تطابق الحكم مع محاضر الجلسات
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
ينبغي ان تكون محاضر
جلسات المحاكمة مرآة صادقة وأمينة لإجراءات التقاضي باعتبارها من اهم أوراق القضية
وبالمقابل فان بيانات الحكم يجب ان تكون مطابقة للبيانات الواردة في محاضر جلسات
المحاكمة حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها
المنعقدة بتاريخ 7/7/2012م في الطعن رقم (43659) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها
هذا الحكم ان الطاعن بالنقض ذكر في طعنه بان الحكم الاستئنافي المطعون فيه باطل
لان البيانات الواردة فيه مغايرة لتلك البيانات الواردة في محاضر جلسات المحاكمة،
وقد قبلت الدائرة الطعن ونقضت الحكم الاستئنافي، وقد جاء في اسباب حكم المحكمة
العليا ( وبرجوع الدائرة إلى أوراق القضية فقد تبين لها ان بعض ما اثاره الطاعن له
ما يبرره، فما اثاره بشأن تاريخ جلسة النطق بالحكم المذكور في متن الحكم انه غير
صحيح، فالواضح ان الشعبة قد عقدت في القضية أكثر من (22) جلسة ابتداء من الجلسة
المؤرخة ... فالتاريخ الثابت في متن الحكم مخالف للثابت في محاضر جلسات المحكمة،
فالتاريخ المذكور في الحكم لم يكن تاريخ
النطق بالحكم أو حجز القضية للحكم، فذلك التاريخ لم يتم فيه النطق بالحكم حسبما هو ثابت في محضر الجلسة وانما تم في تلك
الجلسة هو: ان المحكمة قررت تأجيل القضية لإحضار فلان ابن فلان وحددت لذلك جلسة
... ثم نطقت بالحكم بتاريخ ...حسبما هو ثابت في المحضر المرفق ضمن ملف القضية،
وحيث تبين مما سبق ان الحكم المطعون فيه قد اعتراه البطلان في الإجراءات التي اثرت
في الحكم وذلك سبب جوهري يستوجب نقض الحكم)وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو
مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : المقصود بالتطابق بين مدونة الحكم ومحاضر الجلسات :
تتضمن محاضر جلسات المحاكمة تاريخ الجلسات واثبات حضور الخصوم واقوالهم
والمذكرات المقدمة منهم وقرارات المحكمة ، وفي الغالب يتم تضمين مدونة الحكم وضمن
محصل الشجار أو محصل إجراءات المحاكمة يتم تضمينه البيان والاجراءات الواردة في
محاضر جلسات المحاكمة وبحسب ترتيبها الزمني حتى تكون مدونة الحكم مطابقة لما ورد
في محاضر الجلسات، وبناءً على ذلك فان مجرد الخطأ المادي في النقل من محضر الجلسة
إلى مدونة الحكم (المحصل) لا يكون مبطلاً للحكم.
الوجه الثاني : اهمية التطابق بين مدونة الحكم ومحاضر جلسات المحاكمة
محصل النزاع هو الجزء الغالب من
الحكم حيث يتضمن هذا المحصل يتضمن سرداً لسير اجراءات المحاكمة كما هو ثابت في
محاضر جلسات المحاكمة وبحسب تسلسل وترتيب الجلسات الزماني، لذلك ينبغي ان يكون
محصل الحكم مطابقاً لما يرد في محاضر الجلسات التي تم نقل بيانات محصل الحكم منها
حتى تتحقق في الحكم القضائي خصائص الوحدة والكفاية والاستقلالية، فوحدة الحكم تعني
اتساق اجزاء الحكم ومكوناته بدءا من ديباجة الحكم حتى منطوقه فلا يكون الحكم متسقا ً إلا إذا كان المحصل قد تضمن اجراءات
التقاضي كاملة حسبما هي ثابتة في محاضر الجلسات، كما لا تتحقق في الحكم خاصيتي
الاستقلالية والكفاية إلا اذا تضمن المحصل الإجراءات والقرارات المثبتة في محاضر
الجلسات حتى يكون الحكم وثيقة مستقلة بذاتها وكافية للاحتجاج بها من غير حاجة لأية
وثائق اخرى ولو كانت اوراق القضية، ولذلك ينبغي ان تكون البيانات الواردة في مدونة
