التجديد التلقائي والضمني لعقد الإيجار

 

التجديد التلقائي والضمني لعقد الإيجار

أ.د.عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء

الحكم محل تعليقنا هو الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا بتاريخ 20/11/2006م في الطعن المدني رقم 26211 لسنة 1427ه والذي قرر قاعدة قضائية مفادها ( يشترط الرضاء لتجديد العقد مثلما يشترط عند انعقاد العقد) وخلاصة هذا الحكم أنه (بعد الإطلاع على أوراق القضية بما في ذلك عريضة الطعن بالنقض والرد عليها والأحكام الصادرة فيها، ومن خلال دراسة الطعن بالنقض فقد وجدت الدائرة أن الطاعن قد نعي على الحكم المطعون فيه مخالفته للقانون والخطأ في تطبيقه، وذلك لأن الفقرة الثالثة من عقد الإيجار قد نصت على أن العقد يتجدد تلقائياً ولم تشترط رضاء الطرفين ، وهذا النعي قد سبق للطاعن إثارته أمام محكمة الموضوع التي قضت برفضه مسببة قضائها بأن  البند الذي ينص على أن ( العقد يتجدد تلقائياً لمدة مماثلة) يعني أن العقد يكون سارياً لمدة مماثلة إذا قبل الطرفان بذلك ، فعقد الإيجار من عقود المعاوضة لا ينعقد إلا برضاء الطرفين ، وهذا التسبيب ينسجم ويوافق أحكام عقد الإيجار المنصوص عليها في القانون المدني، ذلك أن تجديد عقد الإيجار كإنعقاده يشترط لإتمامه الرضاء حيث وأن الثابت من الأوراق ومن الحكم الإبتدائي المؤيد بالحكم الإستئنافي المطعون فيه أن المؤجر لم يقبل بتجديد العقد بإنتهاء مدته في 30/6/2004م حيث رفع دعواه بعد انقضاء مدة العقد مطالباً بإخلاء العين المؤجرة ، واستناداً إلى المادة (711) مدني  التي تنص على أن ينتهي الإيجار بإنتهاء المدة المتفق عليها في العقد دون حاجة إلى تنبيه أو إنذار وإلى المادة (746) مدني التي تنص على أن ينتهي عقد الإيجار بإنتهاء المدة المبينة في العقد دون حاجة إلى تنبيه بالإخلاء ومع ذلك يكون للمستأجر الأولوية إن تم التراضي على ذلك، وحيث لم يتم التراضي بين المؤجر والمستأجر على تجديد العقد فإن قضاء الحكم الإبتدائي المؤيد بالحكم الإستئنافي المطعون فيه والذي قضى بإلزام المستأجر بإخلاء العين التي تحت يده والموصوفة في الدعوى ووجوب تسليمها إلى المؤجربالحالة التي كانت عليها عند استلامه لها  مع تسليم إيجاراتها عن الفترة من بداية يوليو 2004م وحتى يوم الإخلاء بأوفر الأجور وبما يقدره عدلان خبيران بالإضافة إلى دفع مبلغ خمسين الف ريال مصاريف قضائية ، ولذلك فإن هذا الحكم قد جاء موافقاً للقانون للأسباب التي ذكرها في أسبابه، وبناءً على ما سبق واستناداً إلى المواد 292 و299و 300 مرافعات وبعد المداولة فقد حكمت الدائرة بالآتي:

1-   رفض الطعن موضوعاً لعدم قيام سببه.

2-    مصادرة الكفالة.

3-   إلزام الطاعن بدفع مبلغ عشرين الف ريال للمطعون ضده مقابل المصاريف القضائية عن مرحلة النقض.

4-  إعادة ملف القضية إلى محكمة الإستئناف لإرساله إلى المحكمة الإبتدائية لإبلاغ كل طرف بنسخة من هذا الحكم، والله ولي التوفيق والسداد) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب الأوجه الآتية:

الوجه الأول: السند القانوني للحكم محل تعليقنا:

