الشركة العرفية مدنية أم تجارية أم شخصية

 

الشركة العرفية مدنية أم تجارية أم شخصية

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

غالبية الشركات والمؤسسات الخاصة في اليمن غير منظمة حيث لا تتخذ الشكل القانوني المحدد للشركات في قانون الشركات، وفي هذا السياق يظهر نوع اخر من الشركات غير النظامية يفرضها الواقع أو الفعل وهي ما يطلق عليها الشركات العرفية او شركات الواقع أو الشركة الفعلية التي يفرضها الواقع أو الفعل بين الورثة أو مشاركة الاشخاص لبعضهم من غير عقد أو اتفاق ومن غير اشهار لشراكتهم أمام الجهات الرسمية، ويثور في اليمن جدل واسع بشأن تكييف الشركات العرفية أو الفعلية من حيث مدينتها أو تجاريتها أو أنها من مسائل الاحوال الشخصية، إضافة إلى خطورة الشركات العرفية على الشركاء فيها إذ انها بمثابة الشركات التضامنية فيكون الشركاء فيها مسئولين مسئولية تضامنية عن تصرفات وتبعات تلك الشركات ، ولأهمية هذا الموضوع اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 19/3/2017م في الطعن رقم (58975) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم أن ورثة أحد الأشخاص ادعوا أمام هيئة التحكيم بأن والدهم واحد اشقائه كانا شريكين فيما بينهما وفي الوقت ذاته كانا شريكين لوالدهما شراكة عرفية وأن جميع العقارات التي اشتراها الاخوان  مشتركة فيما بين الثلاثة بموجب الشراكة العرفية وذكر المدعون أن والدهم هو صاحب السعي الأكبر بالنظر إلى سنه وجهده ، وقد توصلت هيئة التحكيم إلى الحكم بعدم ثبوت شراكة والد المدعين لوالده وثبوت شراكة والد المدعين لأخيه، فلم يقبل المدعى عليهم بحكم التحكيم فقاموا بتقديم دعوى بطلان حكم التحكيم أمام محكمة الاستئناف التي رفضت دعوى البطلان، فقام بعض الورثة بالطعن في الحكم الاستئنافي بالنقض فقبلت الدائرة الشخصية الطعن ونقضت الحكم الاستئنافي، وقد جاء في أسباب حكم المحكمة العليا (وبعد التأمل فقد تبين ان الدعوى قد انصبت على أن مؤرث المدعين والدهم وعمهم مؤرث المدعى عليهم وجدهم كانوا شركاء في شراكة عرفية وان الأموال التي اكتسبوها مشتركة...الخ، وقد قضى حكم التحكيم بعدم ثبوت دعوى الشراكة العرفية لعدم قيام البرهان على قيامها استناداً إلى أحكام القانون المدني حيث استند حكم التحكيم إلى جملة من النصوص المتضمنة أحكام الشركة العرفية (شركة الواقع) الواردة في القانون المدني فلم تنتبه الشعبة الشخصية بمحكمة الاستئناف إلى ان دعوى الشركة العرفية (شركة الواقع) من الدعاوى المدنية البحتة التي تخضع لأحكام القانون المدني التي استند اليها حكم التحكيم، وحيث أن المادة (15) من قانون المرافعات قد رتبت على مخالفة المادة (9) مرافعات انعدام العمل القضائي وكل ما يترتب عليه فان المتعين قبول الطعن موضوعاً ونقض الحكم الاستئنافي المطعون فيه والغاء كل ما ترتب عليه لعدم اختصاص الشعبة الشخصية وإعادة القضية إلى محكمة الاستئناف الشعبة المدنية لنظرها مجدداً وفقاً لأحكام القانون المدني (الشركة العرفية، الواقع وما ظهر فله حكمه) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : ماهية الشركة العرفية ونشاطها في اليمن :

تعرف المادة (661) مدني الشركة العرفية بانها (الخلطة في الأموال والتكافؤ في الأعمال على ان يعمل شخصان أو اكثر كل بحسب  مايحسنه فيكفي كل منهم الاخر ويكون المستفاد مشتركاً بينهم جميعاً وما يلزم احدهم يكون عليهم جميعاً) فالشركة العرفية شركة غير نظامية تنشاء بين ورثة لا يقتسمون تركة مؤرثهم بعد موته أو تنشاء بين اقارب او اصدقاء يدخلون في شراكة بحكم الواقع أو الفعل دون ان يقوموا بتسجيل هذه الشركة او اشهارها لدى الجهات الرسمية ودون ان تتخذ هذه الشركة أي من الاشكال القانونية للشركات النظامية المنصوص عليها في قانون الشركات كالشركة المحدودة والشركة المساهمة المقفلة والشركة  التضامنية ...الخ، وفي الغالب لا يكون هناك اتفاق شراكة بين الشركاء في الشركة العرفية، واذا وجد اتفاق او عقد شراكة بين الشركاء في الشركة العرفية فإنه لا يتخذ الشكل القانوني للشركات النظامية المحدد في قانون الشركات ولايتم   اشهاره،ونخلص من ذلك إلى القول بان الشركة العرفية أو شركة الواقع شركة موجودة بحكم الواقع تباشر اعمالها مثلها في ذلك مثل الشركات النظامية إلا أنها غير مسجلة لدى وزارة الصناعة وبعضها تكون مسجلة في وزارة الصناعة والتجارة باسم (مؤسسة فردية) يكون لها اسم تجاري لكنها لا تتخذ أياً من الاشكال القانونية للشركات النظامية، وهذا يجعل شركة الواقع في الواقع اليمني تختلف من حيث نشاطها مع شركات الواقع في الدول الاخرى.

الوجه الثاني : الشركة العرفية مدنية أم تجارية أم شخصية :

مع ان القانون المدني نظم أحكام الشركة العرفية في المواد من (661 إلى 667) إلا أن الشركة العرفية في اليمن تباشر اعمالها مثلها في ذلك مثل الشركات التجارية ،فيكون لها اسم تجاري وتستهدف الربح وتستخدم عمالا ً ولكنها لا تتخذ الشكل القانوني للشركات التجارية في القانون، ولذلك فان نشاطها تجاري وان لم ينطبق عليها مفهوم الشركة التجارية النظامية إلا أنه ينطبق على النشاط الذي تباشره المفهوم التجاري بحسب ما ورد في المواد (9 و 10 و 11) من القانون التجاري، علاوة على ان الشركة العرفية عندما تنشاء بحكم الواقع أو الفعل بين الورثة فإنها تتداخل مع مسائل الأحوال الشخصية من حيث القسمة بين الشركاء الورثة والمناسخة ودعاوى الاختصاص المتبادلة فيما بين الشركاء الورثة ودعاوى الشقية والسعي المتفاوت التي يرفعها الشركاء الورثة على بعضهم، ولذلك فان تصفية الشركة الفعلية أو العرفية أو الواقعية تتداخل كثيراً مع إجراءات القسمة التي تعد من مسائل الأحوال الشخصية، والله اعلم.