احياء الأرض الموات لا يجوز في ملك الغير

 

احياء الأرض  الموات لا يجوز في ملك الغير

أ.د. عبدالمؤمن شجاع الدين

الاستاذ في كلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء

من الإشكاليات العملية والواقعية سعي بعض الأشخاص لتطبيق أحكام إحياء الأرض الموات على الأحياء في أراضي ميتة مملوكة للغير في حين ان الاحياء للارض الموات لايكون الا في الاراضي المباحة التي لاتكون مملوكة للغير  اوتلك التي لايتعلق بها حق اختصاص اوانتفاع للغير ولو.كانت في الأصل ارض مباحة كأن تكون حمى أو مسقى أو طريق  أو مرعي أو محتطب ينتفع به  الغير فقد تتعرض  الارض المملوكة الغيراوتلك التي ينتفع بها الى  الموت عندما  لايقوم مالكها بزراعتها  أو استثمارها كما قد تكون الأرض الموات المملوكة للغير مزروعة في أوقات سابقة ولكنها ماتت نتيجة لهجرانها من قبل ملاكها او تركهم لزراعتها، ومن المعلوم في فقه الشريعة الإسلامية وفي القانون ان إحياء الأرض الموات من مصادر الحق والملكية ولكن هذا الإحياء لايكون إلا في الأرض الموات المباحة التي ليست مملوكة لشخص أو حمى للقرى والمدن او مخصصة لانتفاع الأفراد جميعا كالمحاطب والمراعي وغيرها، ويلجأ الكثير من البساطين على أراضي الغير والمتهبشين إلى أحياء تلك الأراضي الميتة غير المباحة التي يبسطون عليها حتى يحدثوا في الأرض مظاهر الثبوت او الحيازة من غير رضاء الملاك الحقيقين للأرض ومن غير أن تكون لهؤلاء المتهبشين اية وثائق حقيقية موثوق بها على ملكيتهم للأرض الموات التي يقومون باحيائها ومن غير أن تكون لها حيازة شرعية  سابقة للأحياء، ويستغل هؤلاء الثغرة الموجودة في قانون الجرائم والعقوبات وقانون الإجراءات التي تصبغ الحماية للحائز الفعلي للأرض دون المالك الحقيقي ، وقد أشرنا الى ذلك في تعليقنا على أحكام عدة، والقضاء في اليمن له دور مشهود في مواجهة هذه الظاهرة الخطيرة التي تتسبب في مفاسد وفتن عظيمة، ويظهر هذا الدور في أحكام القضاء ومنها الحكم الصادرعن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ ٣٢/١١/٦٠٠٢م في الطعن المدني رقم ( ٧١١٦٢) لسنة ٦٢٤١ه وخلاصة أسباب هذا الحكم (أن الطاعن بالنقض قد نعى على الحكم  الاستئنافي انه قد خالف القانون حينما تجاهل ثبوت وحيازة الطاعن وقام بتأييد الحكم الابتدائي على علاته، وذكر الطاعن انه قدم أمام محكمتي الموضوع أدلة الإثبات من الشهادات على ثبوته على الأرض المتنازع عليها وقيامه بإحيائها والدائرة تجد أن الحكم الاستئنافي المطعون فيه يتفق مع الشرع والقانون لأن الشهادات المقدمة من الطاعن تثبت الحيازة العارضة التي زالت بزوال سببها كما أن إحياء الأرض لا يكون إلا في مباح وليس في ملك ثابت بوثائقه وحججه الشرعية والقانونية ولذلك فإن الطعن بالنقض لم يقم على سبب مما يستوجب رفضه ) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب الأوجه الاتية :

الوجه الأول : ماهية الأرض الموات التي يجوز احياؤها :

بحسب أقوال الفقهاء ونصوص القانون المدني اليمني فإن الأرض الموات التي يجوز للأشخاص احياؤها هي الأراضي غير المستغلة بأي وجه من وجوه الاستغلال كما انها ليست مراهق تنتفع بها أراضي الغير وليس هناك وثائق تفيد انها مملوكة للغير وليست حمى أو مايسمى حريم لاملاك الغير، وفي هذا الشأن اشترط الفقهاء في الأرض التي يجوز احياؤها الشرطين        الأتيين  :

١- أن تكون الأرض الموات ليست ملكا لأحد وليست من اختصاص أحد، اي ان الأرض التي توجد وثائق تدل على ملكيتها لشخص من الأشخاص او تدل قرائن الحال على ان شخص ما ينتفع بها دون غيره أي انها خاصة به دون غيره.

٢- الا تكون الأرض الموات مرتفقا لأهل البلد كمرعى أو محتطب او مقبرة اومناخ ابل اومطرح رماد فلايجوز احياؤها.

