جريمة طمس عبارة (محجوز من قبل المحكمة)
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
تقرر
المحكمة المختصة في حالات كثيرة الكتابة على جدران بعض العقارات عبارة ( العقار محجوز
من قبل محكمة كذا) وذلك لتنبيه المواطنين بأن العقار الموضوعة عليه هذه
العبارة ممنوع التصرف وغير قابل للتصرف أو
التعامل فيه، وتتم كتابة هذه العبارة من
قبل موظفين رسميين وبموجب محاضر رسمية وتنفيذاً لقرارات المحاكم المختصة، إلا أنه
في بعض الحالات يقدم بعض الأشخاص على طمس
تلك العبارة من غير إذن المحكمة التي قررت وضع تلك العبارة على جدار العقار
المحجوز ، ولا ريب أن هذا الموضوع له أهميته التي تستدعي الإشارة إلى بعض تفاصيله
في سياق التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية في المحكمة العليا في
جلستها المنعقدة بتاريخ12سبتمبر2013 في الطعن الجزائي رقم
(46980) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان النيابة العامة احالت احد
الأشخاص إلى المحكمة الابتدائية بتهمة اتلاف ختمً موضوعً على جدار عقار ،حيث قامت
بوضعه المحكمة المختصة، وذلك بأن قام الشخص المتهم بطمس وكشط العبارات الموضوعة من
قبل المحكمة على جدار الأرضية محل التنفيذ وهي العبارة التي كانت متضمنة أن الأرض
محجوزة من قبل المحكمة فتخلف الغرض المقصود من وضع ذلك الختم او تلك العبارة
، وطلبت النيابة من المحكمة معاقبة المتهم بموجب المادة (175)
عقوبات الخاصة بجريمة كسر الاختام، وقد توصلت المحكمة الابتدائية إلى ادانة المتهم
بالتهمة المنسوبة اليه في قرار الاتهام ومعاقبته بالحبس مدة ستة اشهر مع النفاذ،
وقد ورد في أسباب الحكم الابتدائي (وحيث ثبت للمحكمة ان المجني عليه قد لحقه ضرر
من وقوع جريمة كسر الحجز من المتهم بان فوت الغرض من الحجز عليه وحيث ان ذلك الضرر
نتيجة خطأ المتهم ومن ثم فان التعويض مستحق للمجني عليه وحيث أن المحكمة عند فحصها
للأرضية قد وجدت ان المتهم قد اقدم على طمس عبارة الحجز عمداً وبسوء نية ودون ان
يلجاء إلى القضاء) فلم يقبل المتهم بالحكم الابتدائي فقام باستئنافه فقبلت الشعبة
الجزائية الاستئناف وقضت بإلغاء الحكم الابتدائي بجميع فقراته، وقد ورد ضمن أسباب
الحكم الاستئنافي (تبين للشعبة ان الحكم الابتدائي قد اخطأ لان العبارة المكتوبة
على جدار الأرضية ليس ختماً حتى يقال ان المتهم قد اتلفه مع العلم أن الاختام لا
تكون إلا على محلات أو أوراق أو ما شابه ذلك، فنص المادة (175) عقوبات واضح) فقام
طالب التنفيذ بالطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة
العليا (بعد الرجوع إلى الأوراق مشتملات الملف فقد وجدت الدائرة الجزائية أن
الطاعن ينعي على الحكم الاستئنافي بانه باطل للخطأ في تطبيق القانون حسبما ورد في حيثياته بقوله ان الختم الذي تضعه
المحكمة هو ما يتم وضعه على المحلات التجارية إضافة إلى المتهم قد اقر بطمس عبارات
الحجز ،فذلك الفعل لا يخرج عن نص المادتين (175 و 319) عقوبات مما يجعل الحكم
الاستئنافي باطلا ،فالدائرة تجد أن تلك المناعي في محلها) وسيكون تعليقنا على هذا
الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : الغرض من وضع عبارة (العقار محجوز من قبل المحكمة) :
الحجز
من قبل المحكمة يعني منع المحجوز عليه من
التصرف في العقار ومنع الغير من قبول التصرف والتعامل بالعقار المحجوز ،
