نوع ولاية هيئة أراضي الدولة

 

نوع ولاية هيئة أراضي الدولة

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

الهيئة العامة لأراضي الدولة هي الجهة المعنية قانوناً بإدارة أراضي وعقارات الدولة والممتلكات العامة والمحافظة عليها والدفاع عنها واستثمارها بما يحقق الأهداف والمقاصد التي ابتغاها الشرع والقانون من أراضي وعقارات الدولة كما أن هناك خلط في قانون اراضي الدولة بين ملكية الدولة والملكية العامة، وقد اشار الحكم محل تعليقنا إلى ان ولاية الهيئة العامة لأراضي الدولة ليست ولاية المالك للأرض الذي يتصرف فيها متى ما يشاء وكيفما يشاء وانما ولايتها ولاية إدارة وتنظيم اراضي وعقارات الدولة، فالحكم محل تعليقنا هو الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 16/1/2013م في الطعن رقم (47146) ،وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان شخصاً تقدم بدعوى ضد الهيئة العامة للأراضي مدعياً ان الهيئة قد قامت بتأجيره أولاً قطعة أرض ولكنها في تاريخ لاحق  قامت بتأجير قطعة الأرض ذاتها لشخص آخر، وقد اجابت الهيئة بان التأجير الصحيح الصادر منها هو للمستأجر  الآخير، وقد توصلت المحكمة الابتدائية إلى الحكم على الهيئة بتعويض المدعي بأرض أخرى مجاورة، وقد أيدت محكمة الاستئناف الحكم الابتدائي وأقرت الدائرة المدنية الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن اسباب حكم المحكمة العليا (وحيث ثبت ان هيئة الشعبة مصدرة الحكم المطعون فيه قد ناقشت ما فصلت فيه محكمة أول درجة وما طرح عليها وفقاً للمادة (288) مرافعات ومن ضمن ذلك ما دفعت به هيئة الأراضي من انها صاحبة الولاية على اراضي وعقارات الدولة وانها قد منحت القطعة للمستأجر منها وان المطعون ضده ليس له صفة، فالدائرة تجد انما ورد في الطعن وقائع سبق لهيئة الشعبة مناقشتها وثبت لديها صحة ما قضت به محكمة أول درجة، وحيث ان الثابت في القانون ان ولاية هيئة الأراضي على أراضي وعقارات الدولة ليست كالولاية على الملكية الخاصة تهب كما تريد وتمنع متى تشاء وإنما هي ولاية تنظيمة نظم القانون مداها وحدودها، وحيث أن الثابت في الأوراق اقدمية المطعون ضده في الحيازة والمتابعة، ولما سبق فان قضاء الحكم المطعون فيه كان صائباً) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : الملكية العامة وملكية الدولة وتوصية للجهة المعنية بالدولة :

هناك فرق دقيق وحساس بين ملكية الدولة والملكية العامة، فملكية الدولة قابلة للتصرف فيها بيعا وشراء وغيره، أما الملكية العامة فهي ملكية الامة فلاتجوز فيها التصرفات الناقلة لملكيتها واخراجها من ملكية الامة إلى ملكية الأفراد وانما تقوم الدولة بادارتها وتنظيمها بما يكفل النفع المشترك لكل افراد الامة،والظاهر أن نصوص الدستور اليمني  لم تتناول ملكية الدولة وإنما اهتمت بتناول الملكية العامة، فالدستور استعمل بوعي بالغ مصطلح الملكية العامة ولم يستعمل مصطلح (ملكية الدولة) حيث نصت المادة (19) من الدستور على ان (للأموال والممتلكات العامة حرمة وعلى الدولة وجميع افراد المجتمع صيانتها وحمايتها) فالمقصود بالملكية العامة هنا ملكية المجتمع كله  فالشعب هو المالك الحقيقي للأموال والممتلكات العامة ، اما المقصود بملكية الدولة كشخصية اعتبارية  فهي حقها في تملك المال والاستفراد به والتصرف فيه بإعتبارها مالكة للمال أو الأموال، في حين ان الدولة لاتكون مالكة (للأموال والممتلكات العامة)  وإنما تكون نائبة عن المجتمع في ادارة املاكه العامة أي أن دور الدولة في هذه الحالة هو ادارة وتنظيم وأستغلال واستثمار هذه الاموال بما  يعود بالنفع المشترك على كل افراد الامة (النظرية العامة للملكية العامة ،ا.د.عبد المؤمن شجاع الدين،ص35 ) ، وهذا هو الفارق الجوهري والحساس بين (ممتلكات الدولة) و (الممتلكات العامة) اما قانون أراضي وعقارات الدولة فانه لم يفرق بين الملكيتين حسبما هو ظاهر في المادتين(5و6)من ذلك القانون ، ولا ريب ان هناك فرق بين ملكية الدولة والملكية العامة ، فالأراضي المخصصة لوزارات ومصالح الدولة واجهزتها تكون ملكاً للدولة في حين تكون الأراضي الأخرى كالمراهق العامة والأراضي الصحراوية ...الخ من الممتلكات العامة (النظرية العامة للملكية العامة، أ.د.عبدالمؤمن شجاع الدين، صـ241) ومن خلال مطالعة المادتين 5و6من قانون أراضي وعقارات الدولة نجد انها قد خلطت بين ممتلكات الدولة والممتلكات العامة وجعلت حكمهما واحدا،ولذلك فإننا نوصي الجهة المعنية بإعادة النظر في هذه المسالة المهمة واعادة صياغة المادتين المشار اليهما لبيان اراضي وعقارات الدولة والممتلكات العامة كلا على حدة. 

