الحكم الجنائي على الضمين التجاري

 

الحكم الجنائي على الضمين التجاري

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

كل موظف لا يتم قبوله في الوظيفة الا بموجب ضمانة تجارية (الكفالة) وبعض الموظفين يرتكبون جرائم الاختلاس اوغيرها من الجرائم الماسة بالمال العام نتيجة لوسوسة شياطين الانس والجن ؛ ولان الله لا يصلح عمل المفسدين فان المختلسين والمفسدين يتم ضبطهم والحكم عليهم بالعقوبات في الحق العام وتقوم الجهات المجني عليها  التي اعتدى الموظف على مالها تقوم بالرجوع على الكفيل أو الضامن في اثناء  اجراءات المحاكمة الجزائية وامام المحكمة الجزائية فيتم في بعض الاحيان الحكم على كفيل المختلس من قبل القاضي الجزائي الذي حكم في القضية الجزائية مع ان الضمانة او الكفالة مسألة مدنية او تجارية وليست جزائية؛ ولذلك فان هذه المسألة الدقيقة تحتاج الى التوعية بشأنها ولفت الانظار اليها وذلك بمناسبة التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 15/6/2009م في الطعن الجزائي رقم (38264) لسنة 1430هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم: ان نيابة الاموال العامة قامت باحالة احد الاشخاص الى محكمة الأموال العامة الابتدائية بتهمة التزوير واختلاس مبالغ مالية في احد البنوك الحكومية؛ حيث سارت المحكمة في اجراءات المحاكمة حتى خلصت الى الحكم على الموظف (في الجانب الجنائي : بثبوت ادانة المتهم بالتهمة المنسوبة اليه في قرار الاتهام ومعاقبته بالحبس مدة سنتين من تاريخ القبض عليه تعزيراً في الحق العام، وفي الجانب المدني الزامه بتسليم المبلغ المختلس من قبله الى البنك وذلك مبلغ وقدرة ثلاثة مليون ومائتين وخمسين الف ريال بالإضافة الى تسليم الدفتر المختلس من قبله الذي يحمل الارقام من ... إلى .... المكلف بالعمل به وكذا تسليم أصل الحوالة الصادرة عن البنك المحررة من قبله رقم ... المؤرخة .... وكذا تسليم الشيك رقم ... المؤرخ ...، وللبنك حق استيفاء المبلغ المذكور آنفاً من الضامنين ...و... مجتمعين أو منفردين وللمذكورين الرجوع على المتهم بما يسلماه للبنك وبما غرماه في سبيل ذلك، كما يلزم المتهم بتسليم مائة الف ريال مصاريف تقاضي) فلم تقم النيابة العامة او المتهم باستئناف الحكم الابتدائي؛ وانما قام الضامنان باستئناف الحكم الابتدائي، فنظرت الشعبة الجزائية في الاستئنافين حتى انتهت الى الحكم (بقبول استئناف كل من ...و... وتأييد الحكم الابتدائي بكل فقراته باستثناء ما يتعلق بالضامن ... والضامن ... فاللازم الغاء الفقرة المتعلقة بهما في منطوق الحكم الابتدائي لان دعوى الضمان مدنية بحتة فلا يجوز قانوناً نظرها تبعاً للدعوى الجزائية) فقام المتهم المحكوم عليه بالطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي وفي تاريخ لاحق حرر الطاعن بالنقض تنازلاً عن الطعن قامت بأرفاقه نيابة النقض بمذكرتها ولذلك فقد قضت الدائرة الجزائية بثبوت تنازل الطاعن عن طعنه بالنقض واعتبار الحكم الاستئنافي باتاً واجب النفاذ) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الاوجه الاتية :

الوجه الأول : الدعوى المدنية التبعية الجائز رفعها امام القاضي الجزائي تبعاً للدعوى الجزائية :