والحجز قد يكون تحفظياً كما قد يكون تنفيذياً لمصلحة طالب التنفيذ، وعلى هذا
الأساس فان عبارة العقار محجوز من قبل المحكمة حجزاً تنفيذياً تعني منع مالك
العقار من التصرف في العقار بأي نوع من انواع التصرف وكذا منع الغير من القبول بأي
تعامل بشأن العقار المحجوز أو ان يكونوا اطرافاً في أي تعامل او تصرف بالعقار
المحجوز اي منع التصرف فيه بيعاً أو شراء أو قبول ذلك، ويكون الحجز التنفيذي على
العقار مقدمة من مقدمات التنفيذ عليه بالبيع الجبري لصالح طالب التنفيذ المحكوم له ،فالحجز على العقار في هذه الحالة
يكون لصالح طالب التنفيذ حتى لا يتصرف المالك للعقار لغير طالب التنفيذ المحكوم له
،اما الحجز التحفظي فيكون مؤقتا حتى يتم
الفصل في النزاع لمعرفة لمن سيكون العقار بعد أن يحكم القاضي في موضوع النزاع
فيكون الغرض من الحجز التحفظي من اسمه التحفظ وحفظ العقار، فلايتم تدوين اوكتابة
عبارة (العقار محجوز من قبل المحكمة) الا بموجب قرار صادر من المحكمة بهذا الشان
وبموجب محضر رسمي يحرره قاضي او معاون التنفيذ ، فيتم ايقاع الحجز تنفيذاً لذلك
القرار حيث يتم تدوين عبارة ( العقار محجوز من قبل المحكمة حجزاً تنفيذياً أو
تحفظياً) بحسب نوع الحجز حيث يتم تدوين وكتابة هذه العبارة على جدار الأرض أو
العقار بخط واضح وعلى مكان ظاهر حتى تكون العبارة
ظاهرة لكل من يريد التصرف أو التعامل في العقار المحجوز، ويترتب على ايقاع
الحجز وتدوين عبارة (العقار محجوز من قبل المحكمة)، بطلان أي بيع أو تصرف في
العقار اعتباراً من تاريخ قرار ايقاع الحجز وليس من تاريخ كتابة عبارة (العقار محجوز من قبل المحكمة)، ويتم تدوين
وكتابة (العقار محجوز من قبل المحكمة) بموجب محضر انتقال قاضي التنفيذ او معاون
التنفيذ لإيقاع الحجز وكتابة العبارة المشار اليها، أي ان المحكمة المختصة هي التي
وضعت تلك العبارة التي تمنع الكافة من التصرف في العقار المحجوز.
الوجه الثالث : تكييف طمس عبارة (العقار محجوز من قبل المحكمة)
من خلال ما سبق يظهر
ان عبارة (العقار محجوز من المحكمة) عبارة عن إعلان او علامة أو اشارة للكافة بمنع
التصرف للعقار وتحذيرهم من ذلك، وبناءً على ذلك فان طمس تلك العبارة يعني طمس
الإعلان أو الاشارة العلامة التي وضعتها المحكمة للإيذان والإعلام بأن الأرض غير
قابلة للتصرف، ويترتب على الطمس جعل الأرض
قابلة للتصرف بالنسبة للغير الذين لا يعلمون بالقرار الصادر عن المحكمة بالحجز على
الأرض ومنع التصرف فيها، إضافة إلى أن كتابة تلك العبارة جزءً من إجراءات التنفيذ
الجبري على العقارات ولذلك فان طمس العبارة يكون اعتداءً على الإجراءات التي
تتخذها محكمة التنفيذ.
الوجه الرابع : طمس عبارة (العقار محجوز من قبل المحكمة) في القانون اليمني:
يقرر قانون الجرائم
والعقوبات ان عبارة (العقار محجوز من قبل المحكمة) بمثابة ختم للمحكمة تقوم بوضعه
على العقار لتمييز العقار المحجوز عن غيره
،فطمسه يكون بمثابة كسر لتلك العلامة او الختم حيث تنص المادة (175) عقوبات على ان
(يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن سنة أو بالغرامة من نزع أو اتلف ختماً من الاختام
الموضوعة على محل أو أوراق أو اشياء اخرى بناء على أمر من احدى السلطات القضائية
أو الادارية أو فوت الغرض المقصود من وضع الختم)، والله اعلم.