المعاينة لا يقوم بها إلا القاضي
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
يقرر
القانون قواعد آمرة لا ينبغي مخالفتها، فاذا تمت مخالفتها فانه يترتب على ذلك
البطلان، ومن القواعد الآمرة ان المعاينة وسيلة إثبات يباشرها القاضي نفسه الذي ينظر القضية أو قاضي اخر
ينتدبه القاضي المختص لهذه الغاية، وقد تناول هذه المسألة الحكم الصادر عن الدائرة
المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 11/1/2015م في الطعن رقم
(56351) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان شخصين اختلفا بشأن الحدود
الفاصلة بين املاكهما حيث قامت المحكمة التي كانت تنظر الخلاف بين الطرفين قامت
بتكليف أمين سر المحكمة بمعاينة محل النزاع مع عدلي الطرفين، وبناءً على تقرير
المعاينة قضى الحكم الابتدائي بإعتبار الجدار الذي احدثه المدعى عليه حداً فاصلاً
بين املاك المدعي والمدعى عليه، وقد أيدت الشعبة الاستئنافية الحكم الابتدائي،
فقام المدعي المستأنف بالطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي حيث قبلت الدائرة المدنية
الطعن ونقضت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (حيث ان
محكمة أول درجة والشعبة قد اعتمدتا على
تقرير المعاينة المقدم من أمين السر الذي رافق عدلي الطرفين وتجاهلتا ان ذلك غير
جائز قانوناً وفقاً للمادة (160) إثبات، فالمتعين ان تقوم المحكمة أو من تنتدبه من
القضاة للقيام بذلك دون غيرهم حفظاً للحقوق وذلك من النظام العام وقاعدة آمرة لا
يجوز مخالفتها ومن ثم بطلان ما قضت به الشعبة الاستئنافية لبطلان الإجراءات
ومخالفتها لقانون الإثبات) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه
الأتية :
الوجه الأول : المعاينة إجراء قضائي :
المعاينة
بطبيعتها إجراء قضائي لانها جزءً من
مجموعة الإجراءات التي تتكون منها الخصومة القضائية، والإجراء القضائي بصفة عامة
يرتب القانون عليه اثراً اجرائياً مباشراً في الخصومة، فالمعاينة
إجراء قضائي من جانب المحكمة حتى يتمكن القاضي من الوصول إلى الحقيقة مباشرة من
غير واسطة (المعاينة في الدعوى المدنية، د.أوان الفيضي، صـ91) وبما ان المعاينة
اجراء قضائي فالواجب ان يقوم بها القاضي نفسه الذي ينظر القضية أو قاضي اخر ينتدبه القاضي المختص بنظر،
فلا يجوز ان يقوم بالمعاينة غير قاضي.
الوجه الثاني : وجوب قيام القاضي بالمعاينة وعدم جواز ندب غير قاضي للقيام بالمعاينة :
تقرر المادة (160)
إثبات وجوب مباشرة المعاينة من قبل القضاة وليس غيرهم من اعوان القضاء، وفي هذا
المعنى تنص هذه المادة على أنه(للمحكمة أو من تندبه من قضاتها أو من قضاة المحاكم
الأخرى ان تجري معاينة بان تنظر في الاشياء التي تفيد في إثبات الدعوى وتطلع عليها
وتفحصها لكي تصل إلى الحقيقة في شأنها ويجوز لها أن تستعين بخبير عدل أو اكثر
اثناء قيامها بالمعاينة) وقد قضى الحكم محل تعليقنا بان هذا النص الذي يقصر
المعاينة على القضاة فقط قاعدة آمرة لا تجوز
مخالفتها لانها من النظام العام، فهذا النص صرح بان المعاينة لا تكون إلا
من قبل القضاة.
الوجه الثالث : العلة من قصر المعاينة على القضاة :
سبق القول بان
المعاينة اجراء قضائي وليس اداري وان المحكمة هي التي تقرر إجراء المعاينة أو
عدمه، إضافة إلى ان المعاينة وسيلة من اهم وسائل الإثبات تترتب عليها اثار قانونية
ثبوتية تعتمد على مشاهدة القاضي وملاحظاته وسماعه لأقوال الخبراء العدول وشهود
التروية، ولذلك فان للمعاينة اثار خطيرة وان كانت نتائج المعاينة غير ملزمة إلا
أنه مؤثرة، ولذلك قرر القانون ان الاجدر بالقيام بهذه المهمة هو القاضي وليس غيره
ولو كان من اعوان القضاء كأمين السر أو غيره، والله اعلم.