الدعوى المدنية التبعية التي يجوز للمضرور من الجريمة ان يرفعها امام القاضي الجزائي الذي ينظر الدعوى الجزائية هي دعوى مدنية ومع ذلك يجوز رفعها امام القاضي الجزائي على سبيل الاستثناء حتى يفصل فيها القاضي الجزائي مع الدعوى الجزائية في حكم واحد توفيرا للوقت والجهد والمال وتحقيقاً لمبدأ الاقتصاد في اجراءات التقاضي ولان سبب الدعوى المدنية التبعية هو الفعل الجنائي موضوع الدعوى الجزائية ولذلك فان الدعوى المدنية التبعية تكون متعلقة ومرتبطة بالدعوى الجزائية إضافة الى ان القاضي الجزائي الذي ينظر في الدعوى الجزائية يكون هو الاجدر والاقدر على نظر الدعوى المدنية تبعاً للدعوى الجزائية المنظورة امامه حيث تتوفر لديه كافة الادلة والمعلومات والبيانات اللازمة عن القضية برمتها، ولذلك فان قانون الاجراءات قد قرر بان الدعوى المدنية التبعية لا ترفع الا ممن لحقه ضرر من الجريمة حسبما ورد في المادة (43) اجراءات اضافة الى ان موضوع الدعوى المدنية هو التعويض عن الضرر الذي لحق بالمضرور من الجريمة علاوة على ان هذه الدعوى يتم رفعها على المتهم بالجريمة الذي تتم محاكمته امام القاضي الجزائي.

الوجه الثاني: عدم جواز رفع الدعوى المدنية التبعية على كفيل المتهم او ضمينه:

صرحت المادة (48) اجراءات بعدم جواز ذلك حيث نصت على انه (لا يسمح برفع دعوى الضمان امام المحاكم في الدعاوى الجزائية ولا ان يدخل في الدعوى غير المدعي بالحقوق الجزائية ولا ان يدخل في الدعوى غير المدعي بالحقوق الجزائية ولا ان يدخل في الدعوى غير المدعى عليهم بالحقوق المدنية والمسئولين عنها والمؤمن لديهم) وهذا النص صريح في عدم جواز رفع الدعوى المدنية على كفيل المتهم أو ضامنه امام القاضي الجزائي  وتبعاً لذلك عدم جواز الحكم عليه مدنياً تبعاً للدعوى الجزائية ، كما ان عدم جواز دعوى الضمان او الحكم على الضامن تتأسس على المادتين (43 و 48) اجراءات اللتين حصرتا تقديم الدعوى المدنية التبعية على الضرر بسبب الجريمة في حين ان الكفيل اوالضامن لا ينطبق عليه هذا الوصف كما ان الدعوى المدنية يتم رفعها على المتهم فمن غير المقبول شرعاً وقانوناً ان يدعي الكفيل على المكفول عليه وهو الذي كفله والتزم بالوفاء بأية مبالغ او تعويضات قد تحدث نتيجة فعل الموظف المكفول عليه، ومع ذلك فانه من المقرر قانوناً في القانون المدني انه يجوز للكفيل ان يرجع على الموظف المكفول عليه بكل المبالغ والتعويضات التي يدفعها نيابة عن الموظف وذلك بدعوى مدنية أصلية يرفعها الكفيل امام القضاء المدني المختص غير انه لا يجوز للكفيل ان يتقدم بهذه الدعوى امام القاضي الجزائي تبعاً للدعوى الجزائية.

الوجه الثالث : دعوى الضمانة او الكفالة دعوى مدنية بحتة.


قضى الحكم محل تعليقنا بان دعوى الكفالة او الضمانة على الموظف هي دعوى مدنية بحتة أي انها ليست تابعة للدعوى الجزائية فلا يجوز الحاقها او قياسها على الدعوى المدنية التبعية التي يرفعها المضرور من الجريمة امام القاضي الجزائي تبعاً للدعوى الجزائية، فالكفالة واحكامها نظمها القانون المدني موضوع الكفالة المدنية متعلق بالقانون المدني ً، وكذلك نظم القانون التجاري احكام الكفالة التجارية او الضمانة التجارية وهي المقصودة في الحكم محل تعليقنا وذلك في المواد (من 230 حتى 249) تجاري وتبعاً لذلك فان موضوع الكفالة او الضمانة التجارية موضوع تجاري بحت مستقل عن الجريمة والاضرار التي ترتبت عليها، ولذلك فان القضاء المختص بنظر الكفالة هو القضاء التجاري او المدني وليس القضاء الجزائي، والله اعلم.