فقد اتفق الفقهاء على أن الأراضي التي لم يملكها أحد ولم يوجد فيها أثر عمارة أو انتفاع تملك بالأحياء كما اتفقوا على أن    الأراضي التي لها مالك معروف بشراء أو عطية أو غيره لا يجوز احياؤها لأحد غير أصحابها ( شرح الأزهار ٣/٢٦٣ والمهذب ١/ ٣٢٤ ) ،وفي الاتجاه ذاته ذهب القانون المدني اليمني حيث نصت المادة ( ٨٧١١ ) على أن ( الأراضي الموات التي لم يملكها أحد ملكية خاصة ولا ظهر عليها أحياء قديم مباحة يجوز تملكها ملكية خاصة طبقا لما ينص عليه في بابه ولا يجوز الأحياء في حريم العين والبئر والمسيل والشجر والدار إلا لمالكها وحريم كل شيء مما ذكر بحسبه ) وحددت أيضا المادة ( ٥٤٢١ ) مدني المواضع التي لا يجوز الأحياء فيها حيث نصت على انه ( لحمى البلد والبيوت والآبار والأشجار حرمة فلا يجوز لأحد تحجرها أو احياؤها إلا بإذن مالكها او ذو الحق فيها وحمى البلد هو مداخلها ومخارجها ومحتطبها ومرعاها وحمى الدار هو مايرتفق به أهلها في إقامتهم بها وحمى البئر مرافقها المعتادة ومايسع واردها لشرب او سقي ويضر أحداث شيء فيه واردها أو ماءها وحمى الشجرة ماتحتاج له في سقيها ومد جذورها وفروعها ويضر أحداث شيء فيه ثمارها وتراعى الأعراف في كل ماتقدم ) وتطبيقا لما تقدم فقد وجدنا الحكم محل تعليقنا قد قضى برفض الطاعن الذي تمسك بالثبوت والأحياء للأرض الموات وسند الحكم في ذلك هو أن الأرض الموات وان كانت موات إلا أن هناك وثائق ملكية تدل على أن هذه الأرض الموات ملك للمطعون ضدهم فليست أرض مباح لا مالك لها حتى يتمسك الطاعن  بالأحياء فيها كما أن المالك للأرض الموات لم يأذن للطاعن بالأحياء.

الوجه الثاني : كيفية إحياء الأرض الموات :

إذا كانت الأرض موات بحسب الشروط والضوابط المبينة في الوجه الأول فعندئذ يجوز احياؤها وقد حددت المادة( ٧٤٢١)

مدني كيفية الأحياء حيث نصت هذه المادة على أن يكون ( الاحياء لهذه الأرض بإعدادها للانتفاع بها بأحد أمور هي الحرث والبذر أو امتداد الكرم أو إزالة الشجر النابت فيها وتنقيتها من الحشائش أو اتخاذ حائط أو خندق عميق على الأرض من     ثلاث جهات أو بناء ونحو ذلك ) وكيفية الأحياء المنصوص في المادة السابق ذكرها تتفق مع ماقرره الفقه الإسلامي، وحتى يحقق الاحياء أثره القانوني يجب أن يكون قصد المحيي للأرض هو فعل الإحياء وليس مجرد التوسل بهذه الوسيلة لتملك    الأرض الموات حيث نصت المادة ( ٦٤٢١) مدني على أن (يعتبر في الإحياء والتحجر قصد الفعل لا قصد التملك فلا يشترط ويترتب عليه آثاره بمجرد حدوثه ) لأن الهدف من الإحياء للأرض الموات هو تعميرها و استثمارها فإذا كان قصد المحيي للأرض هو مجرد اتخاذ ذلك ذريعة لتملك تلك الأرض فقد انتفى الغرض من الإحياء فضلا على أن الشريعة والقانون تمنع الاحتجار والحبس للأرض الموات أكثر من ثلاث سنين لأن الغرض من إباحة إحياء الأرض الموات هو تشجيع الناس على تعمير الأرض الموات واستثمارها وليس مجرد حبسها.                                                          

الوجه الثالث :الحيازة العارضة لاتكون دليلا على الثبوت :

الحيازة هي الحيازة غير المستقرة التي لاتصل الى ثلاثين عاما المحددة في القانون المدني والتي سبقتها الحيازة الدائمة للمالك  الحقيقي وقد قضى الحكم محل تعليقنا بان الحيازة العارضة لاتكون دليلا على الثبوت لان هذه الحيازة تزول بزوال سببها سواء اكان هذا السبب شرعيا كالرهن والاجارة والعارية وغيرها كما ان الحيازة تزول اذا كان سببها غير شرعي كالغصب والاعتداء فليس لعرق ظالم حق حسبما ورد في الحديث الشريف.

الوجه الرابع. :الأدلة الكتابية مقدمة على الشهادات في إثبات الملكية:

من القواعد المستقرة في الاثبات ان ما ثبت كتابة لايجوزنفيه الا كتابة  ولذلك نجد الحكم محل تعليقنا لم ياخذ بأقوال الشهود الذين  احضرهم الطاعن للاستدلال بشهاداتهم على ملكيته وثبوته على الأرض محل النزاع لان الشهادات وان كانت لها اهميتها في الاستدلال على الثبوت الا انها.تكون.عاجزة على إثبات الملكية التي تعارف الناس كابر عن كابر باثباتها عن طريق وثائق وحجج شرعية تحكي انتقالها لمالكها عن طريق البيع او الوصية او الارث حسبما ورد في الحكم محل تعليقنا. والله اعلم.