الحكم محل تعليقنا صدر قبل صدور القانون رقم (22) لسنة 2006م بشأن تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر ولذلك فقد استند الحكم إلى أحكام عقد الإيجار المنصوص عليها في القانون المدني ، وتحديداً المادة (711) التي تنص على أن ( ينتهي عقد الإيجار بإنتهاء المدة المتفق عليها في العقد دون حاجة إلى تنبيه أو إنذار) وكذا المادة(746) التي تنص على أن ( ينتهي الإيجار بإنتهاء المدة المعينة في العقد دون حاجة إلى تنبيه بالإخلاء) ، وعلى هذا فإن الحكم محل تعليقنا قد وافق نصوص القانون المدني التي كانت نافذة قبل صدور قانون تنظيم العلاقة فيما بين المؤجر والمستأجر، أما قانون تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر فقد ورد في المادة (87) من هذا القانون أنه ( ينتهي عقد الإيجار بإنقضاء المدة المبينة في العقد دون حاجة إلى التنبيه بالإخلاء ما لم ينص العقد على خلافه) وهذا يعني أنه يجوز النص في العقد على أنه يتجدد تلقائياً.

الوجه الثاني: سلطان الإرادة وأثره في التجديد التلقائي لعقد الإيجار:

من خلال المطالعة للحكم محل تعليقنا نجد أنه قد منع التجديد التلقائي للعقد  حتى ولو اتفق المستأجر والمؤجر على ذلك وذكرا في العقد بنداً ينص على أن العقد يتجدد تلقائياً ، وسند الحكم هو أن القانون المدني صرح  بأن العقد ينتهي بإنتهاء مدته دون حاجة إلى تنبيه بالإخلاء، كما أن الحكم قد استند إلى وجوب توفر الرضا لدى طرفي العقد عند تجديده، وهذا الرضاء غير متحقق لدى المؤجر الذي يطلب إخلاء العين بعد انقضاء مدة الإيجار ويرفض بقاء المستأجر في العين المملوكة له، في حين أن تجديد العقد هو بمثابة تعاقد جديد لفترة جديدة والقانون المدني ينص صراحة في المادة(177) على عدم صحة العقود التي لا يتوفر فيها الرضا حيث نصت على  أنه ( لا يصح العقد الصادر من شخص مكره عليه ويجب على من وقع منه الإكراه إرجاع ما كان الإكراه عليه).

فإرادة  ورضاء المؤجر قد انصرفت عند إبرام العقد إلى مدة العقد فقط، فلا يعني ذلك الرضاء بالفترة التالية لإنتهاء مدة العقد حيث أن التجديد يحتاج إلى رضا جديد كما هو الحال عند التعاقد بدايةً.

الوجه الثالث: التجديد الضمني لعقد الإيجار:

قد يرد بند في عقد الإيجار ينص على أن العقد يتجدد عند انتهاء مدته وهذا ما تناولناه في الوجه الثاني، أما التجديد الضمني للعقد فيكون حينما ينتهي عقد الإيجار وليس هناك بند ينص على تجديد العقد، كما أن الطرفان المؤجر والمستأجر لا يتفقا على إنشاء عقد جديد بل يسكتا ، فيعد سكوت المؤجر قبولاً ضمنياً بالعرض الضمني الصادر عن المستأجر والمتمثل بإستمرار انتفاعه بالعين المؤجرة ، ففي هذه الحالة يتم التجديد الضمني للعقد ، فيعتبر التجديد الضمني عقداً حقيقياً يتم بإيجاب وقبول ضمنيين ذلك أن بقاء المستأجر في الإنتفاع بالعين المؤجرة بعد انتهاء الإيجار يعد إيجاباً ضمنياً بتجديد العقد ما لم يتبين من الظروف والقرائن عكس ذلك، كما يعد عدم إعتراض المؤجر على ذلك قبولاً ضمنياً للتجديد ما لم يتبين من الظروف خلاف ذلك،  ويشترط لتطبيق التجديد الضمني أن تكون مدة الإيجار قد انقضت وأن تكون معينة ، كما يشترط أن لا يكون المؤجر قد  أخطر المستأجر بإخلاء العين وأن يبقى المستأجر في العين قاصداً تجديد العقد وأن يعلم المستأجر بذلك فيسكت، وقد قررت المحكمة العليا في حكم آخر أصدرته بتاريخ 9/6/2007م في الطعن رقم 29627لسنة 1428هـ بأن (عقد الإيجار يتجدد ضمنياً بدفع الإيجار وقبول المؤجر  بالأجرة واستلامها عن المدة التالية لإنتهاء عقد الإيجار)، والله أعلم.



تعليقات