الاقرار بعدم دفع الإيجار المتقادم
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
من
الإشكاليات التي يتكرر حدوثها المطالبة بالإيجارات القديمة واقرار المستأجر بذلك
ثم دفعه بعد ذلك بالتقادم، حيث قضى الحكم محل تعليقنا بان اقرار المستأجر بوجود
الأجرة القديمة بذمته يمنعه من الدفع بعد ذلك بتقادم الأجرة حيث يجب عليه دفع
الأجرة القديمة، والحكم الذي تناول هذه المسألة هو الحكم الصادر عن الدائرة
المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 11/1/2015م في الطعن رقم
(56206) وتتلخص وقائع القضية ان المالك للأرض تقدم أمام المحكمة الابتدائية مدعياً
بان المستأجر لأرضه لم يسدد إيجارات الأرض لمدة عشر سنوات مضت فأقر المدعى عليه
بأنه لم يدفع الإيجارات للعشر السنوات لان
المدعي غالطه في صلاحية الأرض للزراعة فنصف الأرض لا تزرع ، وقد توصلت
المحكمة الابتدائية إلى الحكم على المستأجر المدعى عليه بدفع إيجارات العشر
السنوات المنصرمة، فلم يقبل المستأجر بالحكم الابتدائي فقام باستئنافه الذي تضمن
القول بتقادم الأجرة وفقاً لقانون الإثبات وان ذلك التقادم من النظام العام إلا أن
الشعبة قضت برفض دفع المستأنف بالتقادم ورفض الاستئناف وتأييد الحكم الابتدائي،
وقد ورد ضمن أسباب الحكم الاستئنافي (وعند التمعن في دفع المستأنف بعدم جواز
المطالبة بالإيجار للمدة الماضية لانقضاء المدة المقررة قانوناً في المادة (20)
إثبات إلا أن المستأنف كان قد سبق له الاقرار بحق المستأنف ضده في الأجرة وأنه لم
يدفعها طوال المدة المدعى بها) فلم يقبل المستأنف بالحكم الاستئنافي فقام بالطعن
فيه بالنقض إلا أن الدائرة المدنية رفضت الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد
ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (اما القول بعدم جواز المطالبة بالإيجارات المتأخرة
بعد مرور عشر سنوات وفقاً للمادة (20) إثبات التي نصت على عدم سماع الدعوى من حاضر
بحق متجدد كأجرة المباني والأراضي بعد مضي ثلاث سنوات من تاريخ الاستحقاق، لذلك
فالدائرة تجد أن هذا القول غير سديد، لان الثابت في الأوراق اقرار الطاعن أمام
المحكمة الابتدائية بعدم دفعه الإيجارات المتأخرة
لمدة عشر سنوات فهذا الاعتراف يقطع مدة التقادم وفقاً للمادة (446) مدني
التي تنص على أنه ينقطع سريان المدة التي يترتب عليها عدم سماع الدعوى في حالة
اقرار المدين بحق الدائن اقرارا صريحاً أو ضمنياً ويترتب على انقطاع المدة سقوط
المدة السابقة ولزوم مدة جديدة مماثلة للمدة الأولى، كما أن عدم سماع الدعوى وفقاً
للمادة (20) إثبات مبنياً على قرينة الوفاء فاذا انتفت هذه القرينة باعتراف المدين
بحق الدائن فتنقطع مدة التقادم وتسمع الدعوى) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب
ماهو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : تقادم اجرة المباني وسببه :
حددت
المادة (20) إثبات مدة تقادم اجرة المباني والأراضي وهي ثلاث سنوات حيث لا تسمع
دعوى المطالبة بالأجرة بعد انقضاء هذه المدة فقد نصت هذه المادة على أنه (لا تسمع
الدعوى من حاضر بحق متجدد كأجرة المباني والأراضي بعد مضي ثلاث سنوات من تاريخ
الاستحقاق) فبموجب هذه المادة يمتنع على القاضي ان يسمع دعوى المطالبة باجرة
المباني والأراضي بعد انقضاء مدة الثلاث السنوات وتبدأ هذه المدة من تاريخ استحقاق
الأجرة، وسبب التقادم هو ان سكوت المؤجر طوال هذه المدة قرينة أو دليل على أنه قد
استوفى الأجرة وإلا لما سكت على ذلك طوال هذه الفترة إضافة إلى أهمية استقرار
وثبات المراكز القانونية للأشخاص، ولذلك فقد صرح الحكم محل تعليقنا إلى ان الغرض
من تقرير التقادم في هذه الحالة هو الاستدلال من عدم المطالبة خلال الفترة الماضية
على ان ذلك قرينة على الوفاء.
