عند حصر التركة يتم تطبيق ما ورد في سندات الملكية
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
حصر
التركة هو اهم اجراء من إجراءات القسمة، ففي هذه المرحلة تحدث الخلافات وتثور
الاطماع والشهوات التي تطغى على اواصر القرابات، حيث يتنازع الورثة بشأن الممتلكات
الداخلة في وعاء التركة،فبعض الورثة يدعي ان كل أموال الورثة الخاصة هي من مشتملات التركة وأخرون يذهبون الى ان
تركة مؤرثهم ماهي الا جزءاً من سعيهم وجهدهم، وتظهر القيمة العملية والقضائية
للحكم محل تعليقنا انه حدد معياراً فاصلاً
في هذه المسالة يجب اتباعه عند حصر التركات وهو وجوب إعمال وتطبيق ما يرد
في وثائق ملكية الاموال, فاذا كانت وثائق ملكية الاموال تحكي ان المالك هو المؤرث
فيجب عندئذ اعتماد ما ورد في تلك الوثائق وادراج الاموال ضمن التركة واذا كانت
وثائق الملكية تحكي أن تلك الاموال خاصة ببعض الورثة فلاتدخل ضمن وعاء التركة،
والحكم محل تعليقنا هو الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها
المنعقدة بتاريخ 15/7/2018م في الطعن رقم (60522)، وتتلخص وقائع القضية التي
تناولها هذا الحكم ان الورثة اختلفوا بشأن ملكية المؤرث لبعض العقارات، وتركز
النزاع بشأن ملكبة خمس عمارات، حيث توصلت المحكمة الابتدائية إلى انها ملك المؤرث
وليس إبنه، لان شراءها كان في اثناء حياة المؤرث وان الابن كان في ذلك الوقت يعمل مع والده وان ثمنها كان من
والده وان الشهود قد شهدوا بان كل الأموال المكتسبة في اثناء حياة المؤرث من
الابرة إلى العمارة هي ملك المؤرث وليس لأبنائه فيها شيء، فقام الابن المدعي
ملكيته العمارات الخمس باستئناف الحكم إلا أن الشعبة المدنية قضت بتأييد الحكم
الابتدائي، فلم ييأس الإبن فقام بالطعن بالنقض حيث قبلت الدائرة الطعن وقضت بنقض
الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (فقد تبين ان الحكم
المطعون فيه قد خالف النظام العام والقوانين النافذة حينما استنتج عدم ملكية
الطاعن واختصاصه بالخمس العمارات التي ثبتت ملكيته لها بموجب سندات الملكية
الصحيحة فيما بين المشتري الطاعن والبائع له فتلك العقود لها حجيتها بموجب المادة (147) مدني، فالمعلوم ان
العقد ملزم للمتعاقدين، لذلك فقد خالف
الحكم المطعون فيه ماورد في العقود المبرمة بين الطاعن والبائع له لاسيما والطاعن
كان يمارس اعمالاً حرة وتجارية، ولذلك فان الحكم المطعون فيه قد وقع في خطأ جسيم
عندما ذكر ان العمارات المشار اليها قد تم ذكرها في فصل المؤرث الذي كان المؤرث قد
حرره حينما قام بالقسمة بينه وبين أولاده في اثناء حياته لان حجية تلك الفصول
ناتجة عن قسمة باطلة في اثناء حياة المؤرث إضافة إلى ان حجيتها قاصرة على الورثة
غير الإبن الذي كان رافضاً لذلك) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في
الأوجه الأتية
الوجه الأول : حجية مستندات الملكية :
مستندات الملكية هي الوثائق المعدة قانوناً لإثبات التصرفات
الناقلة للملكية حيث يتم تحريرها وتوثيقها من قبل المختصين قانوناً الذي أوجب
عليهم قانون التوثيق التحقق والتأكد من صحة وسلامة التصرفات وفقاً للقوانين
النافذة كما اوجب عليهم قانون التوثيق التحقق من صفات وشخصيات المتعاقدين، وكذا
التأكد من صحة ملكية البائع وما اذا كان الثمن المدفوع هو من مال المشتري نفسه وان
المبيع له وليس لغيره، وبناءً على ذلك فان هذه العقود صحيحة عملاً بالقاعدة
الشرعية والقانونية (الأصل في العقود الصحة)، وعلى هذا الأساس فان العقود الناقلة
للملكية المشار اليها حجة في إثبات ملكية المشتري للمال الذي شراه المثبت في تلك
الوثيقة، علماً بان الوسيلة المحددة قانوناً لإثبات الملكية وفقاً لقانون التوثيق
وقانون السجل العقاري هي مستندات الملكية (المكتوبة) وعلى هذا الأساس فان مستندات
الملكية دليل قاطع على ملكية المؤرث أو ورثته للعقارات والمنقولات كالسيارات
والجنابي وكذا المنقولات المذكورة في عقود شرائها وكذلك بالنسبة لعقود الوكالات
التجارية التي تتضمن اسم الشخص الوكيل والشركة الأجنبية الموكلة، حيث ينبغي اعتماد
ماورد في هذه الوثائق والعمل بموجبها عند حصر وتحديد أموال التركة.
