النزاع الذي تناوله الحكم محل تعليقنا هو ما اذا كانت الافعال المنسوبة للموظف العام هي وقائع قد وقعت منه اثناء قيامه بواجبات وظيفته او بسببها ام ان هذه الافعال قد صدرت منه شخصياً كمواطن عادي، لان الإذن لا يشترط إلا اذا كانت الافعال المنسوبة للموظف قد وقعت منه اثناء تأديته لواجباته الوظيفية او بسببها ولذلك قبل الحكم محل تعليقنا طعن الموظف العام الذي اثبت ان الافعال المنسوبة له قد وقعت اثناء قيامه بواجبه الوظيفي كمدير للمركز الصحي فواجبه الوظيفي يحتم عليه الدفاع عن حقوق ومصالح المركز بما في ذلك الأرض حمى المركز المجاورة له، وعلى هذا الأساس فان الأفعال التي تقع من الموظف خارج نطاق واجباته الوظيفية او بسببها لا يشترط فيها الإذن، كضرب الموظف العام لجاره او قتله لزوجته أو تهديده لصاحب البقالة،والله
اعلم.