بطلان الحكم للمجني عليه من غير دعوى تبعية
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
تترتب على الجريمة
اضرار مادية ونفسية، ولان القاضي الجزائي ينظر في الدعوى الجزائية فقد ناسب أن
ينظر في الاضرار الناجمة عن الجريمة عن طريق دعوى مدنية تبعية يرفعها المضرور من
الجريمة أمام القاضي الجزائي الذي ينظر في الدعوى الجزائية ، وبموجب ذلك فان
القاضي الجزائي يصدر حكمه المتضمن العقوبة المقررة قانونا للجريمة التي ارتكبها
الجنائي بموجب الدعوى الجزائية المرفوعة
اليه من النيابة العامة وفي الحكم ذاته فان القاضي يحكم بتعويض المجني عليه
المضرور من الجريمة عما لحقه من ضرر بسبب الجريمة استناداً إلى الدعوى المدنية
التبعية التي يرفعها المضرور امام القاضي الجزائي ، حيث يتم الحكم بالعقوبة
والتعويض في حكم واحد، ولذلك فان الحكم للمجني عليه بالتعويض من غير أن يتقدم أمام
القاضي بدعوى مدنية تبعية يجعل الحكم كله باطلاً حسبما قضى الحكم محل تعليقنا، وهو
الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ
20/4/2013م في الطعن الجزائي رقم (45793) لسنة 1432هـ وتتلخص وقائع القضية التي
تناولها هذا الحكم أن احد الأشخاص دفع مبلغ ثلاثة ملايين ريال لشخص اخر مقابل
استخراج فيزتين للعمل في أحدى الدول الخليجية، وبعد فترة أدرك الدافع للمبلغ إلى
أنه قد وقع ضحية لجريمة نصب فقام بتقديم الشكوى إلى النيابة العامة التي احالت
المتهم إلى المحكمة التي حكمت بإدانته والحكم عليه بعقوبة الحبس والزامه بسداد
المبلغ الذي تقاضاه من المجني عليه من غير أن يقوم المجني عليه بتقديم دعوى مدنية
تبعية يطلب فيها استعادة المبلغ المشار اليه، وقد أيدت الشعبة الاستئنافية هذا
الحكم، فلم يقبل المتهم بالحكم الاستئنافي فقام بالطعن فيه بالنقض حيث قبلت
الدائرة الجزائية الطعن وقررت نقض الحكم الاستئنافي، وقد جاء في أسباب حكم المحكمة
العليا ( اما من حيث الموضوع فقد نعى الطاعن أن المحكمة المصدرة للحكم محل الطعن
قد خالفت القانون عندما أيدت حكم محكمة أول درجة مع أن المجني عليه لم يرفع دعوى
مدنية تبعاً للدعوى الجزائية ممايستوجب
قبول الطعن ونقض الحكم الاستئنافي المطعون فيه) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب
ماهو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : ماهية الدعوى المدنية التبعية :
هي الدعوى التي
يرفعها المضرور من الجريمة أو المجني عليه أمام القاضي الجزائي تبعاً للدعوى
الجزائية فيطلب فيها المضرور أو المجني عليه بتعويضه عن كافة الاضرار المادية
والمعنوية التي لحقت به بسبب الجريمة ،وبناءً على ذلك يصدر القاضي الجزائي حكماً
واحداً يتضمن الفصل في الدعويين الجزائية والمدنية التبعية.
الوجه الثاني : تأثير عدم رفع الدعوى المدنية :
تقديم الدعوى المدنية
التبعية ليس وجوبياً بالنسبة للمضرور أو المجني عليه ،لان رفع الدعوى المدنية حق
وليس واجبا،ً فاللمضرور أن يرفع الدعوى وله أن لا يفعل ذلك، ولكن اذا لم يقم
المجني عليه برفع الدعوى المدنية التبعية ولم يطلب تعويضه فلا يجوز الحكم له
بالتعويض، لانه لم يطلب ذلك، ومن المقرر قانوناً عدم جواز الحكم بما لم يطلبه
الخصوم.
الوجه الثالث : الحكم بالتعويض من غير دعوى مدنية وتاثيره على الحكم الجزائي :
من خلال مطالعتنا للحكم محل تعليقنا نجد أنه قد قضى بنقض الحكم الاستئنافي المؤيد للحكم الابتدائي الذي قضى بتعويض المجني عليه من غير أن يتقدم المذكور بدعوى مدنية تبعية، وأن ذلك حكم بما لم يطلبه الخصوم، ولكن السؤال يثور عن سبب بطلان الجانب الجزائي في الحكم وهو الادانة والعقوبة مع أن السبب قاصر على الجانب المدني، فالظاهر من سياق الحكم محل تعليقنا أن سبب ذلك يرجع إلى أن الحكم بالتعويض قد ورد ضمن الجانب الجنائي أو الجزائي كما لو أنه تابع للعقوبة الجزائية لذلك فان الحكم بالتعويض قد ورد ضمن فقرات الحكم في الدعوى الجزائية مما أورث البطلان في الحكم الجزائي ذاته لعدم وجود دعوى مدنية تبعية يستند اليها الحكم، فيكون الحكم بالتعويض في هذه الحالة فقرة تابعة للحكم الجزائي بالعقوبة استناداً إلى الدعوى المدنية التبعية، والله اعلم.