الوجه الثاني : تأثير الاقرار على تقادم اجرة المباني :
اشار الحكم محل
تعليقنا إلى ان التقادم مقرر على أساس قرينة وفاء المستاجر بما في ذمته للمؤجر،
ولذلك فان اقرار المستاجر بعدم الوفاء
بالاجرة له تأثير بالغ على التقادم حيث ينقطع التقادم بإقرار المستاجر بان الاجرة
لازالت في ذمته وتصريحه بأنه لم يسلمها إلى المؤجر يدل دلالة قاطعة على أن
المستاجر لم يدفع الاجرة وانها لازالت
بذمته ، وسند الحكم محل تعليقنا في قضائه
المادتان (446 و 447) مدني حيث نصت المادة (446) على ان (ينقطع سريان المدة التي
يترتب عليها عدم سماع الدعوى في الأحوال الآتية : -6- اقرار المدين بحق الدائن
اقراراً صريحاً أو ضمنياً ومن ذلك بقاء المال المرهون تأميناً لوفاء الدين تحت يد
الدائن) فإقرار المدين على النحو الوارد في النص يترتب عليه انقطاع مدة عدم سماع
الدعوى اما المادة (447) مدني فقد قررت سقوط مدة التقادم السابقة بإقرار المستأجر
بالأجرة حيث نصت هذه المادة على أنه (يترتب على انقطاع المدة سقوط المدة السابقة
ولزوم مدة جديدة مماثلة للمدة الأولى تبدأ من وقت زوال الاثر المترتب على سبب
الانقطاع).
الوجه الثالث : عدم سماع دعوى المطالبة بالإيجار القديم :
كان قانون الإثبات
موافقاً لأحكام الشريعة في تسميته للتقادم (بعدم سماع الدعوى) للتأكيد على أن عدم
سماع الدعوى لا يعني اسقاط حق المؤجر في الأجرة لان ذلك يخالف النصوص الشرعية
ومنها قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم {لا يحل مال امرئ مسلم الا بطيب من نفسه}
وتبعاً لذلك فان عدم سماع دعوى المطالبة بالإيجار يعني امتناع المطالبة القضائية
اما الحق ديانة فيظل في ذمة المستأجر أو المدين فلا تبرؤ ذمته إلا بإعادة الحق
مهما طال الزمن.
الوجه الرابع : الدفع بعدم سماع دعوى المطالبة بالإيجار القديم :
من المقرر ان هذا
الدفع ليس متعلقاً بالنظام العام ولذلك فانه يسقط بالإقرار بالحق حسبما سبق بيانه
كما أنه يسقط بعدم التمسك به قبل الخوض في موضوع الدعوى، ولذلك لاحظنا ان المستأجر
في القضية التي تناولها الحكم قد اثار الدفع بعدم سماع الدعوى أمام محكمة
الاستئناف التي رفضت ذلك الدفع، فلو كان الدفع بعدم السماع في هذه الحالة من
النظام العام لجاز اثارته في أية مرحلة من مراحل التقاضي ولجاز للمحكمة أن تتصدى
له من تلقاء ذاتها، والله اعلم.