حق الطريق الخاص
أ.د. عبد المؤمن
شجاع الدين
الاستاذ بكلية
الشريعة والقانون جامعة صنعاء
من الاشكاليات
العملية التي يتكرر وقوعها في اليمن الخلافات والنزاعات التي تنشأ بين الجيران
بشأن الطريق الخاص وحق المرور فيه وملكية هذا الطريق وحقوق الغير في المرور فيه ونطاق
حقوق الجيران في الانتفاع بالطريق الخاص مثل وضع خيام الافراح وحفر البيارات فيه
والحفر لأنابيب المجاري في هذا الطريق وفتح الابواب والنوافذ الى هذا الطريق ومدى
جواز نصب كاميرات المراقبة في هذا الشارع من قبل الجيران ....الخ الاشكاليات التي
يثيرها هذا الموضوع المهم علما بان نسبة الخلافات التي يثيرها هذا الموضوع كثيرة
سواء تلك المنظورة امام القضاء او تلك التي يتم حسمها عن طريق الصلح والتحكيم او
تلك ستثور في المستقبل بسبب سكوت القانون عن تنظيم بعض جوانب هذا الموضوع علاوة
على قلة الوعي بالجوانب القانونية لهذا الموضوع, ومن هذا المنطلق وعلى هذا الاساس
فقد وجدنا انه من المناسب لفت الانظار الى هذا الموضوع والتوعية بأحكامه وذلك
بمناسبة التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها
المنعقدة بتاريخ 19/3/2011م في الطعن المدني رقم (42300) لسنة 1432هـ وتتلخص وقائع
القضية التي تناولها هذا الحكم ان خلافا نشب بين جارين على ممر يفصل بين منزليهما
حيث ادعى احدهما ان ذلك الممر ملك خاص به لان جاره الملاصق للمر قد اشترى منه ارضية منزله
وان الممر لم يرد ذكره ضمن حدود الارض التي اشتراها في حين رد الجار المدعى
عليه بأن الممر مشترك بين الجارين لأنه حينما اشترى الارض كان هذا الممر موجودا
وقد استخدمه في دخوله وخروجه من المنزل منذ ان شرع في بناء المنزل : فرد عليه
المدعي : بان هناك طريق اخرى يستعملها المدعى عليه في دخوله وخروجه الى منزله فهو
ليس مضطرا او محتاجا لاستعمال الممر الخاص به وذكر المدعي ان الممر هو حمى وحرما
لمنزله, وانه يستعمله لمرور دورة المياه (المجاري) ومرور السيارة الى السقاية
المملوكة له وكذا الى زريبة المواشي الخاصة به, وقد عقب المدعي : بان المدعى عليه
قد قام بقطع الشارع المذكور وسده بسور بناء من الاحجار داخل الشارع, وقد حكمت
المحكمة الابتدائية برفض الدعوى, وقد جاء في اسباب الحكم الابتدائي (انه من خلال
المعاينة فقد اتضح للمحكمة ان المدعي قد اشترى الارض القائم عليها منزله من المدعى
عليه وان هناك طريق اخرى تسعه وتسع غيره وان المساحة التي بجانب سكن المدعي عليه
سته امتار فهي حوش تابع لمنزله وليست ممر
ولا يجوز ان تكون طريقا لأنها امام باب منزله) فلم يقبل المدعي بالحكم الابتدائي
حيث قام باستئنافه فقضت محكمة الاستئناف بقبول استئنافه وقبول دعواه والغاء الحكم الابتدائي ؛ وقد جاء
في اسباب الحكم الاستئنافي
(فما ورد في عريضة الاستئناف في محله وهو ما يستوجب قبوله موضوعا والحكم بإلغاء
الحكم الابتدائي المطعون فيه لبطلانه وبأحقية المستأنف ببقاء الطريق الخاص ومنع
المستأنف ضده من احداث أي شيء في الطريق يؤدي الى تضييقه, فالطريق الخاص قد تنشأ
بالعادة والعرف باعتبار حق الطريق والمرور من حقوق الارتفاق حسبما ورد في المادتين
(1340و1341) مدني) فلم يقبل المستأنف ضده الحكم الاستئنافي فقام بالطعن فيه بالنقض
امام المحكمة العليا وذكر في طعنه ان محل النزاع ليس شارع بل هو حوش منزله وانه
حينما باع الارض اشترط على المطعون ضده المشتري عدم فتح باب الى الحوش الذي سموه
شارع خاص وذكر ان الحكم الاستئنافي خالف القانون وتحديدا المادة (1353) مدني التي
منعت غير الشركاء من فتح ابواب الى الطريق الخاص واضاف الطاعن بان للمطعون ضده
ثلاثة ابواب الى الشارع الرئيسي ؛ الا ان
الدائرة المدنية بالمحكمة العليا رفضت الطعن واقرت الحكم الاستئنافي, وقد جاء في
اسباب حكم المحكمة العليا (من خلال رجوع الدائرة الى الحكم المطعون فيه فقد وجدته موافقا للقانون حيث ان الحكم الاستئنافي قد
ناقش الادلة والبراهين المقدمة من الطاعن مناقشة مستفيضة ومن ذلك ما ورد في الحكم
الاستئنافي : انه قد بين للشعبة بجلاء ان الطريق الفاصلة بين ملك المستأنف
والمستأنف ضده طريق خاص قائمة على الطبيعة والواقع وان حق المستأنف في المرور بتلك
الطريق لا غبار عليه فلا ملك لأي من طرفي النزاع في قرار الطريق وانما لهما حق
المرور وفقا للمادة (1538) مدني) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب ما هو مبين في
الاوجه الاتية :
الوجه الأول : ماهية الطريق الخاصة :
لم يعرَف القانون
المدني الطريق الخاص المشترك اما مجلة الاحكام العدلية فقد عرفت ذلك في المادة
(986) حيث نصت بان الطريق الخاص هي (الزقاق الذي لا ينفذ) أي الزقاق الذي لا ينفذ
الى الطريق الاخرى من احد طرفيه, وهناك من يذهب الى تعريف الطريق الخاص بأنه
(الطريق الذي يكون ملكا لأصحابه الذي يخصص لخدمة العقارات التي تقع عليه (الحقوق
العينية, د. محمد البشير .ص 68) وعند مطالعة الحكم محل تعليقنا نجد انه لم يشترط ان يكون الطريق
مسدود أي غير نافذ وانما اعتمد معيار مصدر الملكية فاذا كان الطريق قد تم تخصيصه
من الدولة بمالها من سلطة وولاية فانه يكون طريقا عاما وان كان الافراد او بعضهم
او واحد منهم قد خصص جزء من ملكه كطريق فأنها تكون طريق خاص سواء كانت نافذة او غير نافذة (شارع مسدود)
وحسن ما فعل الحكم.