الوجه الثاني : جواز دحض مستندات الملكية بأوراق الضد :
في بعض الحالات تكون
مستندات الملكية صوّرية أي غير حقيقية تخفي تصرف آخر هو الحقيقي، ووفقاً لقواعد
الصوّرية فانه يجب على من يدعي صوّرية مستندات الملكية ان يثبت صوّريتها عن طريق
ما يسمى بورقة الضد التي يصرح فيها المتعاقدان في وثيقة الملكية الظاهرة بان ما
ورد في ورقة أو وثيقة الضد هو الحقيقة وان ما ورد في مستند الملكية ليس حقيقياً
وان المستند الواجب التطبيق هو ما ورد في وثيقة الضد.
الوجه الثالث : مدى جواز إثبات الملكية بشهادات الشهود :
استقر قضاء المحكمة
العليا في اليمن وغيرها على العمل بمبدأ الثبوت كتابة فما يثبت كتابة لا يدحض إلا
كتابة،فماقرر القانون اثباته كتابة لايتم نفيه الا كتابة،ومن تطبيقات هذا المبدأ
وثيقة أو ورقة الضد المشار اليها في الوجه السابق من هذا التعليق، فكل الاشياء
التي يحدد القانون الكتابة طريقة ووسيلة لإثباتها لا يتم دحضها أو نفيها بغير
الكتابة (الإثبات في المواد المدنية والتجارية، لأستاذنا المرحوم الدكتور احمد ابو
الوفاء، صـ141) ولذلك لاحظنا ان الحكم محل تعليقنا قد اضرب عن الأخذ بشهادات
الشهود الذين شهدوا شهادات عامة بان كل ماتم اكتسابه في حياة المؤرث (من الإبرة
إلى العمارة) ملك للمؤرث.
الوجه الرابع : جواز دحض مستندات الملكية بإقرار المشتري المذكور في المستند :
مبدأ الثبوت بالكتابة
أصل أو قاعدة عامة ترد عليها استثناءات منها ورقة الضد المشار اليها فيما سبق من
هذا التعليق وكذا جواز نفي ما ورد في مستندات الملكية عن طريق اقرار المشتري أو
المالك المذكور في مستند الملكية بان ماورد في مستند الملكية ليس ملكه وإنما هو
ملك والده أو المؤرث، ويستوي في هذه الحالة ان يكون هذا الإقرار قبل تحرير وثيقة
الملكية أو بعدها كأن يقر المالك المذكور في مستند الملكية بانه سوف يشتري العمارة
أو السيارة أو الآلة باسمه ولكنها في الحقيقة ملك لأبيه وان قيمتها من مال أبيه شريطة
ان تتطابق بيانات المال المشتري المذكور في الإقرار مع بيانات المال المذكور في
مستند الملكية، كما قد يكون الإقرار لاحقاً لتحرير سند الملكية كأن يقر المالك
المذكور في سند الملكية بان المال الذي شراءه والثابت في سند الملكية هو ملك لأبيه
أو مؤرثه وان الثمن الذي دفعه لذلك المال هو في الحقيقة من مال والده، والله اعلم.
الاسعدي للطباعة ت : 772877717