الحكم مطابقة للأصل الذي تم نقلها منه حتى لايتم الاحتياج إلى الرجوع إلى محاضر
الجلسات، كما ان التطابق بين الحكم ومحاضر الجلسات دليل وشاهد على الأمانة والدقة
في نقل البيانات من المحاضر إلى مدونة الحكم،اضافة أن التطابق له أهمية بالغة في
تكوين قناعة القاضي وإحاطته بتفاصيل وملابسات القضية التي يحكم فيها، لان تطابق
البيانات المدونة في الحكم وتلك الواردة في محاضر جلسات المحاكمة يعني ان القاضي
قد فهم القضية فهماً صحيحا مطابقا لما تم في اجراءات التقاضي وان القاضيً قد أحاط
بتفاصيل القضية على نحو دقيق وصحيح، فضلاً عن ان تطابق البيانات بين محاضر الجلسات
والحكم دليل على عناية القاضي ودقته ليس في نقل البيانات من المحاضر إلى الحكم
وإنما عنايته ودقته في الحكم الذي توصل اليه، وكذلك فان تطابق البيانات بين الحكم
والمحاضر يوفر الاطمئنان لدى الخصوم لان الخصوم عندما يقومون بالطعن بالأحكام
يتجهون في البداية إلى المقارنة فيما بين ما ورد في المحاضر وما تم تضمينه في
الحكم حتى يتأكدوا مما اذا كانت الحكم قد
اغفل أي من الإجراءات او طلباً من طلباتهم أو أياً من أوجه دفاعهم ودفوعهم، ولذلك
فان هيئة التفتيش القضائي قد اصدرت تعميماً في الآونة الاخيرة خاطبت المحاكم بوجوب
إعداد محصل النزاع عند حجز القضية للحكم فيها وتسليم الخصوم نسخ منه لغرض الاسراع
في تحرير الحكم وكذا استدراك أي نقص وإزالة أي تناقض، وقد كان الأمر متبعاً عند
القضاة في الماضي زحتى وقت قريب، حيث كانت هذه الطريقة تقلل من الطعون في الأحكام
والتشكيك في نزاهة القضاة، لأن تحصيل الأحكام وإعداد المحصل لا يخلوا من التلاعب
في البيانات اذا لم يخضع المحصل للمراجعة والتدقيق والمقارنة والمطابقة مع محاضر
الجلسات بل وأوراق القضية كالمذكرات المقدمة من الخصوم وتقارير الخبراء وغيرها،
ولذلك ينبغي على القاضي ان لا يكتفي عند تسبيبه للحكم بمطالعة المحصل وإنما عليه
ان يرجع إلى أصل الدعوى وأدلتها والرد عليها أو الاستئناف وأدلته والرد عليه، كذلك
يجب على القاضي ان يعد ملخصاً مختصرا للقضية في بداية تسبيبه للحكم للتدليل على
احاطته وفهمه للنزاع، فهذا الملخص غير المحصل، وهذا الملخص له اهميته لمعرفة مدى
المام القاضي وإحاطته بملابسات النزاع.
الوجه الثالث : تأثير عدم التطابق بين مدونة الحكم ومحاضر الجلسات :
ذكرنا فيما سبق ان المقصود بالتطابق هو تطابق البيانات والإجراءات الجوهرية
المؤثرة في الحكم مثل وجود بيانات وإجراءات في مدونة الحكم لا وجود لها في محاضر
الجلسات، فقد لاحظنا ان الحكم محل تعليقنا قد ابطل الحكم الاستئنافي لان البيانات
الجوهرية في مدونة الحكم لا وجود لها في محاضر جلسات المحاكمة مثل قرار حجز القضية
للحكم وتاريخ النطق بالحكم فهذان الإجراءان الجوهريان مذكوران في مدونة الحكم غير
انه ليس لهما وجود في محاضر الجلسات إضافة إلى ان مدونة الحكم قد تضمنت ان هذين
الإجرائين قد اتخذتهما المحكمة في جلسات المحاكمة وذكرت في مدونة الحكم تاريخ
الجلستين اللتين قامت فيهما باتخاذ الإجرائين، في حين ان محضري الجلستين المشار
اليهما لم يرد فيهما ذكر لهذين الإجرائين، وهذا الأمر يكشف التلاعب الذي يتم في
اعداد محصل النزاع كما انه في الوقت ذاته يكشف عن خطورة إكتفاء القاضي بمطالعة
محصل النزاع دون الرجوع إلى محاضر الجلسات وأوراق القضية الاخرى مما يوجب بسط
رقابة القاضي الفاعلة على إعداد محصل النزاع، والله اعلم.
الأسعدي للطباعة ت : 772877717