جريمة تخريب شبكة نقل الطاقة الكهربائية
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
من
الجرائم الخطيرة المتعدية في اثارها جريمة تخريب شبكة نقل الطاقة الكهربائية، وهذه
الجريمة ليست نادرة في المجتمع اليمني، ويترتب عليها تعطيل وصول الطاقة الكهربائية
الى الآف المشتركين بل ملايين المشتركين ،ولذلك فان هذه الجريمة من الجرائم المضرة
بالاقتصاد القومي حسبما وصفها الحكم محل تعليقنا وهو الحكم الصادر عن الدائرة
الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 19/1/2013م في الطعن الجزائي
رقم (44108) لسنة 1433هـ تتلخص وقائع
القضية التي تناولها هذا الحكم ان النيابة اتهمت احد الاشخاص بانه قد قام أكثر من
خمس مرات بالاعتداء على شبكة خطوط نقل الطاقة الكهربائية حيث كان يقوم بالقاء اسلاك
الحديد على خطوط نقل الطاقة فكان في كل مرة يحرقها كما انه قام مرتين بإحراق عمودي
الكهرباء الخشبيين ، حيث كان يقوم بحرق الاطارات جوار العمود الخشبي حتى يحترق
وتسقط الاسلاك على الأرض ،وقد افاد المتهم أمام المحكمة بأن الكهرباء تعين الاشخاص
على المعاصي مثل مشاهدة الافلام والصور الخليعة والافلام الاباحية وانه قد شاهد
ذلك في احد فنادق صنعاء وانه منذ الحين قد اعلن الجهاد على الكهرباء !!! وقد قضت
محكمة أول درجة بإدانة المتهم والاكتفاء بالمدة التي قضاها في السجن والزامه بدفع
خمسة مليون ريال الى مؤسسة الكهرباء، فقامت النيابة والمتهم باستئناف الحكم فقضت الشعبة
الاستئنافية بتعديل المبلغ المحكوم به على المتهم الى ثلاثة مليون فقط معللة حكمها
بان هذا المبلغ يتناسب مع الافعال التي اعترف المتهم بارتكابها ،إضافة إلى أن
المتهم لم يقصد احداث انهيار في الاقتصاد القومي حسبما ورد في قرار الاتهام وإنما
تحمل افعال المتهم على الجهل المطبق، علاوة على أن الشك يفسر لمصلحة المتهم، فلم
يقبل المتهم بالحكم الاستئنافي فقام بالطعن فيه بالنقض الا أن الدائرة الجزائية
رفضت الطعن شكلاً لثبوت تقديمه بعد مضي المدة المحددة قانوناً للطعن في الحكم
عملاً بالمادة (443) إجراءات) وسيكون تعليقنا على الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه
الأتية :
الوجه الأول : التجريم والعقاب لتخريب منشأت الطاقة الكهربائية وتوصيتنا :
من
القواعد المضطردة في الشريعة والقانون أنه كلما اتسع نطاق تأثير الجريمة وخطورتها
كلما وجب ان تزيد شدة العقوبة المقررة على مرتكبها ،وكلما ترتب على الجريمة تعطيل
نشاط ومنفعة مرفق خدمي كلما تحولت الجريمة من عادية الى قومية أو مضرة بالاقتصاد
القومي ،وهذا الامر ينطبق تماماً على جريمة تخريب
منشأت الطاقة الكهربائية وما في حكمها ،فهذا الاعتداء يترتب عليه تعطيل
نشاط قطاع خدمي مهم متصل بعموم المواطنين وبالنشاط الاقتصادي للمحلات والمعامل
الاقتصادية التي تعتمد على الطاقة الكهربائية، ولذلك فان تخريب منشأت الطاقة
الكهربائية مضر بالاقتصاد القومي ،فقد ورد في قرار الاتهام في القضية التي تناولها
الحكم انه كان يترتب على الاعتداءات التي كان يقوم بها الجاني انقطاع التيار