الوجه الثاني : مدى جواز التصرف في الممتلكات العامة وممتلكات الدولة في الفقه الإسلامي :

 الفقه الاسلامي يفرق بين ملكية الدولة (بيت مال المسلمين) وبين الملكية العامة ، فقد اتفق الفقه الإسلامي على  انه يجوز للدولة أن تتصرف في املاكها تصرف المالك،اما بالنسبة للاملاك العامة فان الدولة تكون في هذه الحالة  نائب عن الأمة في ادارة الأملاك العامة وحسن ادارتها وتنظيمها واستثمارها واستغلالها وتنظيم الانتفاع المشترك بها من قبل كل افراد الامة بما يعود بالنفع العام على كل افراد الامة، وبناءً على ذلك لا يجوز للدولة مباشرة التصرفات الناقلة للأملاك العامة الى الغير لان ذلك التصرف ليس من تصرفات الإدارة لانه يخرج المال من مالكه فلا يجوز للولي او النائب مباشرته مثل الدولة في ذلك مثل الولي على أموال القاصرين ومثل الدولة في ذلك مثل الولي على الوقف او ناظر الوقف، وبناءً على ذلك فلا يجوز للدولة في الفقه الاسلامي ان تتصرف بالبيع او الهبةاو غيره من التصرفات الناقلة للملكية بالنسبة للممتلكات العامة ولكن يجوز لها ان تقوم بتأجير او استغلال او استثمار الممتلكات العامة بما يعود بالنفع على الأمة،وقد أخذت القوانين الوضعية بما ذهب إليه الفقه الاسلامي في التفرقة بين املاك الدولة والممتلكات العامة وفي مقدمة هذه القوانين القانون الفرنسي الذي استعمل مصطلحين فارقين بين الملكيتين(الدومين العام والدومين الخاص) . 

الوجه الثالث : ولاية الهيئة العامة لأراضي الدولة :

صرح الحكم محل تعليقنا بان ولاية الهيئة هي ولاية تنظيمية،فسلطة الهيئة وفقا للقانون وبصرف النظر عن الممتلكات العامة وممتلكات الدولة  فولاية  هيئة الاراضي   على أراضي وعقارات الدولة ليست باعتبارها مالكاً لأراضي وعقارات الدولة وإنما على أساس انها تتولى الإدارة والتنظيم  لأراض وعقارات الدولة والممتلكات العامة وحمايتها والدفاع عنها، فهذه سلطة المدير وليست سلطة المالك بحسب ما قضى به الحكم محل تعليقنا، وما قضى به الحكم محل تعليقنا يتوافق مع قرار إنشاء الهيئة العامة للأراضي الذي حدد بوضوح وظيفة الهيئة واهدافها وهي  حصرً أراضي الدولة وحمايتها والمحافظة عليها، كما يظهر ذلك من النصوص القانونية في قانون اراضي وعقارات الدولة التي اناطت التصرف الناقل لملكية اراضي الدولة الى رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء، وبما ان ولاية الهيئة العامة للأراضي بحسب قضاء الحكم محل تعليقنا  هي ولاية تنظيمية او ادارية فان ذلك يعنى ان يتجه اهتمام الهيئة إلى تغليب الجانب التنظيمي بما يوفر الضمانات والإجراءات الحمائية لأراضي وعقارات الدولة والممتلكات العامة، والله اعلم.