الوجه الثاني : ملكية الطريق الخاص :
بحسب ما ورد في
التعريف السابق المختار للطريق الخاص بانها الطريق التي يخصصها الجيران المطلون
على شارع خاص بهم سواء تم اقتطاع هذا الطريق من املاكهم جميعا او دفعوا قيمته
جميعا او قام بتخصيصه بعضهم دون بعض او واحد منهم فقط فانه يكون طريقا خاصا, وقد
قرر القانون ان الطريق الخاص تظل ملكا للمالك الاصلي وانه يحق له ان يرجع في ذلك اذا كان قد اذن بجعله طريقا
خاصا بدون مقابل اما اذا كان قد تقاضى
مقابل ذلك فلا يجوز له ذلك؛ حيث نصت المادة (1343) مدني على انه (اذا اذن مالك العقار باستخدامه او تسامح في ذلك بدون
مقابل فان له ان يرجع في ذلك متى يشاء) .
الوجه الثالث : من هم اصحاب الحق في الطريق الخاص ؟
اصحاب الحق في الطريق الخاص هم الملاك الذين تنازلوا عن بعض املاكهم فخصصوها كي تكون طريقا خاصا وكذا الذين ابواب منازلهم مفتوحة الى هذا الطريق, فبما ان الطريق الخاص ملكا لأصحابه فان حق المرور فيه قاصر على اصحاب العقارات الواقعة عليه, وفي هذا المعنى نصت المادة (1352) مدني على ان (الطريق الخاص كالملك المشترك لمن لهم حق المرور فيه) ولان الطريق الخاص ملك خاص فلا يجوز للغير المرور فيه الا للضرورة كما لا يجوز لغير الشركاء ان يفتحوا نوافذ وابواب على هذا الطريق الخاص حيث نصت المادة (1353) مدني على انه (لا يجوز لغير الشركاء في الطريق الخاص فتح ابواب اليه او المرور فيه ولكن يجوز للمارين في الطريق العام الدخول في الطريق الخاص عند الضرورة) .
الوجه الرابع : ما يجوز للشركاء في الطريق الخاص :
يحق للشركاء في
الطريق الخاص المرور بها بموجب نص المادة (1352) مدني كما يجوز لهم فتح ابواب او
نوافذ اليها بموجب المادة (1353) مدني ويجوز لهم ارسال ماء الميزاب والمسيل ووضع
الساباط والروشن والبالوعة في الطريق الخاص شريطة ان لا يترتب على ذلك الضرر
بالطريق الخاص اوبالشركاء الاخرين حسبما ورد في المادة (1355) مدني, وان كان
للشركاء في الطريق الخاص هذه الحقوق الا ان ذلك مقرون بإذن الشركاء الباقيين فلا
يجوز لأي من الشركاء في الطريق الخاص ان ينفرد في احداث أي شيء يخصه في الطريق
الخاص المشترك الا بإذن او موافقة الشركاء الاخرين لان الطريق الخاص ملك مشترك بين
الجميع؛ وفي هذا المعنى نصت المادة (1353) مدني على انه (لا يجوز لاحد من اصحاب
الحق ان يحدث شيئا فيه بغير اذن الباقين الا المعتاد) .
الوجه الخامس : ما لا يجوز للشركاء في الطريق الخاص :
سبقت الاشارة الى ان الطريق الخاص ملك مشترك لجميع الشركاء فيها وهذا يقتضي ان يتمكن جميع الشركاء من الانتفاع فيها على النحو السابق بيانه شريطة ان لا يترتب على هذا الانتفاع تعطيل انتفاع الشركاء الاخرين؛ فلا يجوز للشريك ان يضع الزرب او الحطب او الاحجار في الطريق الخاص مثلما حصل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا فلا يجوز ان يتصرف باي تصرف يترتب عليه تعطيل الانتفاع بالطريق الخاص مثل ارسال ماء المجاري المكشوفة الى الطريق او وضع القمامة فيها وغير ذلك مما يعطل او ينقص حقوق جميع الشركاء او بعضهم في الانتفاع بالطريق او يحد من منفعتهم بها, وكذلك لا يجوز لاي من الشركاء فب الطريق الخاص نصب كاميرا المراقبة التي يصل مداها الى جدار جاره حتى لا يستطلع محارم جاره؛ والله اعلم.