الكهربائي عن المحافظة بأسرها واحياناً انقطاعها عن بعض المديريات ،فان قرار
الاتهام قد قام بتكييف الجريمة على أساس انها جريمة تخريب الأموال المتعلقة
بالاقتصاد القومي وفقاً للمادة (147) عقوبات التي نصت على أن (يعاقب بالحبس مدة لا
تقل عن سنة ولا تزيد عن عشر سنوات من خرب بنية احداث انهيار في الاقتصاد القومي
مصنعاً أو احد ملحقاته أو مرافقه أو جسراً أو مجرى مياه أو سداً أو خطاً
كهربائياً أو مبنى أو مستودعاً للمواد الأولية أو المنتجات أو السلع الاستهلاكية
أو غير ذلك من الأموال الثابتة أو المنقولة المملوكة للشعب المعدة لتنفيذ خطة
الدولة الاقتصادية ولها
أهمية حيوية للاقتصاد القومي) وعند استقراء هذا النص نجد أنه ينطبق تماماً على
جريمة الاعتداء على الخطوط الكهربائية، وكذلك نجد أن هذا النص قد تضمن شروطاً من شأنها تعطيل التجريم والعقاب
الوارد في هذا النص، ومن ذلك اشترط النص
توفر نية احداث انهيار في الاقتصاد ولذلك راينا أن الحكم الاستئنافي قد
التمس العذر للمتهم بذريعة أنه لم ينوي احداث ذلك الانهيار، إضافة إلى أن هذا النص
قد اشترط لقيام جريمة تخريب اموال متعلقة بالاقتصاد القومي أن تكون الأموال معدة
لتنفيذ خطة الدولة الاقتصادية، وكذا اشترط النص ان تكون تلك الاموال لها أهمية
حيوية للاقتصاد القومي فهذه الشروط الثلاثة تقلص نطاق تطبيق هذه العقوبة فضلاً عن
تشجيعها لجرائم الاعتداء والتخريب للأموال العامة ذات العلاقة بالاقتصاد القومي.
الوجه الثاني : المسؤولية المدنية عن تخريب شبكة الخطوط الكهربائية :
من خلال مطالعة الحكم
محل تعليقنا نجد أن مؤسسة الكهرباء قد تقدمت أمام المحكمة بدعوى مدنية تبعية طلبت
فيها الحكم على المتهم بمبالغ طائلة تعويضاً عن الاضرار المالية التي لحقت بالخطوط
الكهربائية ومحولات الطاقة الكهربائية وهذه الاضرار عبارة عن اضرار مباشرة ناجمة
مباشرة عن جريمة التخريب المنسوبة للمتهم، ولكن المحكمة الابتدائية قضت بالزام
المتهم بتعويض مؤسسة الكهرباء بمبلغ خمسة ملايين ريالاً وقد خفضت محكمة الاستئناف
هذا المبلغ الى ثلاثة ملايين ريالاً ، وهذا يدل على التساهل مع الجناة، وقد اشار
استاذنا الدكتور محمد إبراهيم زيد إلى أن السمة العامة للتشريع الجزائي في اليمن
أنه يتعاطف مع المجرم ويتجاهل ضحية الجريمة.
الوجه الثالث : التعويض عن انقطاع التيار الكهربائي :
يترتب على جريمة
تخريب الخطوط والمنشأت الكهربائية انقطاع التيار الكهربائي عن المشتركين، ويترتب
على ذلك تعطيل مصالح واعمال المشتركين الذين يحق لهم مطالبة مؤسسة الكهرباء
بتعويضهم عما لحق بهم من ضرر او فاتهم من كسب بسبب انقطاع التيار الكهربائي، على
اساس اخلال المؤسسة بالتزامها العقدي بتزويدهم بالتيار الكهربائي، فلا تستطيع مؤسسة
الكهرباء التحلل من هذه المسئولية الا اذا اثبتت ان الانقطاع قد حدث بسبب اجنبي لا
يد لها فيه لم تكن تتوقعه ،وانها قد اتخذت
الاجراءات والتدابير المناسبة للحيلولة دون حدوثه ومع ذلك فقد حدث، واذا قامت
مؤسسة الكهرباء بتعويض المتضررين من
انقطاع الكهرباء فانه يحق لها الرجوع على المعتدي على الكهرباء، والله اعلم.