الزام محكمة الطعن بتسبيب إبطالها للحكم

 

الزام محكمة الطعن بتسبيب إبطالها للحكم

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

من القواعد التي استقر عليها قضاء المحكمة العليا في اليمن  أنه يجب على محكمة الطعن اذا قضت بإلغاء الحكم المطعون فيه أو بعض فقراته ان تذكر أسباب ابطالها للحكم كليا أو جزئيا، ولا ريب أن هذا  الالزام من أهم ضمانات المحاكمة العادلة ،ولا شك أن لهذا  الالزام دواعيه ومقتضياته، ولذلك فقد اخترنا التعليق على الحكم  الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 2/2/2013م في الطعن رقم (47659) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم أن محكمة الاستئناف قضت بإلغاء فقرات من منطوق الحكم الابتدائي ولكنها لم تذكر في أسباب الحكم الاستئنافي الأسباب التي جعلتها تبطل تلك الفقرات، وعند الطعن بالحكم الاستئنافي بالنقض أمام المحكمة العليا نقضت الدائرة المدنية الحكم الاستئنافي، وقد ورد في حكم المحكمة العليا (وحيث أنه بعودة الدائرة إلى مدونة الحكم الاستئنافي المطعون فيه فقد تبين أن ذلك الحكم قد قضى في منطوقه بإلغاء البنود أولاً وثانياً وثالثاً من الحكم الابتدائي دون أن يبدي الحكم الاستئنافي أي سبب لذلك الالغاء لذلك يكون حكمها مشوباً بالبطلان ،إذ أنه من المقرر في قضاء المحكمة العليا أنه يجب على محكمة الاستئناف عند الحكم بإلغاء الحكم المستأنف أن تذكر الأسباب التي من اجلها قضت بإلغائه، وفي حالة الحكم بإلغاء فقرات من منطوق الحكم المستانف فان هذا الوجوب يتعلق بتلك الفقرات التي تم الغاؤها) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول :منطوق الحكم وأسبابه وعلاقتهما بإبطال الحكم :

من المعلوم أن منطوق الحكم هو النتيجة التي تفضي اليها أسباب الحكم ،فالأسباب هي الدعائم التي يقوم عليها المنطوق، كما أن كل فقرة من فقرات منطوق الحكم تتعلق وتتصل ببعض أسباب الحكم وتقوم عليها وتستند اليها، ولذلك فان إبطال الحكم يتجه إلى المنطوق باعتباره هو الحكم حقيقة،  ولا ريب أن إبطال منطوق الحكم كاملاً أو بعض فقراته يستوجب دراسة أسباب الحكم المرأد ابطاله أو إبطال  بعض  فقرات منطوقه  ،ليس هذا فحسب وإنما ينبغي على محكمة الطعام حينما تعتزم إبطال الحكم  أن تناقش تفصيلاً الأسباب  التي اعتمد عليها منطوق الحكم المرأد ابطاله وأن تذكر الأدلة والبراهين المؤكدة لبطلان الأسباب التي اعتمد عليها ذلك المنطوق وينبغي أن تكون أدلة بطلان الحكم التي تسوقها محگمة الطعن ارجح من الادلة التي استند اليها منطوق    الحكم المراد ابطاله، وخلاصة المقال أنه يجب أن تكون اسباب الابطال في حكم الإبطال أقوى من الأسباب التي قام واستند عليها منطوق الحكم المراد إبطاله، وطالما أنه يشترط عند إبطال محكمة الاستئناف او محكمة الطعن أن تذكر اسباب البطلان أو  تسبيب البطلان فانه يجب ان تتوفر في هذا التسبيب الشروط والضوابط المقررة في التسبيب عامة ،بل أن استاذنا المرحوم الاستاذ الدكتور أحمد ابو الوفاء يصرح في كتابه نظرية الأحكام ص271  أن محكمة الاستئناف عندما تتعزم إبطال الحكم جزئياً فانه يجب عليها التسبيب لأمرين :الأول: بيان أسباب ابطالها للحكم الابتدائي، والامر الثاني: التسبيب لإقامة حكمها البديل للحكم الذي تبطله جزئياً، ولذلك فان تسبيب محكمة الاستئناف في هذه الحالة يتطلب جهداً ومهارة، ولأهمية التسبيب في هذه المرحلة لاحظنا أن الحكم محل تعليقنا قد ابطل الحكم الاستئنافي الذي أهمل ذكر أسباب ابطاله للفقرات التي ابطلها في الحكم الابتدائي.

الوجه الثاني : مدى التزام المحكمة العليا بتسبيب نقضها للأحكام الاستئنافية :

مع أن حكم المحكمة العليا قد صرح بأن قضاء المحكمة العليا قد استقر على الزام محكمة الاستئناف بتسبيب إبطالها للأحكام إلا أن هذا المبدأ ملزم أيضاً للمحكمة العليا ذاتها إذ يتوجب عليها ان تذكر أسباب نقضها للأحكام الاستئنافية سواء اكان النقض جزئياً أم كلياً، إلا أن تسبيب نقض الأحكام من قبل المحكمة العليا يكون تسبيباً قانونياً وليس موضوعيا حيث تقتصر على ذكر الأسباب القانونية التي جعلتها تنقض الحكم جزئيا أو كليا،ً لان المحكمة العليا تباشر رقابتها القانونية على الأحكام الموضوعية ومدى التزامها بالقانون، ولان أسباب الطعن بالنقض تكون أسباباً قانونية فان  المحكمة العليا عند تسبيبها للنقض تناقش تلك الاسباب مناقشة قانونية ، غير أن المحكمة العليا بمناسبة تسبيبها لنقض الأحكام لا تناقش ذلك مناقشة موضوعية إلا أذا كانت هذه المناقشة لها أصل في أوراق ملف الطعن وكانت  متعلقة بتطبيق القانون أو مخالفته.

الوجه الثالث : الاعتبارات التي يستند اليها مبدأ وجوب تسبيب محكمة الطعن عند ابطالها للأحكام المطعون فيه :

هذه الاعتبارات هي الاعتبارات ذاتها التي يستند اليها مبدأ وجوب تسبيب القاضي للحكم، ومنها التأكيد على عدم تحكم محكمة الطعن في إبطالها أو نقضها للحكم وبعدها عن المزاج والهوى وبسط الرقابة عليها للتأكد من التزامها بالنصوص الشرعية والقانونية عند إبطالها أو نقضها للاحكام ، وبيان النصوص الشرعية والقانونية التي خالفها الحكم المطعون فيه التي استوجبت الحكم بإبطاله أو نقضه، فضلاً عن أن الحكم المطعون فيه قد قام على أسباب واسانيد فلا يعقل أن يتم إبطاله أو نقضه من غير سبب علاوة على أن بيان أسباب إبطال الحكم المطعون فيه أو نقضه تبين استحقاق الحكم المطعون فيه للإبطال أو النقض فهي بيان للاعتبارات والاسانيد التي جعلت محكمة الطعن تقضي بنقضه، والله أعلم.